السياسة في اللغة، مصدر للمفردات: ساس، يسوس، سياسة،و.. نقول ساس الرجل الدابة أو الفرس: إذا قام على أمرها وترويضها، وفي أغلب الاعتقاد أن هذا المعنى هو الأصل الذي اشتقت منه معنى سياسة البشر، بعد أن تمرس الانسان في سياسة الدواب، ارتقى إلى سياسة الناس، وقيادتهم في تدبير أمورهم، قال شارح القاموس: ومن المجاز القول: سست الرعية سياسة: أمرتهم ونهيتهم.
وساس الأمر سياسة قام عليه بما يصلحه وينظم امره، كما عرفتها موسوعة العلوم السياسية لجامعة الكويت " انها فن ادارة المجتمعات الانسانية" ،وبدورها بينت معاجم العلوم الاجتماعية "أن السياسة جملة افعال البشر التي تتصل بنشوب الصراع أو حسمه حول الصالح العام،مستخدمة القوة أو النضال في سبيل ذلك"، اذا كان هذا مفهوم كلمة السياسة لغة واصطلاحا ،فماهو واقع السياسة عندنا اليوم ؟ .
من المؤكد أن المشهد السياسي والاجتماعي العربي في ايامناهذه يتعرض لخلط واضح في الاوراق وتباين في المفاهيم ،ويعاني من القضايا التي تطرق ابواب الأنظمة العربية والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الواحد تلو الآخر بكيفات غير مسبوقة وبدون استئذان، مثل (الإصلاحات السياسية،والديمقراطية ، وحقوق الإنسان ) وغير ها، وقد تولد ذلك الخلط في اذهان الكثيرين من الحقيقة الكامنة خلف المواقف المعلنة وجذورها ودوافعها الأساسية،مواقف مندرجة في إطار مشاريع القوى الخارجية المعادية " الغرب مثلا "أوعبر نوايا الإجهاز على مشروع النهضة العربية من منطلق الضمير الاجتماعي.
لقد دخل مصطلح الإصلاح، بصفاته ومجالاته المتعددة ،'' السياسية ،والدينية، والأخلاقية ،والاجتماعية والثقافية، والإعلامية ،والتعليمية بوثقة الموضات الفكرية، واصبحت الكلمة الأكثر استعمالا في الخطاب السياسي والاعلامي،الى أن بدا انه الحلول السحرية لمشاكلنا وعقدة همومنا بما عرفته امتنا من فساد سياسي اقتصادي ،ومعرفي،وكأن المصطلح ادخل لتشويه المعاني والدلالات التي تجيدها نخبة سياسية حاكمة، والمعارضة الشكلية المتميزة بضعف التكوين ونقص الخبرات السياسية،وهو ما يوحي بأن بعضهم من فرط كراهيته للخطابات الإصلاحية قرر تحويلها إلي مادة للاستهلاك وذلك حتى يفقد مفهوم الإصلاح الديني والسياسي والتعليمي... دلالتة وحضوره النفسي.
الصور التي تتداعى في ذاكرة الجزائريين مثلا عندما تطرح عليهم احدى معاني الاصلاح او سياساته او آلياته في الخطابات الوطنية المسئولة،هي صورة أحداث 05 اكتوبر1988 التي بررها الكثير بانفجار الغضب الجماهري، والحقيقة عكس ذلك ،انها صفعة تلقاها قفا الأمة منكف سدج مأجورين من ابناء الأمة،فالعملية سلاح مبتكر لضرب الوحدة الوطنبة، ومكيدة مدبرة لنسيات التاريخ، وفي ذات حجة مصطنعة لاسكات فيئة المخلصين الذين طالبوا بحق الشعب في العيش الكريم ،ابتدعها بعض أقطاب النظام القائم آنداك أنفسهم ، فلخوفهم من الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه الرئيس الشادلي بن جديد ،ذلك الرجل الذي قيل عنه يوم يوم ترشيحه، "أنّ أصحاب الحلّ والعقد في الجزائر اختاروا الشاذلي بن جديد شخصيا لاستغلال بساطته وتحريكه في الوجهة التي يريدونها" , وقد تميزت عهدتيه فعلا بصعود نجم بعض الضبّاط الذين يميلون الى المحور الغربي،واثر قيام البيسترويكا السوفييتة، وما لمسوه من عزم شعبي اثناء مناقشة مشروع تعديل الدستور في صائفة 1988،تحركت شياطينهم، وبإيعاز من اصدقائهم في السلطة الفرنسية ، لجاوا الى تخويف الأمة عن طريق دفع الشباب الى اعمال الشغب في الشارع، حتى يتسنى لهم فبركة الدستور و جعل الانفتاح على مقاسهم، ودفعوا شبابا لايعرف اكثر من ثلاثة حدود للسلطة - الحكومة والحزب الحاكم "جبهة التحرير الوطني" الذي تحول بفعل التسيير الفوقي الى إدارة للفوضى ، و الاتحاد العام للعمال الجزائريين كممثل شرعي وحيد للطبقة العاملة.
