هل هو سحر السلطة أم متعة الحكم .. سبب التمسك بالكرسي؟!
* امل مهدى
في مصيدة التاريخ يتساقط الطغاة، كما يتساقط الذباب بلا حول و لا قوة، بعد أن يكون التاريخ قد أصدر حكمه ضدهم و نفذه فيهم، وقد شهد التاريخ الإنساني على مر الأيام والعصور أنواع مختلفة من الحكام الطغاة .
بداية من النمرود أول طاغية على الأرض وانتهاء بفرعون القرن الحادي والعشرين في مصرحسني اللامبارك . مروراً بآلاف من الطغاة الذين فتكوا بشعوبهم وكبلوا إرادتهم وتحكموا بهم وكأنهم مجرد أسلاب تعود ملكيتها لهم وأشبعوها قهراً وعبودية وإذلالاً وأهانوها أيما إهانة يسومونهم مر العذاب.
وابتكروا أساليب وأنماط مختلفة من وسائل التعذيب والقتل والتسلط عليهم، ويلاحظ أن التشابه الشديد في السلوك بين الطغاة يصل إلى حد التطابق بين الواحد والآخر وكأنهم من سلالة أو أسرة واحدة.
فلو قرأنا عن حياة الفرعون الأكبر وكيف كان يعامل رعيته لوجدناها متطابقة بدرجة عالية مع ما يمارسه نوري المالكي اليوم مع الشعب العراقي لا تختلف سوى في بعض التفاصيل.
والملاحظ والمتأمل لسلوك الحكام العرب, استماتتهم في الدفاع عن عروشهم بوسائل شتى, ومهما كان الثمن، يحتار المرء في الأمر.
فهل ترد المسألة لأسباب تاريخية أم تربوية أم ثقافية أم نفسية أم جميعها؟؟؟
وبالنظر لتاريخنا العربي الإسلامي, تعددت صيغ مسميات الحكم من خلافة إلى إمارة إلى ملك إلى سلطان إلى رئاسة مدى الحياة، ولا نعرف شكل تداول السلطة, فمن يبلغ سدة الحكم حتى عن طريق الصدفة أو الخطأ, يتمسك به إلى أرذل العمر, حتى لو كان مصابا بالزهايمر...
حتى لو كلفه الأمر تصفية الأعداء وحتى الأقرباء.ألم يتخلص المأمون من أخيه الأمين للاستفراد بالحكم، ودسائس التوريث لم يخل منها البلاط العباسي وقبله الأموي.
والأمثلة والشواهد كثيرة، وتواصل الأمر بنفس الوتيرة إلى أيامنا الحالية، فكم من حاكم عربي أطاح بوالده أو أخيه من السلطة وولاية العهد.
وتاريخنا دليل على رسوخ ثقافة, شهوة الحكم المطلق، وثقافة ساهمت فيها تربية تكرس الفردية، تربية لا تعرف للحوار والمشاركة سبيلاً، ابتداءً من البيت مروراً بالمدرسة وصولاً إلى الشارع.
فلو تتبعنا سيرة وتاريخ رؤيتنا للعمل والوظيفة وخاصة ولاية الأمر لاكتشفنا, احتكارها حتى ممن لا يتمتعون بقدرات تؤلهم لذلك وقديما قال أبو العلاء المعرى:
يسوسون الأمور بغير عقل فينفذ أمرهم ويقال ساسة فأف من الحياة وأف منى ومن زمن رئاسته خساسة
وهذه العوامل وغيرها شكلت سيكولوجيا وذات مريضة بالحكم, بالأضواء, تعجز عن العيش في الظل, أو الاضطلاع بمهام أقل, تتمسك بأنيابها وأظافرها للبقاء المحور والقلب و النواة التي يدور الجميع في فلكها, تسبح بحمدها آناء الليل وأطراف النهار، ولذلك يستميت حكامنا في الدفاع عن عروشهم.
كان "عبد الملك بن مروان" جالساً في مسجد"المدينة" عندما جاءه رسول من "دمشق" يبشره بخلافته للدولة الأموية.... عندها أطبق القرآن الذي بين يديه قائلاً: وداعا هذا فراق بيني وبينك لا لقاء بعده !
وهنا سؤال يطرح نفسه عن ماهية القوة المؤثرة التي دفعت مروان بن الحكم و غيره من حكام الأرض السابقين واللاحقين إلى الانقلاب رأسا على عقب وفي لحظة ... قد يكون الرد بسيطاً ... إنها السلطة ومتعة الحكم.
ولكن إذا ما حاولنا أن نتعمق قليلاً سنصل إلى نتيجة أكثر تعقيداً مما تصورناها، فهذه القوة الخفية المخيفة تدفع الطغاة إلى أعمال غير معقولة ومخيفة في نفس الوقت.
