خيارات ليفني وقرارات مجلس حكماء التوراة ! محمد خرّوب كالعادة يكتب حاخامات الدولة العبرية جدول اعمال المنطقة بأسرها، وليس فقط يفرضونه على المشهد الاسرائيلي، بما هم بيضة قبان الحياة السياسية والحزبية في اسرائيل، والتي يمكن رؤية هشاشتها بوضوح عند تشكيل أي حكومة جديدة، والتي لم يستطع أي حزب ان يشكلها منفرداً، منذ قيام اسرائيل، بل لجأ الى ائتلاف مع احزاب اخرى كانت الاحزاب الدينية، وخصوصاً حزب المفدال الديني المتطرف القاسم المشترك فيها، ودائماً برئاسة الاحزاب اليسارية الصهيونية وعلى رأسها حزب ماباي ، الذي إئتلف مع حزب مابام ليشكّلا المعراخ ، الى ان بات يعرف باسم حزب العمل.. مسيرة حزب العمل انتكست في ايار 1977، عندما نجح مناحيم بيغن هزيمته في انتخابات الكنيست ذلك العام، حيث لم يتردد اسرائيليون كثيرون في وصف ما حدث بالانقلاب (الديمقراطي)، الذي قاده تكتل اليمين المتطرف بزعامة بيغن رئيس حركة حيروت الفاشية، الذي استطاع هو الآخر جمع شتات الأحزاب والحركات الفاشية والعنصرية في حزب حمل اسم الليكود (التكتل بالعربية)، هذا الحزب، الذي لم يغادر ساحة السلطة منذ ذلك العام، وان كان اضطر هو الآخر رغم قوته وارتفاع شعبيته بين الجمهور الاسرائيلي للجوء الى الاتئلاف مع الاحزاب الدينية وفي منتصف ثمانينات القرن الماضي وقبل اندلاع الانتفاضة الاولى لجأ (بسبب تقارب عدد المقاعد في الكنيست) الى الشراكة مع حزب العمل، حيث تناوب على رئاسة الحكومة اسحق شامير مع شمعون بيرس وكان اسحق رابين هو وزير الدفاع الذي أمر بتكسير أذرع وسيقان فتيان الانتفاضة، قبل ان يتمكن الأخير من تشكيل حكومة برئاسته في العام 1992، تلك الحكومة التي وقّعت اتفاقية اوسلو (1993) مع منظمة التحرير الفلسطينية، وبقيت الاحزاب الدينية شريكا في الحكومات المتعاقبة وخصوصاً حزب شاس الديني المتطرف الذي خرج الى النور في العام 1984 بخطاب جديد يدافع عن الفقراء ويذهب في اتجاه اكثر اثارة وهو مخاطبة غرائز اليهود الشرقيين (السفارديم) في مواجهة تسلط ونخبوية واحتكار اليهود الغربيين (الاشكناز) للسلطة والامتيازات والثروة. لماذا شاس؟. لأن هذا الحزب وهو الذي أمسك برقبة تسيبي ليفني ووضعها امام خيارين أحلاهما مر فإما الخضوع الى شرطيه التعجيزيين وهما اقرار موازنة للعائلات كثيرة الاولاد بقيمة مليار ومائتي الف شيكل (توافق ليفني على ستماية الف فقط) والثاني التعهد بعدم اخضاع القدس للمفاوضات مع الفلسطينيين تحت أي ظرف، ولا يكتفي شاس بالصيغة التي توصل اليه مع ايهود اولمرت في حكومته (القائمة الان) وهي اعفاء وزراء ونواب الحزب من التصويت لصالح أي اتفاق مع الفلسطينيين وعدم الزامهم بالتضامن الوزاري بل يطالب شاس الان بان يتم ايراد ذلك في الخطوط العريضة للائتلاف العتيد الذي ستقوده ليفني. إن وافقت ليفني على ذلك ستبدو على عكس الصورة التي رسمتها عن نفسها بانها السيدة نظافة الرافضة للابتزاز التي وعدت بتنظيف الحياة السياسية من الفساد والانتهازية والمتمسكة برؤيتها لحزب كاديما الذي ترأسه كحزب وسط بين اليمين الذي لم يعد يمينا ويمثله الليكود واليسار الذي لم يعد يساراً هو الآخر وهو حزب العمل. اضافة الى انها ستكون (إذا ما قبلت شروط شاس) قد اطلقت رصاصة الرحمة على المفاوضات مع السلطة الفلسطينية التي تقول (حتى الان) أنها لن تقبل تجزئة ملفات وقضايا الوضع النهائي، كما فعلت (حتى الان ايضاً) مع حكومة اولمرت والذي يستعد الرئيس عباس للاجتماع به مرة اخرى يوم بعد غد الاثنين في لقاء قد لا يكون الأخير، لان الاعلان عن فشل ليفني في تشكيل حكومة جديدة والذهاب الى انتخابات مبكرة سيعني استمرار اولمرت في منصبه حتى موعد اجراء الانتخابات للكنيست رقم (18) وهو احتمال بات وارداً، إذا ما مضت ليفني الى نهاية الشوط واعادت كتاب التكليف الى شمعون بيرس، الذي ستلتقيه اليوم الاحد قبل اربع وعشرين ساعة من انعقاد دورة الكنيست الشتوية يوم غد الاثنين. اين من هنا؟. باعلان الزعيم الروحي لحزب شاس عوفاديا يوسيف، ان مجلس حكماء التوراة (المرجعية الدينية للحزب) قرر رسميا عدم الانضمام لحكومة ليفني (لان شاس لن يبيع القدس) كما قال رئيسه ايلي يشاي، يمكن القول ان اسرائيل ذاهبة الى انتخابات مبكرة قد تكون في شباط او آذار المقبلين، إلاّ إذا استدارت ليفني دورة كاملة وايقنت ان فرصتها السانحة الان لتكون المرأة الثانية في تاريخ اسرائيل على رأس احدى حكوماتها (بعد غولدا مئير) لن تتكرر، ما يدفعها بالتالي الى المغامرة بتشكيل حكومة ضيقة تعتمد على 61 نائباً (هم نواب كاديما والعمل والمتقاعدون وميرتس)، الأمر الذي ما تزال ترفضه حتى الان. الذهاب لانتخابات مبكرة يعني في تحليلات المراقبين للمشهد الاسرائيلي قدوم بنيامين نتنياهو (الليكود) الى رئاسة الحكومة وتراجع مكانة كاديما كحزب اول وانهيار حزب العمل تحت قيادة ايهود باراك وفق الاستطلاعات ما يعني أن مجلس حكماء التوراة التابع لشاس كتب جدول أعمال المنطقة وعلى الفلسطينيين والعرب ان يستعدوا للأسوأ. هل يعني ان ليفني أفضل؟. ليس ذلك ما قصدناه بل أردنا الاضاءة على ما يحدث هناك. عن صحيفة الرأي الاردنية 26/10/2008