رايس ترد على فياض!! هاني حبيب تباهت السيدة كوندوليزا رايس في مقابلة لها مع ال "بي.بي.سي"، بأن ادارة بوش هي التي وضعت "الدولة الفلسطينية على سلم الاولويات في العملية التفاوضية"، ولعلها كانت تشير إلى خارطة الطريق التي ضلت الطريق إلى نهايته حتى الآن، تجاهلت السيدة رايس ان مسألة الدولة الفلسطينية، كانت مطروحة حتى قبل قيام دولة اسرائيل العام 1948، نقصد بذلك قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1947، والذي ينص على اقامة دولتين، يهودية وعربية فلسطينية، اضافة الى منطقة دولية في كل من القدس وبيت لحم، وبناء على هذا القرار، اعتمدت معظم الدول التي اعترفت باسرائيل فيما بعد، ومنها الاتحاد السوفياتي على سبيل المثال، قرار الجمعية العامة هذا، في بنية اعترافها، أي ان الاعتراف باسرائيل كان مقروناً بالاعتراف بدولة فلسطينية، قامت اسرائىل بوضع حد لها من خلال قيامها على معظم الاراضي الفلسطينية، منتهكة بذلك كافة القرارات ومن بينها قرار التقسيم 181. اتفاق اوسلو، الذي وضع حداً للفكرة الصهيونية بامتداد الوطن الصهيوني اليهودي من النيل إلى الفرات، وعلى الاقل، وضع حداً لفكرة اسرائىل الواقعية بامتدادها على كل اراضي فلسطين التاريخية بعد احتلالها لقطاع غزة والضفة الغربية. فكرة الدولة الفلسطينية باعتراف اسرائيلي بشكل أو بآخر، تجسدت ايضاً في هذا الاتفاق رغم مساوئه الخطيرة، فالفكرة اذاً لم تنطلق من خارطة بوش، كما تدعي وزيرة خارجيته التي اشارت ايضاً إلى انها فخورة بما آلت اليه الاوضاع في الاراضي الفلسطينية (!) في ظل ادارة بوش، وكأنها بذلك ترد على خطاب رئيس الحكومة سلام فياض أمام الاحتفال السنوي الثالث لمجموعة العمل الاميركية من اجل فلسطين في واشنطن قبل اسبوع، عندما اشار إلى ان "حل الدولتين في حدود 1967 يترنح ويتعرض لخطر الانهيار تحت وطأة الاستيطان والجدار" وكأنه بذلك يشير إلى الجهد الاميركي من اجل تنفيذ خارطة طريق بوش ومؤتمر أنابوليس، لم ينجح في الضغط على اسرائيل في سبيل وضع حد للاستيطان بشكل نهائي، وازالة الجدار، وانهاء الاحتلال بانسحاب اسرائيل الكامل من الاراضي الفلسطينيةالمحتلة العام 1967، فياض لخص الوضع في هذه الكلمة بأن العملية التفاوضية لا تهدف إلى تحسين شروط ونوعية الاحتلال، من خلال رفع حاجز هنا واطلاق بضعة اسرى هناك. المسألة تتعلق بالجوهر، ازالة الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة، تدهور هذه الفكرة من خلال فشل العملية التفاوضية أدى - فيما أدى اليه- إلى تراجع الحديث عن فكرة دولة فلسطينية من قبل البعض، واخذ يقترح وربما يتمسك بفكرة دولة واحدة لشعبين، اي ان الجهد الفلسطيني المترافق مع رأي عام دولي وجهد اقليمي وعالمي في هذا السبيل، وبعد تركيز كل العملية التفاوضية والجهد الموازي والمرافق لها على هذا الهدف السامي النبيل، يتم تحييد هذه الفكرة، وربما الغاؤها لصالح تلك الفكرة المسماة دولة واحدة لشعبين، هذا في الواقع ما فعلته ادارة بوش دون وعي أو ادراك، بأن فشل التوصل الى دولة فلسطينية، سيؤدي إلى مقترحات حلول عشوائية، تبدو كل المساعي والجهود التي بذلت - رغم فشلها حتى الآن- لصالح مثل هذه الآراء والمواقف التي تضع مسألة الدولة الفلسطينية على الرف، في افضل الأحوال. في مقابلتها هذه مع ال "بي.بي.سي"، تجد رايس فرصة لتأكيد ما سبق ان كررته بشأن امكانية التوصل إلى توافق فلسطيني - اسرائيلي قبل نهاية العام الجاري، وكأنها مرة أخرى تفند ما جاء في كلمة فياض، من ان اسرائىل تتحمل مسؤولية تعثر عملية السلام، وان سياسة التوسع والاستيطاني (170 مستوطنة ونصف مليون مستوطن) في الضفة الغربية لا يجعلنا اقرب الى توافق او نهاية ايجابية للعملية التفاوضية قبل نهاية العام الجاري و"الوقت آخذ في النفاد" حسب قول فياض، بينما رايس، التي تدرك ان ما بذلته بلادها وادارتها من جهة، ضاع هباء نتيجة لتماهي سياساتها مع السياسة الاسرائيلية، وعدم قدرتها على كبح جماح اسرائيل، التي تبارى رؤساء حكوماتها، على سعار الاستيطان بشكل متزايد ومتواصل، وباتت العملية التفاوضية تجري بسباق متواز، مع الاستيطان. الجهد الاميركي، الذي تشير اليه رايس، لم ينجح الاّ في اضعاف الشريك الفلسطيني، فالخلل في العملية التفاوضية وعدم تقدمها بات يشكل أزمة داخلية فلسطينية، ورغم ان الشعب الفلسطيني يضع نصب عينيه قضية السلام، الاّ ان ذلك لا يعني التنازل عن الهدف الرئيسي وهو اقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وما لم تقله رايس في مقابلتها يتلخص في حقيقة ناصعة، وهي ان الجانب الفلسطيني، رغم الضغوط المستمرة، والاجراءات الاسرائيلية، والاشتراطات المتعددة من هنا وهناك، لم يستجب لكل ذلك، ولم يرفع الراية البيضاء ولم يستسلم، الجانب الفلسطيني يتحمل مسؤولية عدم التوصل إلى توافق. لان مثل هذا الأمر حسب الاشتراطات الاسرائيلية، لا يعبر الاّ عن استسلام للضغوط والاشتراطات التي تحاول اسرائيل ان تمليها، تمسك الجانب الفلسطيني بالثوابت الوطنية، حال دون التوصل إلى اتفاق مذّل، وبهذا المعنى فقط، فان الجانب الفلسطيني، كان سبباً في عدم التوصل إلى مثل توافق أو اتفاق كهذا، ولعل السيدة رايس، التي تعي هذه الحقيقة، تشير إلى ذلك، بعدما تغادر ادارتها البيت الابيض بعد ثلاثة اشهر، وعندها يمكن لها ان تقول ان الادارة "السابقة" لم تقم بدورها كما يجب في الضغط على اسرائيل، ولم تساند الشريك الفلسطيني كي يتمكن من التوصل مع الشريك الاسرائيلي إلى اتفاق سلام عادل يمكن معه، عرضه على استفتاء شعبي فلسطيني ينال القبول، وربما تحمل السيدة رايس مسؤولية فشل المفاوضات إلى ارتباك الحكومات الاسرائيلية خاصة في عهد أولمرت وربما ليفني اذا نجحت هذه الاخيرة بتشكيل حكومتها، أي ان الامر كان خارج الارادة الاميركية، وربما تقول رايس اكثر من كل ذلك، وما علينا سوى الانتظار!! عن صحيفة الايام الفلسطينية 22/10/2008