البيئة تختتم مؤتمر الابتكار من أجل مستقبل أخضر بجامعة كفر الشيخ    الحج السياحي 2025 | لجان «الوزارة» تنتشر بالموانئ لمتابعة رحلات البري    رئيس الوزراء يتفقد التشغيل التجريبي للمرحلة الأولى من الأتوبيس الترددي.. بعد قليل    وزير الرى: إزالة 87 ألف حالة تعدٍ على مجرى نهر النيل منذ 2015    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم السبت 17-5-2025 في محافظة قنا    بدء تحديد الأولوية للمتقدمين على شقق «سكن كل المصريين 5» 29 مايو    فيديو.. توافد القادة والزعماء إلى مقر انعقاد القمة العربية ال34    سبع دول أوروبية تطالب إسرائيل برفع الحصار عن غزة    حكام مباريات السبت في الدوري.. محمود ناجي للأهلي وبسيوني لبيراميدز    الزمالك يجهز 44 مليون جنيه ل باتشيكو بعد التسوية مع بوطيب لرفع إيقاف القيد    الخارجية تناشد المصريين فى ليبيا التزام منازلهم.. واستمرار التواصل مع السفارة بطرابلس    تجديد حبس المتهمين في مشاجرة دامية ببولاق الدكرور    السكة الحديد تعلن مواعيد إتاحة حجز تذاكر السفر للقطارات خلال عطلة عيد الأضحى    أولى جلسات محاكمة المطرب سعد الصغير في قضية «حقوق الملكية» | اليوم    أنجلينا جولي تخلّد ذكرى المصورة الفلسطينية فاطمة حسونة في مهرجان «كان»    الأرجنتين تعلق استيراد الدجاج البرازيلي بعد تفشي إنفلونزا الطيور    لو مريض سكر وضغط.. 11 خطوة تجنبك أي مضاعفات فى الموجة الحارة    كوريا الجنوبية: إصابة 3 أشخاص إثر اندلاع حريق في مصنع للإطارات    مصرع شخص وإصابة 16 فى انقلاب سيارة على طريق وصلة أبو سلطان بالإسماعيلية    مصرع شاب غرقا أثناء إنقاذ شقيقه بترعة المحمودية في البحيرة    المرور اليوم.. سيولة مرورية بالقاهرة والجيزة    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية في شمال سيناء    ترامب: اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان منع اندلاع حرب نووية    منال سلامة في عيد ميلاد الزعيم: مهما نتحدث عن عادل إمام لن نوفيه حقه.. فيديو    متحدث "الحكومة العراقية": القمم العربية أصبحت منصة لتقريب وجهات النظر    انطلاق فعاليات مؤتمر التمكين الثقافي بمرسى مطروح    عادل إمام.. حكاية زعيم نذرته أمه بطبق فتة عدس    دار الإفتاء المصرية: الأضحية شعيرة ولا يمكن استبدالها بالصدقات    متحدث "الحكومة العراقية": القمم العربية أصبحت منصة لتقريب وجهات النظر ومواجهة الانقسامات    وزير الخارجية الإيراني: المواقف الأمريكية والتصريحات المتناقضة تعقد مسار المحادثات    الرعاية الصحية تعلن نجاح استئصال ورم ضخم بالوجه والفك بمجمع الإسماعيلية الطبى    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما ب"خلية التجمع"    مستقبل وطن المنيا يُطلق مبادرة "طلاب فائقين من أجل مصر".. صور    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 17 مايو 2025    محام: أحكام الشريعة الإسلامية تسري على المسيحيين في هذه الحالة    اللقب مصرى.. مصطفى عسل يتأهل لمواجهة على فرج فى نهائي بطولة العالم للاسكواش    نقيب العلاج الطبيعي: إحالة خريجي التربية الرياضية للنيابة حال ممارسة الطب    اليوم، انقطاع مياه الشرب عن مدينة الفيوم بالكامل لمدة 6 ساعات    اليوم.. نظر استئناف سيدة وعشيقها في اتهامهما بقتل زوجها بالبدرشين    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    قافلة دعوية ل«الأزهر» و«الأوقاف» و«الإفتاء» إلى شمال سيناء    «لو روحتوا أمريكا هينصفوا الأهلي».. عمرو أديب يوجه رسالة لمجلس الزمالك    مقتل عنصر أمن خلال محاولة اقتحام لمقر الحكومة الليبية في طرابلس    وزير التعليم العالى يستقبل الجراح العالمى مجدى يعقوب    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    «ماحدش يقرب من الأهلي».. تعليق غاضب من عمرو أديب بعد قرار التظلمات    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    ترامب يهاجم المحكمة العليا.. لن تسمح لنا بإخراج المجرمين    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    أموريم: شيء واحد كان ينقصنا أمام تشيلسي.. وهذه خطة نهائي الدوري الأوروبي    "موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة إلى AA1 مع نظرة مستقبلية مستقرة    رئيسا «المحطات النووية» و«آتوم ستروي إكسبورت» يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    جورج وسوف: أنا بخير وصحتى منيحة.. خفوا إشاعات عنى أرجوكم (فيديو)    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوسطية..روحاً ومادة
نشر في محيط يوم 28 - 08 - 2008