ومثالاً على ذلك قتل السلطان "سليم" الأول أولاد أخيه من الذكور وهي نفسها التي دفعت "إيفان الرهيب "و"بيتر الأول" وغيرهم من الملوك والقياصرة والسلاطين والديكتاتوريين إلى قتل أولادهم وأصدقائهم .
وهي نفسها التي حرضت"جنكيز خان"و "تيمورلنك" على ذبح الشعوب وبناء أهرامات من جماجم البشر..... وتابع غيرهم الطريق نفسه هتلر، ستالين، وغيرهم حتى طغاتنا في العالم العربي لا يقلون دموية وعشقا للمظالم عنهم .
إن وراء القسوة والظلم عند الطغاة عقدة تسمى" عقدة السلطة" وحب التسلط أو التحكم بالعباد تمتد جذورها.... حسب رأي علماء التحليل النفسي .... من مرض نفسي تبرز أعراضه في رغبة جامحة للسيطرة على النفوس والأجساد وما يحيط بها من خيرات.
وهي إرادة تحمل في طياتها الرغبة في تحجيم إرادة الفرد والمجتمعات لصالح جهة واحدة وفي أغلبها شخص واحد بما يتلاءم وهوس الطغاة وتظهر في بعد آخر محاولة التركيز على الأنا... على أشكال من الألقاب والصور والتماثيل والمقولات الخالدة لا حصر لها والتي تملئ كيان البشر.
فقد كان الإسكندر المقدوني يظن نفسه ابنًا للآلهة.. أما نابليون فقد كان على قناعة بأنه ولد ليحكم العالم كله، وستالين كان يتصرف كأذكى وأقوى شخص على وجه البسيطة .
أما هتلر فكان على رأس التفوق العرقي... وإذا ما وصلنا إلى حكامنا العرب في بعض وجوههم تفوقوا على غيرهم في هذا المضمار.
يقول"ليون تولستوي" مؤلف "الحرب والسلم" محللا تلك النفسية : الجنون أفضل من العقل والذين لا يملكون العقل يصلون إلى أهدافهم فهم لا يقيمون للحواجز أي أهمية فلا الخجل ولا الكذب ولا حتى الخوف ولا انعدام الضمير يمنعهم من الوصول إلى ما يريدون .
ويعتمد الطغاة للامساك بزمام الأمور وعبر التاريخ باستغلال معتقدات الناس وانتمائهم وأحلامهم الإثنية والدينية والعشائرية ... وغيرها، للسيطرة عليهم بوعود كاذبة .
وما أن يسلموا رقابهم حتى يظهر الطغاة على حقيقتهم وتبرز نوازعهم المريضة متفننين في خلق مراكز ومؤسسات القمع مركزين طاقتهم وإمكانياتهم واهتمامهم عليها فهي التي تعطيهم الأمان والاطمئنان وكذلك للقيام بمغامرات كارثية.
ويرى الشيخ يوسف القرضاوي أن الحاكم بصفته ولياً للأمر ينبغي" أن تكون له صفات تصل به إلى ما يصبو إليه الشعب وما تبغيه الأمة، ومن ثم، فإن الحاكم في نظره هو: الذي يجعل أكبر همه، وشغل فكره وقلبه؛ هو نصرة الإسلام، وتحرير أرضه واسترداد كرامته، ورفع رايته في الآفاق.
إنه القائد الذي يجند طاقات الأمة كلها للجهاد: المادية والبشرية، ويكون هو بخلقه وسلوكه قدوة لأمته في الزهد والتواضع، والتقوى والإخلاص لله، وإيثار الآخرة والإعراض عن زخارف الدنيا .
إنه الحاكم الذي لا يضيع درهماً من مال، ولا ساعة من زمن، ولا قليلاً من طاقة في غير خدمة الوطن، وما تتطلبه من تعبئة وإعداد، إنه لا ينفق الجهود والأموال في الدعاية لشخصه، ولا في التجسس على شعبه، ولا في تصفية معارضيه، والغدر بكل من يراه خطراً عليه، ولو كان أقرب الناس إليه.
إنه الحاكم الذي يوالي من والى المسلمين، ويعادي من عادى المسلمين، ولا يواد من حاد الله ورسوله. ولو كان أباه أو ابنه أو أخاه".
ويرى الشيخ القرضاوي أن الحكام الذين تسلطوا على رقاب الأمة اليوم فاقوا كل الطغاة على مر التاريخ؛ ولئن كان الحجاج بن يوسف الثقفي قد ضرب المثل الأعلى في طغيان الحكام؛ فإن حكام العصر الحالي فاقوا الحجاج بل الحجاج كما يقول الشيخ: أشرف من هؤلاء خصومة، وأنبل سيرة بيقين .
ونهاية أؤكد أن الطغاة ليسوا خطرين على شعوبهم وإنما خطرين على أنفسهم أيضاً ، فمتى ستصحو الأمة من جديد بدون طغاتها لتلملم جروحها وتغسل قروحها ...