تقديم ديوان على باب الخروج إصدارة جديدة للشاعر هاشم صديق تتناول قضايا معاصرة وحيوية ويعالجها الشاعر حسب رؤيته الخاصة .. وبعيدا عن السياسة لهاشم صديق أسلوب مميز وراقي في الطرح .. كما أنه يسحوذ على ذهن القارئ تماما ... هذه دعوة للإبحار في عالم هاشم صديق ومدخل على باب الخروج.... الحلقة الأولى بداية القارئ لهاشم صديق وخصوصا ديوانه على باب الخروج تصل اليه رسال مبكرة عن مغزي ومضمون الديوان من البيت الاول والذي ان دل على شئ قانما يدل على ثورة كبيرة ونيران من الغضب والرفض داخل قلب الشاعر حتى انه يقول انها قادرة على جعل قارءيها يحترقون الماً هم انفسهم إذ يقول: لو افرغو غبني على كفي لاحترقت صوابع كل من قرأ الحروف على دفاتر محنة الشعراء.
ويضيف انه وجد اذا وجد الفرصة سانحة امامه للتغير او التعبير عن تلك المشاعر لما وقف مكتوف الايدي: لو أنهم تركوا لاصفادي التطاول مرة ورفعت عزمي بالعصا القيتها من فوق أفك السحر لابتلعت صنوف الكذب والتدليس والاذلال وكل حرف خان اشراق القصايد ماد بالوطن الحسير وغاص بالشمس النبيلة في المساء. الشاعر هنا يحس بانه مقيد وغير قادر على التعبير ولو انه يستغرب كيف لمثل تلك القصايد الزائفة والخائنة ان تنتشر وتأصل لافكار جديدة بين الناس واستشهد هنا بمقطع لازهري محمد على إذ يقول فيه: (يامسبية بي قسم الوعاظ الباعة) ، نجد انه حال البلد سرعان ما تصدق الافتراءات والنبوءات الكاذبة ولا أدري إن كانت هي صفة ملازمة للعرب جميعم أم ماذا؟؟.
كما يشبه الشاعر قصايده بعصى موسى التي ستبتلع كل هذا الافك (القصايد الخائنة) وتخبرهم بأقتراب النصر (عواصف الانباء) والعاصفة هنا دلالة على قوة الرد، ويدعم كلامه في الابيات التالية: أعذب الانهار تخرج من مياه مالحة أجمل الاقمار تومض من عيون العاصفة أصدق الاشعار تنبض بالجراح الصادقة. أي أنه متيقن من النصر برغم كل تلك المحن والمصائب .. هنا أقف عند الاسلوب الرائع الذي استخدمه الشاعر ليأصل ويحفز لفكرته "الثورة" ولسان حاله يقول "بعد الضيق الفرج".
هاقد أسترد السادة الخلفاء والامراء أملاكهم واسلابهم.. وكيف يعود لحلقك بعد أن صادروه ومزقوه غناء البشارة؟ وكيف يعود لهذا المكان وتلك الحواري بأمر الطواري غشاء البكارة!؟ هذه صرخة أخرى في قصيدة "وكان اسد الله حمزة" وهي نمط جديد وراقي جدا، إذ يخبر الشاعر أن الباحثين عن السلطة والمناصب والوزارت قد استردوها ولم يقل نالوها دلالة على معتقدون تماما بأنها لهم وحدهم وأنهم خلقوا ليحكموا الناس (فليكن) ولكن من يعيد لك حقك المسلوب أيها المواطن ومن يعيد لك أمانيك... ومن يعيدك ايها الطير المهاجر ومن يعيد لك صوتك ياوطني وعزمك بعد أن اسكتت كل الاصوات وكبلت ... وكيف يعود للاحياء رونقها وخصوصيتها وقد هتكت حرماتها وشوراعها بأسم الطوارئ (أعجبني جدا التعبير غشاء البكارة.
هل رأيت!؟ تنهب الايات من حلق المآذن توضع الثوارت في جب المخازن وكان أسد الله حمزة ثم أصبح بن لادن تبعث السنن الجميلة فوق ساحات الفداء تشرب الغابات من فيض الدماء. كثير من التساؤلات طرحها الشاعر في هذه القصيدة، بل ويذهب اكثر من ذلك بعمل مقارنة بسيطة نتاجها كمية من التنتاقضات في العصر الراهن ... كل الاشياء ليست في مواضعها حتى التشبيهات أضحت جائرة وظالمة بل وغير منطقية ، وبدل أن يتجه الناس للتنمية والاصلاح كانوا منهكمون في الحروب الطاحنة والدماء تسيل على أرض بلادي الطاهرة الابية.. الحلقة الثانية في قصيدة "على باب الخروج" لم تعد في الكوب قطرة أيقظ بيأسك هذه الروح التي ملت تخاريف البطولة.
أنهض وايقظ روحك التي ظلت في سات عميق فلقد أصبحت كأسك فارغة وروحك ملت حديث الماضي وبطولات الاجداد ... قم واخبر الدنيا عنك وعن اشياءك لا تقوقع وحرك هذا السكون المحيط بك... أنهض واصنع لنفسك مجدا وتحرر من قيودك هذه رسالة يرسلها هاشم صديق في مطلع قصيدته على باب الخروج ولعمري أنها بداية موفقة. أواه يا وطني فقد قيدتني حباً وقد مزقتني وعياً وقد أوسعتني لهثاً وحرقت أحلامي على حمم الرجولة. حقيقة لهاشم صديق أسلوب راقي وسلس وكأنه ينتقي عباراته انتقاءاً وفي هذه المقطع الملئي بالمشاعر الوطنية ودعوني أقول الوطنية الحقيقة يخبرنا الشاعر انه مقيد وأسير في حب هذا الوطن إذ لازال متمسكا بأرضه وترابه ولم يشغله عنه شاغل ..