الوسطية..روحاً ومادة


* عبد القادر مصطفى عبد القادر

لقد خلق الله كل شيء في الكون بميزان دقيق محكم لا يعتريه خلل، إذ قال جل شأنه { وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ } هذا الميزان الرباني يتحرك وفق قوانينه كل شيء في الكون، من شمس وقمر ونجوم وكواكب، إذ لا تحيد أبداً عن تلك القوانين ولو بقدر ضئيل، وهى تمضى على هذا النسق البديع مُسَيّرة بقدرة الله تعالى كي تؤدى مهمتها المقدرة المحددة بمنتهى الدقة والنظام، إذ لم يمنحها الخالق جل في علاه القدرة على الاختيار، حيث تدور و تجرى وفق قدر معلوم إجباراً لا اختياراً، و هي تفصح وقتما تتحرك على هذا النحو عن آية كونية رائعة - جديرة بالتأمل والتدبر في كتاب الله المنظور - تحكم أداء الكون كله من الذرة إلى المجرة، ألا وهى آية "الميزان".

والإنسان خَلقٌ من خَلقٍ الله تعالى ليس بمعزل ولا منأى عن نواميس هذا الميزان، إذ جاء الإنسان إلى الأرض وجاء معه ميزانه كي يضبط وينظم حركته في الحياة بما يجعله يحيا في حالة انسجام وتوافق مع مفردات الكون الأخرى، هذا الميزان جاء متمثلاً في منهج رباني مكتمل يرمى إلى تحقيق التوازن بين جانبي الإنسان وهما الروح والمادة بحيث لا يطغى جانب على جانب كي لا ينسلخ الإنسان من بشريته إلى خَلْق آخر لا يرتضيه الخالق له.

إن الإنسان بشر ولا يجب أن يكون غير ذلك، وهنا تكمن القدرة على تحقيق المعادلة الصعبة بين جانب يريد أن يرقى إلى السماء وهو جانب الروح، وبين جانب يريد أن يخلد إلى الأرض وهو جانب المادة، وبينهما نقطة متوسطة هي ما يجب أن يلتزم الإنسان به عند حركته في الحياة، وهنا أقصد المنهج الوسط المعتدل في الفكر والتصور والاعتقاد والحركة والسلوك، وتحقيق الوسطية هنا يعنى عملياً إقامة المنهج الرباني المعنى في قوله الله تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا..}.

وهنا أرض لمثالين أحدهما يتصل بالروح، وثانيهما يتصل بالمادة، ثم أجرى مع قارئي العزيز إسقاطاً واقعياً لهذين المثالين، لنرى معاً مدى تحقق الميزان في كليهما على أرض الواقع، ثم نلتقط المرحلة الوسط بين المثالين لتمثل الميزان بين الروح والجسد:-

** المثال الأول: أرى أن ظاهرة التدين عبر تعدد الجماعات الدينية المتناثرة والمتغلغلة في نسيجنا الاجتماعي، أره أنها ظاهرة تسبح في اتجاه معاكس لمفاهيم التوسط والاتزان في هذا الخصوص، لماذا؟لأن كل جماعة قد رأت الدين كما يحلو لها، وفسرت النصوص القرآنية والنبوية بالطريقة التي تخدم أهدافها وتحقق مآربها، ونظرت إلى الدين من زاوية واحدة قد تكون عند البعض حادة جداً فتمثل إفراطاً غير مقبول، وقد تكون منفرجة جداً فتمثل تفريطاً غير مستساغ، وبين هذا وذاك منطقة وسط تاهت من عقول وقلوب هذه الفرق.

1) لقد فسرت جماعة الدين بغلو وتشدد وتعنت يدفع إلى التطرف والعنف والصدام الدموي مع المجتمع تحت مبررات ما أنزل الله بها من سلطان!!.

2) وجماعة أخرى فسرت الدين تفسيراً سياسياً، فراحت تعزف على أوتار المشاعر من خلال شعارات تعلن الدين وتبطن السياسة لخلق شعبية وجماهيرية تكون قنطرة نحو كرسي أو منصب يقع عليه ضوء الشمس!!.

