دوافع التفاؤل العربي المسبق بفوز باراك أوباما د. عبد العاطي محمد قبل نحو أسبوعين من نقطة النهاية، بدا المرشح الديمقراطي باراك أوباما متقدما على منافسه الجمهوري جون ماكين في السباق إلى البيت الأبيض، وإن لم تقع مفاجآت في الساعات الأخيرة فإن الرجل سيصبح أول رئيس ملون في تاريخ الولاياتالمتحدة، ومعه ستتغير أميركا إلى حد كبير في سياساتها الداخلية والخارجية. وفي ظل صعود أسهم أوباما تعالت حدة التفاؤل في الأوساط السياسية والإعلامية العربية حتى أن بعض المسؤولين وصناع القرار في المنطقة العربية لا يخفون ثقتهم في فوز المرشح الديمقراطي برغم أن أوباما نفسه يحد في خطاباته الأخيرة من حدة التفاؤل التي تشعر بها حملته الدعائية، ويتحسب عن حق من المفاجآت التي اعتادت عليها الانتخابات الأميركية سواء لأن أصوات المترددين غالبًا ما تقلب الموازين ولا أحد يستطيع التنبؤ بها إلا يوم الانتخابات نفسه (الرابع من نوفمبر المقبل)، أو لأن العملية الانتخابية المعقدة في أميركا تغير الأوضاع أحيانا بشكل مفاجئ مثلما حدث في انتخابات جورج بوش لولايته الأولى عام 2000 حيث كان بإمكان منافسه الديمقراطي آل جور أن يحسم التصويت لصالحه لولا ما وقع من مشاكل في مسألة احتساب عدد الأصوات في بعض الولايات الأميركية وتحديدًا فلوريدا. ومع ذلك تستمر حالة التفاؤل في الأوساط العربية بإمكان فوز أوباما، ولهذه الحالة أسبابها التي تتعلق بمسار الحملة الانتخابية للمرشح الديمقراطي من ناحية، وعدم الارتياح العربي لإدارة الجمهوريين طوال السنوات الثماني الماضية من ناحية ثانية، ومن مضامين بخطاب أوباما نفسه ومن ناحية ثالثة الذي يقوم على شعار التغيير بما يعني أنه في حالة فوزه فإن السياسة الأميركية ستختلف عن سابقيها واختلافها في حد ذاته يعني طرحًا جديدًا تستفيد منه السياسة العربية في أكثر من قضية ساخنة معنية بها. لقد تقدم أوباما على منافسه في المناظرات الثلاث التي أجريت بينهما ولم يستطع جون ماكين أن يسجل نقاطًا ضده طوال تلك المناظرات. وقبل المناظرات وبعدها بالطبع كانت استطلاعات الرأي التي تجريها صحف كبرى ومؤسسات متخصصة في الولاياتالمتحدة تعطي أوباما نقاطا أعلى من ماكين، ومع تكرار التقدم في الاستطلاعات لم يعد النظر إلى هامش الخطأ الذي دائمًا ما توضحه هذه الاستطلاعات لكي لا تعطي انطباعا متسرعًا خاطئًا قائمًا، ومن ثم حظي الفارق في النسب بين المرشحين بقدر كبير من الثقة، وكل من المناظرات واستطلاعات الرأي يعد من الأمور المهمة التي يقيس بها المحللون وأنصار الحملة الانتخابية للمرشحين مدى التقدم لكل منهما، وغالبًا ما لا يتأثر هذا التقدير أو يتغير عند الانتخابات ذاتها. وتجارب الانتخابات السابقة أكدت أهمية هذين المؤشرين. ولكن أموال الانتخابات تلعب دورًا مهما في إنجاح الحملات الدعائية ومن ثم إمكانية الوصول إلى البيت الأبيض. وهذه المرة استطاع أوباما أن يجمع تبرعات عززت التفاؤل في أوساط الحزب الديمقراطي خصوصًا أنها تحققت في ظل فوارق الإمكانات بين شخص المرشحين من ناحية وحساسية وضع أوباما نفسه (من ناحية أخرى) بوصفه أميركيًا ملونًا من أصل إفريقي بما يجعله حالة استثنائية في تاريخ الرئاسة الأميركية، والحالات الاستثنائية غالبًا ما لا تجد تأييدًا مؤثرا بين الناخبين الأميركيين ولا من قوى الضغط المالية التي تقف وراء مرشح أو آخر. لقد استطاع أوباما بدأبه واجتهاده هو ومن يقفون خلفه أن يحظى بتقدير قطاع عريض من الأميركيين خصوصًا من الشباب والسود بالطبع. وفي ظل هذا الصعود المطرد والمستديم، فجر كولن باول وزير الخارجية الأميركي السابق مفاجأة من العيار الثقيل بإعلانه تأييده لأوباما وأنه سيعطيه صوته في الانتخابات. وسر المفاجأة يكمن في أن باول جمهوري أصيل