لكن برغم ذلك الحب الا انه يجد نفسه ممزقا بأفكاره ووعيه بقضايا وطنه الحبيب .. ولسان حاله يقول لكنك يا وطني حرقت احلامي وبددتها بحسن ظنك وطيبة أهلك لذا كان يستوجب علي الرحيل لاجد ذاتي في مكان آخر: الآن أخرج ليس من جلدي ولا نهري ولكني أطير اليوم مغبونا إلى هذا المكان سأضم أشلائي لقرص الشمس مزهواً بجمر الحرف والتجريح والتعميد بالأحزان. الجدير بالذكر أن القصيدة كتبت بدولة الامارات العربية المتحدة.. واعجبني كثيرا مقطع سأضم أشلائي وكأنه جاء ليؤكد حالة التمزق الفكري التي يعيشها الشاعر في البيت السابق له مباشرة. هل يفرح السلطان والأشباح والأشرار والأقزان!!؟؟ لن تزرعو نجماً ولا قمراً ولا سحباً وسترقصون على جماجم مكركم والآن بعد رحيلي هل سيطيب لكم المقام وهل ستسعدون (فليكن) لكنكم لن تجنو شيئا ويوما ما ستجنون نتيجة غرسكم (المكر) .. تذكرت هنا الاية الكريمة "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
وهذا مقطع آخر أعجبني جدا يقول فيه: عارٍ كما ولدتني أحزاني ذات مساء عجباً!! لكني في كامل هندامي في المرأة. الشاعر يخبرنا هنا أن أفكاره واعتقاداته واضحة للعيان (عارٍ) أي معلنة أو يمكننا أن نقول مفضوحة للجميع لذا نجد في البيت التالي له مباشرة تأييداً لهذا المقطع إذ تقوم وحدات الامن بمراقبته: راقبني الأمن القومي راقبني الأمن العام راقبني أكثر من غيري هذا السجان ضميري.
لكنه غير مبالي وسائر في طريقه لانه يؤمن بقضية معينة وبهدف محدد لاسبيل للحياد عنه ... وإن كان مسجونا لضميره الذي يحاسبه كل حين وآخر. الحلقة الثالثة أما في قصيدته (صباح الانسولين) وهي نمط جديد وجميل ينتهجه الشاعر وهو يستغرب حال البلد والتردي الصحي والبيئي حتى انه يلقي التحية الصباحية مستخدنا كلمة صباح الانسولين وبعد ظهر الكلوركوين ... ويسأل هل هذا هو وطن الجدود بحق أم تغيرت وتبدلت ملامحه واين تلك الوصية أقصد هنا (جدودنا زمان وصونا على الوطن على التراب الغالي الما بي ثمن) الذي أصبح طنين البعوض لحنا مالوفا فيه واصبحت الملاريا صديقا حميما لشبعه وضيفا غير مرغوب فيه.
صباح الانسولين يا سيدي بعدج ظهر الكلوركوين يا صاحبي ... مساء الحبوب المهدئة .... هل سمعت لحنا أصخب من طنين البعوض؟؟ وهل عرفت بخلا أكثر من شح هذا الهواء؟! هل هذا هو وطن الجدود؟! وفي قصيدة أخرى يتوجه فيها الشاعر نفس التوجه السابق وهي (لماذا وكيف) إذ يقول: ليس شارون وحده يحرث حلم المطار على ارض غزة ... يزرع عارا يحرق نخلة ويمحو هوية ففي كل الديار شارون آخر يحرث حلما يهتك طفلة يشنق وردة يلسع نحلة يحرق فجرا بنار سخية.
الرسالة هنا واضحة في تقديري الخاص إذ يقول ان ليس شارون وحده هو الذي يقتلع احلام الناس والشعوب ففي كل مكان نجد شارون ونجد قضية جديدة ومعاناة جديدة ... ليس شارون وحده الذي يصادر هوية الشعوب... ويحرث بالصواريخ مطار غزة فبين (غزة) و (عزة) جروح المودة ونار القضية.
يقارن الشاعر هنا بين القضية الفلسطينية والازمة السودانية وهذا المعترك الذي دام طويلا واوجه الشبه الكثيرة والمؤلمة في نفس الوقت. ويتساءل هنا فيقول: لماذا يرسلون خلفي شرنقات (الصحافة) وملوك السخافة ليسبو كتابي ويسرقو عذابي.
الشاعر هنا يسال لماذا يرسل وراءه النظام ما اسماه بشرنقات الصحافة والمعروف ان الشرنقة طور من اطوار الحشرات، وعندما يقول شرنقة اي ان تلك الاقلام لم تصل بعض الى مرحلة ان تكون ذات قيمة فهي لم تزل ناقصة النمو ولا تستطيع على المجابهة والمواهجة بل والاقناع ايضاً... (وأظنه تعبير بلاغي جميل جدا) والسؤال هو لماذا يرسلون هذه الاقلام لتسرق وتهدم الفكر الذي اؤسس له بكتاباتي هذه ؟؟؟؟ يتناول الديوان احداث وقضايا معاصرة ومشكلات تمس كيان الامة والمجتمع ككل ...كانت هذه محاولة للولوج من باب الخروج .. إذ كنا لابد من منفذ للدخول والاشارة لبعض النقاط في هذه القراءة المتواضعة .. اتمنى من المولى عز وجل ان اكون قد وقفت فيها وهذه تحية حب واجلال للوطن الحبيب.