فكانت المؤامرة التي تجلى مع مرور الأيام في اعتقادنا انها كانت فاشلة بل وحجة داحضة يخجل اصحابها من صورتها قبل ان يتألم ضحياياها من مصائبها. بعد اثارة الشغب يوم 05 اكتوبر، وتوسع رقعته،وتدخل اطراف لم يقم لها حساب من قبل، رأى الفاعلون أن اعصار الغضب لايمكن إيقافه، وازدادت مخاوفهم، وانتشرت الشائعات عن انقلاب عسكري وشيك، وهو كذلك فعلا فبعد ثلاثة ايام من الشغب دفعوا بالرئيس الى الواجهة ليعلن عن اصلاحات سياسية كما يرضاها المحتجون،في هذا الوقت بالذات، كانت الصحافة الفرنسية مدعومة بساستها المتطرفين والأقدام السوداء التي كانت تلقي شباكها في خضم بحر المشاكل، و توهم الرأي العام الدولي يان الأحداث ليست الآ - فوضى أطفال- تدفعهم افكار شيوعية داخلية،توالت االأحداث وجاء دستور "فيراير1989 مبثورا وانفجر الكل في الكل.
ويوم 11 جانفي 1992م أرغم الشاذلي بن جديدعلى تقديم الاستقالة حتى لا يساهم في زيادة تأزيم الأوضاع الجزائرية (؟)، وشدد على أنه ليس من الذين يناورون ويهددون غيرهم بفتح الملفات.. واليوم وبعد مرور 20 سنة ، على الأحداث المؤامرة، 20سنة من عمر العنف و المأساة الدامية التي خلفت آلاف الضحايا و خسارة ميئات الملايير من الدولارات ،ولاشئ تغير، وثاني الصور التي يستعيدها الجزائريون عند سماع كلمة الاصلاح هي: تبديل وجوه بوجوه، وزيادة متاعب اخرى للمواطنين،في كل مرة، وهو ما يزيد من العزوف عن التعامل مع الاصلاح ،بل والسعي الى الحض على كراهيته ،وهو ما وطن الخوف من الاصلاح لدى أطراف في السلطة نفسها،لآنه ببساطة أخذ يطرح المساءلةعما حدث خلال السنين الماضية، وعن انتشار الفساد ، وهو ما قد يزيد من اشاعة اليأس الجماعي،الامر الذي قد يعيد إنتاج نظام سياسي اللا ديمقراطي، والعودة الى مظاهر العنف التي نحن في غنى عنها. أن المتمعن في التصريحات التي أطلقها عبد العزيز زياري يوم 2سبتمر2008 م مثلا ، وجاءت فيها الاشارة، الى ان موعد تعديل الدستور يقترب، ومما جاء فيها "نحن على أبواب استحقاقات مؤسساتية وسياسية هامة تفرض كافة جهود الأمة لاقتحامها بتفوّق مهما كانت التوجهات السياسية"؟ "إن التحضير لهاته الاستحقاقات وإنجاحها يتطلّب حصيلة الإصلاحات التي باشرتها الدولة " و " يجب القيام بهذا الواجب في كنف الديمقراطية والاحترام المتبادل للرأي والرأي المخالف".
تصريحات من يدقق النظر فيها يدرك بيسر أن هذه الوجهة من النظر، تعبر عن حماسة سلطوية أقرب إلي دعائية النظم السلطوية،أكثر من كونها لغة سياسية رصينة يمكن التوقف عند فحواها ، فكل المؤشرات الموضوعية والدراسات العلمية في مجال الحريات العامة الأساسية وحقوق الإنسان واحكام المؤسسات السياسية وضوابط دولة القانون وغيرها لاتقبل واحدية الرأي في الثوابت والمسائل الأساسية.
بالاضافة الى ان السيد زياري قد عاش وعايش مراحل مأساة الجزائر، ومجراها، ويدرك كما يدرك الجميع انها وليدة السياسة الارتجاليةالظرفية والمناورات الفاسدة التي تتخد وسائلها من ذاتها وتعمل لذاتها دون ان تتوجه لسياسة المجتمع وقيادته لما يصلح اموره. ومهما يكن من امر فانناكنا نتمنى لو ان السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني،تجشم و دعا الى التعبئة من اجل استعادة المؤسسات التي استولى عليها السماسرة وحولوها الى سوق للمضاربة والفساد، كنا نريد ان يدعو الجميع للتجند من اجل استعاد الآراضي وخدمتها لتحقيق الأمن الغذائي، كنا ننتظر منه الدعوة الى تفعيل قوانين الجمهورية أكثر وجعلها فوق الجميع، كنا ننتظر اصدار قوانين من شأنها أن تحد من العنف والجريمة المنظمة، كنا ننتظر أن يدعو الى التجند للبناء والقضاء على ازمة السكن الخانقة والتخلص من مشكلة البطالة والعنوسة اللتان تدفعان الشباب الى الانتحار في اعالي البحار.و......الخ.
كنا نريد الدعوة الى التفكير في كيفية الخروج من مخابر الأمريكان واعوانهم. ويبقى بعد ذلك التعديل الدستورين والانتخبات الرئاسية تجري في ظروف عادية وبلا تهويل ولا مزايدات، والشعب الجزائري مشهود له في مثل هذه المواقف.