وله شعبيته الطيبة بين أوساط الأميركيين من أي اتجاه بحكم تاريخه المشرف عسكريًا وأدائه السياسي كوزير للخارجية في الإدارة الاولى لجورج بوش. وراح أنصار حملة ماكين يفسرون انحياز باول الجمهوري لأوباما الديمقراطي بأنه يرجع إلى خلافات باول مع جورج بوش في مسار الحملة العسكرية الأميركية ضد العراق والسياسة الأميركية هناك منذ عام 2003 مما دعاه آنذاك إلى الاستقالة بعد فترة من هذا الغزو، كما قال جون ماكين نفسه إنه كان يتوقع هذا الموقف من باول بما يعني أنه موقف غير مفاجئ له وللجمهوريين وكان يحسبون حسابه فيما ينظر إليه على أنه تقليل من تأثير موقف باول المؤيد لأوباما، ولكن باول وضع النقاط على الحروف فأعطى ثقلا موضوعيًا ومؤثرًا لقراره عندما قال إنه صديق لماكين ولكن مصلحة أميركا اليوم هي في اختيار أوباما وإبعاد ماكين والجمهوريين عن البيت الأبيض، ووصف أوباما بأنه الرئيس المنتظر لأميركا الذي يجمع بين الأسلوب والجوهر، فهو من وجهة نظره شاب صاحب رؤية لتغيير أميركا ويملك قدرات شخصية للتعبير عن أفكاره وآرائه ويبعث على الثقة في أنه قادر على قيادة أميركا مستقبلا، وكان بذلك يؤكد معايير مهمة للغاية عند الأميركيين في اختيار قياداتهم السياسية العليا. والأهم أنه رجل عسكري يحظى بالتقدير وتأييده لأوباما يقلل إن لم يسقط تماما مخاوف الناخبين الأميركيين من عدم قدرة أوباما على أن يقود أميركا عسكريا بسبب قلة خبرته وافتقاده لهذه الميزة مقارنة بجون ماكين صاحب التاريخ العسكري البارز في حرب فيتنام، يضاف إلى ما سبق أن أوباما أصبح متقدمًا في بعض معاقل البيض الذين غالبًا ما ينحازون إلى الحزب الجمهوري، وفي الوقت نفسه لم يعد تقدمه مقصورًا على شخصه فقط بل تشير التقديرات إلى أن الديمقراطيين سيحصدون أصوات الناخبين في الانتخابات التصفية للكونغرس التي تجرى في نفس يوم انتخابات الرئيس بما يعني أنهم سيرفعون أغلبيتهم الحالية في مجلس النواب وربما أيضًا في مجلس الشيوخ، وإن حدث ذلك فإنه سيعد عنصر دعم قويا للغاية لأوباما عندما يصبح رئيسًا للولايات المتحدة بما يعني أنه سينطلق من أرضية سياسية قوية لتحقيق برنامجه في التغيير المتوقع، ثم أتت الأزمة المالية العالمية لترفع من أسهم أوباما حيث بدا تناوله لها مقنعًا للأميركيين بدرجة أكبر مما جاء على لسان جون ماكين. ومن الطبيعي أن تنتقل هذه الحالة من التفاؤل الغالبة الآن بين أوساط الأميركيين إلى السياسيين والإعلاميين والمتابعين لمسار الانتخابات الأميركية في المنطقة العربية مما عزز الشعور بالثقة بينهم في فوز المرشح الديمقراطي وتوقع تحول مأمول في السياسة الأميركية في العالم والشرق الأوسط على وجه الخصوص. ولكن يبدو أن للتفاؤل العربي المسبق بفوز أوباما أسبابه الأخرى، حيث لم يعد سرًا أن المنطقة العربية تعاملت مع إدارة جورج بوش الجمهورية بمشاعر تتراوح بين التململ والضيق المكتوم وبين الإجهار بالخلاف والصدام. وتاريخ السنوات الثماني الماضية حافل بملامح الكراهية في العلاقات الأميركية العربية بدءًا من أزمة التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب العربية وأنظمتها السياسية إلى ما جرى في العراق مرورًا بالانحياز الصارخ للسياسة الإسرائيلية وعدم الوفاء بالوعود التي قطعها جورج بوش على نفسه ووجه إدارته لتحقيقها بخصوص قيام الدولة الفلسطينية في توقيتات كلها قبل مغادرته البيت الأبيض، وبالتدخل في الأوضاع اللبنانية والصدام مع سوريا، وبتعميق حدة المواجهة مع إيران التي انعكست سلبيًا على قضايا المنطقة المصيرية وأشاعت أجواء من القلق وعدم الاستقرار. وليس سرًا أيضا أن صناع القرار في المنطقة العربية تعاملوا مع السياسة الأميركية على أنها حالة ميئوس من تغييرها للصالح العربي وما يجب