3) وجماعة ثالثة فسرت الدين على أنه عزلة عن الحياة والأحياء بأن حاربت كل تطور أو تقدم بحجة أنه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبذا وقفت معادية لكل أشكال التحضر والتمدن!!.

4) وجماعة رابعة فسرت الدين مظهرياً على أنه جلباب وسواك ولحية وطيب!!.

5) وخامسة رأت التدين على أنه مجرد دروشة ومجالس وثب وقفز وهلوسة!!.

وهكذا تعددت الصور لهذه الجماعات، وكل جماعة ترى أنها على الحق المبين وأن ما سواها على الضلال المبين، وفى خضم هذه المشاحنات تاه الطريق القويم من تحت أقدام كثير من الناس، واختل ميزان التدين الصحيح في قلوبهم وعقولهم، فراح فريق يسبح بحمد جماعة فلان، وفريق يسبح بحمد جماعة علان، بل وأصبح التبرير لتصرفات هذه الجماعة أو تلك مقدم على ما سواه من دين أو ضمير أو وطنية، ولذا فإني أتصور أن تناثر الجماعات الدينية هنا وهناك تحت مظلات مختلفة هي أحدى مصائبنا الاجتماعية التي تحتاج إلى وضع إستراتيجية تساهم في بنائها كل مؤسسات المجتمع بهدف إرجاع الأقدام المنزلقة في هوة تلك الجماعات إلى طريق التدين الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، قال رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى".

** المثال الثاني: وفيه تقفز بوضوح صور الاختلال المادي في حياة البشر فيما يتعلق بالإنفاق والاستهلاك، حيث تاه منهج الاعتدال والاتزان من العرب والمسلمين خاصة في أوقات الرخاء والترف، إذ حكي التاريخ ولا زلنا نرى حتى الآن لقطات صارخة تبرهن بما لا يدع مجالاً للشك على تدنى مستوى ثقافة الإنفاق والاستهلاك، ولك أن تنظر إلى حجم الفاقد أو التالف من استهلاك العرب والمسلمين لتعرف عن كثب كيف تمكن التبذير والإسراف من نفوس الكثير منهم، ترفاً، أو وجاهة، أو جشعاً، أو شهوة، أو غير ذلك.

لقد وضع الله تعالى ميزاناً للإنفاق والاستهلاك في قوله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } وقال تعالى أيضاً { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ذلكم هو المنهج الرباني القويم الذي حادت عنه نفوس أشربت عادات الإسراف والبذخ، ونفوس أخرى أشربت عادات الشح والبخل والأنانية تحت مبرر "من حكم في ماله فما ظلم".

ولذلك فلا عجب أن نرى القلق وقد ظهر على تصريحات الرسميين جراء سوء الإنفاق والاستهلاك سواء فيما يتصل بالموارد العامة، أو فيما يتصل بالموارد الخاصة، ولذا انطلقت دعوات بل وتشريعات لترشيد الاستهلاك والحد من الإسراف غير المبرر الذي يهدد بكارثة مستقبلية إن استمر بهذه المعدلات المخيفة، والأمر هنا يحتاج بالموازاة إلى الدعوات والتشريعات إلى وضع آليات لنشر ثقافة الإنفاق والاستهلاك بين قطاعات المجتمع بحيث يتم تقليل وتحجيم الفاقد والتالف إلى أدنى مستوى ممكن، ولا أجد لذلك سبيلاً أفضل من نشر الوعي الديني الذي يحض على الاعتدال في المأكل والمشرب والملبس والاستهلاك.

وبين مثال الروح ومثال المادة تبدو منطقة مثالية تجمع بين متطلبات المادة ومتطلبات المادة في تناسق جميل، تمثل في رأيي ميزان الحياة قال تعالى { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} هذا هو الميزان الذي يحفظ على الإنسان بشريته المكرمة، إذ ليس مطلوباً منه أن يكون ملكاً فيميل ميلاً كبيراً إلى جانب الروح وينقطع كلياً عن حياة البشر، كما أنه منهي أن يكون مبذراً مسرفاً فيميل ميلاً عظيماً نحو متطلبات نفسه و جسده.

إن الشهر الكريم الذي أوشك أن يحل ضيفاً علينا يعد أكبر فرصة بين أيدينا لنحيا على منهج الاعتدال والتوسط بصورة تكون رصيداً للمضي عليه بقية أيام العام، لأني أعتقد أن ميزان الله في المادة والروح لو عاد حياً في حياتنا لتبدل الحال غير الحال .

** مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.