دكتور كمال حبيب اعتادت السياسة الخارجية الأمريكية أن تتعامل في المنطقة العربية مع أنظمة مستبدة وتكيفت تلك السياسة علي أن تحمي هذه الأنظمة من أجل مصالحها النفطية أو مصالحها الإستراتيجية .
مضحية في سبيل ذلك برغبات الشعوب العربية في الديمقراطية والتحرر والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والحلم بغد أفضل.
وتقبل السياسيون الأمريكيون ما قدمته لهم الأنظمة العربية المستبدة ما كان يرغبون في سماعه وهو أن تلك الأنظمة هي البديل عن مجئ الإسلاميين إلي السلطة تلك الفزاعة التي كانت تستمرئ أمريكا أن تصغي إليها وتحب تكرارها.
فقد كان هناك تفاهم ورغبة مشتركة بين النظم الاستبدادية والسياسة الخارجية الأمريكية أن يسمع كل منهم للآخر ما يحب ويريد.
ومع تفجر الثورة التونسية والمصرية واقتراب الثورة اليمنية من إسقاط النظام هناك وظهور بوادر للمطالبة بالحرية في سوريا ومطالب بملكيات دستورية في السعودية والبحرين.
فإن السياسة الأمريكية تواجه لحظة حساب من جانب الشعوب والثوار الذين لا يريدون أن يغفروا لأمريكا موقفها البرجماتي وغير الأخلاقي المعادي لأحلام الشعوب من أجل مصالحها.
وفي هذا السياق يمكننا أن نفهم رفض ائتلاف شباب ثورة 25 يناير مقابلة وزيرة الخارجية الأمريكية أثناء زيارتها لمصر فقد أوضح هؤلاء الشباب أن الوزيرة كان لها موقف سلبي من الثورة المصرية حيث اعتبرت أن نظام مبارك في بداية الثورة مستقر.
وربما يشير بيان شباب الثورة إلي أن العلاقة بين أمريكا وبين مصر لن تكون قائمة علي فكرة التبعية حيث تأمر أمريكا وتنفذ مصر وإنما ستكون العلاقة قائمة علي الاعتماد المتبادل بين دولتين لهما مصالح غير متطابقة وأن كل دولة تعمل علي حماية مصالحها القومية ومصالح شعبها .
طالب شباب الثورة باعتذار واضح وصريح من أمريكا للشعب المصري عن السياسة الداعمة لنظام مبارك المستبد لعقود مضت، وأوضحوا أن الشعب المصري هو وحده صاحب السيادة علي أرضه وأن الشعب المصري لن يقبل بأقل من علاقات متكافئة بين البلدين.
لم يرحب الشباب بزيارة كلينتون لمصر وهو ما يعني أن الثورات العربية ستكون تأسيسا لعهد جديد ليس فقط لتحرير المجتمعات العربية علي المستوي الداخلي وإنما تحريرها من الارتهان لسياسات الدول الكبرى في الخارج وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية .
لعل أحد الاختبارات المهمة التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية تقبلها بعملية ديمقراطية ذات طابع سلمي شفاف ستكون كلمة الشعوب فيها هي الفصل وسيكون صندوق الانتخابات هو الحاسم في من يأتي إلي السلطة في البلاد العربية.
وهنا فإن قبول الإسلاميين سيكون أحد التحديات التي تواجه السياسة الخارجية لأمريكا إذا جاءت بهم صناديق الانتخابات، وفي أمريكا يثور جدل كبير حول تلك النقطة وهي القبول بمبادئ الحرية والديمقراطية في سياسة أمريكا الخارجية بصرف النظر عمن سيأتي به صندوق الانتخابات .
ويجري الحديث عما يسمونه " عقيدة عامة للسياسة الخارجية الأمريكية " بحيث تعبر عن إستراتيجية طويلة الأمد في التعامل مع ثورات الشعوب العربية وليست مواقف براجماتية متحولة.
يجادل عديدون في الولاياتالمتحدةالأمريكية بأن الإسلاميين طيف من عدة أطياف كانت حاضرة في الثورات ومن ثم فإن هناك احتمالات لظهور محاورين جدد وقوي اجتماعية وسياسية جديدة من غير الإسلاميين يمكن لأمريكا أن تتحاور معهم.
انتهي مخططو السياسة الخارجية الأمريكية إلي أن محاوريهم القدامى قد انتهي عصرهم وأن عصر الثورات العربية يفرض تحدي البحث عن محاورين جدد يفضل الأمريكيون أن لا يكونوا الإسلاميين، بيد أنه إذا صوتت الشعوب لهم فلا مناص من قبولهم والحوار معهم واعتبارهم هم محاوريها الجدد.
اطمأن المراقبون في الغرب إلي أن الثورات قادها شباب جديد من غير الإسلاميين- علي الأقل في البداية – كما كان مشهد ميدان التحرير حافلا بأطياف متعددة من البشر والأجيال والناس والقوي الاجتماعية والسياسية ومن ثم فقد بدا الإسلاميون واحدا من الأطياف المتعددة التي يزخر بها المجتمع المصري .
يذهب محللون أمريكيون إلي أن الثورات تجاوزت ظاهرة الإسلام السياسي الذي ربما يكون إلي أفول – وفق ما يذهبون – بيد أن هذا التحليل الأمريكي يجهل أن القوي الإسلامية كانت جزءا من الثورة وأنها تزخر بطاقة كبيرة كانت مقموعة في عصر مبارك.
وأنها تسعي للتعبير عنها بشكل سياسي وديمقراطي ومن ثم فإنها أحد القوي التي ستشكل المشهد السياسي في مصر فيما بعد ثورة 25 يناير وهنا فإن السياسة الخارجية الأمريكية ستواجه تحدي إسرائيل ورفض الإسلاميين لها وتغليب المصالح الوطنية للشعب المصري.
إذن علي أمريكا أن تكون مستعدة لفصم تحالفها مع الكيان الصهيوني لصالح استمرار سياستها الخارجية القائمة علي رغبات الشعوب وعلي وجود ديمقراطية حقيقية لن ترحب بعلاقات في المستقبل مع إسرائيل.
*كاتب وصحفي من مصر باحث متخصص في الشئون السياسية والعلاقات الدولية