عمله هو احتواء تداعياتها بقدر كبير من الحكمة مع المراهنة على عامل الزمن أي الصبر على هذه الإدارة إلى أن تنتهي فترة عملها، وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث. وهكذا فإن تجاوز فترة هذه الإدارة والذي أصبح حقيقة، هو في حد ذاته دافع للتفاؤل بعهد جديد يصنعه هذه المرة أوباما وفريقه من الديمقراطيين. إن هذا التفاؤل العربي المسبق حول أوباما يعكس وجهًا آخر للصورة ربما يكون هو الدافع الرئيسي وراء هذا التفاؤل حتى الآن، وهو الحاجة إلى «مخلص» للعالم من أزماته ومن بينها أزمات الشرق الأوسط. وإذا كان من السهل استكشاف أطروحات أوباما بشأن الدور الأميركي المنتظر لحل أزمات مثل مواجهة العاصفة المالية العالمية واستقرار الأوضاع في جورجيا، وحل الأزمة الأفغانية والعلاقات مع باكستان، فإنه كان من الصعب على الأوساط المعنية العربية أن تستكشف ماذا سيفعله أوباما إذا فاز في ملفات مثل إيران ولبنان وفلسطين حيث لم تتطرق خطبته في الحملة الدعائية إلى مثل هذه الملفات بشكل لافت، فقط كان الملف العراقي حاضرًا بقوة بوصفه أحد ملفات الخلاف بين الديمقراطيين والإدارة الجمهورية على مدى أكثر من عام مضى، ورؤية أوباما هي أن تخرج أميركا من العراق في أقرب فرصة، لأنها خسرت عسكريًا وسياسيًا وماليا في نظره، ولذلك فإنه من أنصار وضع جدول زمني للانسحاب العسكري الأميركي من هناك، وبالطبع خفض النفقات العسكرية الأميركية في العراق. وفي الملف الإيراني لم يشر سوى إلى ضرورة أن تكون السياسة الأميركية صارمة تجاه طهران، ولا يوافق على أن يكون لها برنامج نووي عسكري، وانتقد اللغة الإيرانية الحادة تجاه إسرائيل، ولكنه مع توجه عام يدعم الحوار السياسي بين واشنطنوطهران لا المضي قدمًا في سياسة الاستقواء العسكرية واستخدام لغة الحرب. وواقع الأمر أنه في الملفين العراقي والإيراني لا يبتعد كثيرًا عن مضامين عن تقرير هاميلتون بيكر الذي صدر منذ نحو عامين في إطار مراجعة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وكان بداية الهجوم الصريح على هذه السياسة والبحث عن بديل لها. ومن جهة أخرى فإن أوباما عندما تحدث عن الشرق الأوسط (الصراع العربي الإسرائيلي) لم يهتم سوى بإعادة التأكيد على دعم أميركا المطلق لأمن إسرائيل دون أن يشير إلى الفلسطينيين وقضيتهم، كما لم يهتم في حملته بما يمكن أن يفعله مستقبلا مع سوريا ولبنان. ولكننا يجب ألا ننسى مهمة جيمي كارتر في الشرق الأوسط وهو من رموز الحزب الديمقراطي والتي وضح فيها ميل الديمقراطيين إلى الحوار مع حماس وسوريا، الأمر الذي أغضب آنذاك الرئيس جورج بوش وإدارته. لم يلزم أوباما نفسه بشيء تجاه ملفات الشرق الأوسط الساخنة المقلقة بالصراع العربي الإسرائيلي ولبنان وسوريا، وما كان اهتمامه بإيران والعراق إلا بوصفهما مؤثرتين للغاية في تحديد مستقبل الدور الأميركي على الصعيد العالمي. ومن هنا التفاؤل العربي مسبقًا تجاه أوباما لا يصبح في محله، والأحرى أن يكون من باب الأمنيات الطيبة، خصوصا أن أولوياته الخارجية تركزت في الملفين الأفغاني والباكستاني. ولكن هذا مردود عليه بما يؤكد العكس، ويقدم حججًا مقنعة لهذا التفاؤل المسبق، فلم يعرف كثيرًا أن مرشحًا للرئاسة الأميركية اهتم بقضايا الشرق الأوسط في مرحلة الانتخابات، وغالبًا ما يتحقق هذا الاهتمام بعد وصوله إلى البيت الأبيض، ومن ثم يصبح المعيار هنا هو فكر الإدارة الأميركية الجديدة حول السياسة الخارجية التي سيعود بها إلى الواقعية أو البراغماتية مرة أخرى، وفي هذه الحالة تتراجع السياسة أحادية الجانب المستندة إلى القوة المسلحة لمصلحة الحوار والمشاركة مع الآخرين، مما يسمح بانفراج واضح في حل أزمات الشرق الأوسط الساخنة. عن صحيفة الوطن القطرية 26/10/2008