وزير التعليم العالي: تعزيز برامج دعم الباحثين المصريين وتوسيع فرص الابتكار وريادة الأعمال    احتفال وطني بذكرى أكتوبر في كلية الحقوق جامعة المنصورة    "العمل": اختبارات للمتقدمين على وظائف بالإمارات في مهن الحداد والنجارة والسباكة والجبس بورد والسيراميك والمحارة    هبوط عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025 وعيار 21 بالمصنعية الآن بيعًا    اسعار اللحوم اليوم الأربعاء 22اكتوبر في أسواق المنيا    استقرار وانخفاض طفيف في أسعار الحديد بأسواق المنيا اليوم الاربعاء 22أكتوبر 2025    التخطيط: 7.4 مليار يورو حجم الاستثمارات الأوروبية فى مصر    وزير المالية فى اليوم الثانى لمؤتمر «الأونكتاد» بجنيف: نتطلع لدور أكبر للبنوك التنموية متعددة الأطراف.. فى خفض تكاليف التمويل للدول الأعضاء والقطاع الخاص    ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 1.5% وسط مخاوف نقص الإمدادات    جدول أعمال أول قمة مصرية أوروبية ببروكسل    الأوكرانيون يستعدون لشتاء آخر من انقطاع الكهرباء مع تغيير روسيا لتكتيكاتها    النائب العربي بالكنيست أيمن عودة: نسعى لمنع نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة.. والضفة هدفه المقبل    الرئيس السيسى يبدأ نشاطه فى بروكسل بلقاء ممثلة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي    فياريال ضد مان سيتى.. هالاند يقترب من معادلة رقمه القياسى    السلام من أرض السلام    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة    مفارقات الرقم (4).. ماذا قدم تامر مصطفى مدرب الاتحاد السكندري أمام الأهلي قبل مواجهة الليلة؟    حالة الطقس المتوقعه اليوم الأربعاء 22اكتوبر 2025فى محافظة المنيا    حبس 3 متهمين تعدوا على مسن في المطرية (تفاصيل)    عاجل- إتاحة التقديم لحج الجمعيات الأهلية إلكترونيًا عبر بوابة الحج الموحدة    بلع لسانه.. مصرع شاب أثناء لعب الكرة بشربين بالدقهلية    اليوم.. النطق بالحكم في استئناف البلوجر كروان مشاكل على حبسه عامين    إتاحة خدمة التقديم لحج الجمعيات الأهلية إلكترونيا    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    "الأعلى للثقافة" يدعو للاستفادة من ظاهرة تعامد الشمس في تنشيط "سياحة الفلك"    المتحف المصرى الكبير.. تحفة معمارية تبث الروح العصرية فى الحضارة الفرعونية    فيبريسي يحتفل بمئويته بمهرجان الجونة السينمائى    سماء الفرج    موعد شهر رمضان المبارك 1447 هجريًا والأيام المتبقية    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    نائب وزير الصحة يبحث احتياجات المنظومة الصحية في شمال سيناء    استقبال 20 ألف حالة بمستشفيات جامعة بنى سويف خلال أكتوبر    طبول الحرب تدق مجددًا| كوريا الشمالية تطلق صاروخًا باليستيًا باتجاه البحر الشرقي    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025 في بورسعيد    الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تستعد لاستضافة اجتماع لجنة الإيمان غدا الخميس.. صور    السوداني: الحكومة العراقية حريصة على مواصلة زخم التعاون الثنائي مع أمريكا    تعليم المنوفية تحسم قرار غلق مدرسة بالباجور بعد ارتفاع إصابات الجدري المائي    حسين فهمي: الدفاع عن الوطن في غزة ليس إرهابًا.. واستقالتي من الأمم المتحدة جاءت بعد هجوم قانا    عبد الله جورج: الجمعية العمومية للزمالك شهدت أجواء هادئة.. وواثقون في قدرة الفريق على حصد لقب الكونفدرالية    سعر الذهب اليوم الأربعاء 22-10-2025 بعد انخفاضه في الصاغة.. وعيار 21 الآن بالمصنعية    مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز يهدي دورته ال17 ل زياد الرحباني    جيهان الشماشرجي تكشف علاقتها بيوسف شاهين ودور سعاد نصر في تعرفها عليه    تعليمات جديدة من التعليم للمعلمين ومديري المدارس 2025-2026 (تفاصيل)    جداول امتحانات شهر أكتوبر 2025 بالجيزة لجميع المراحل التعليمية (ابتدائي – إعدادي – ثانوي)    عاجل- الحكومة: لا تهاون في ضبط الأسعار.. ورئيس الوزراء يشدد على توافر السلع ومنع أي زيادات غير مبررة    د. محمد العربي يكتب: دور الأزهر في التصدي للفكر الإرهابي    رومانسي وحساس.. 4 أبراج بتحب بكل جوارحها    تكريم ياسر جلال فى مهرجان وهران للفيلم العربى بالجزائر    اعترافات المتهم بمحاولة سرقة مكتب بريد العوايد في الإسكندرية: من قنا وجاء لزيارة شقيقته    باريس سان جيرمان يكتسح ليفركوزن بسباعية في دوري الأبطال    «تقريره للاتحاد يدينه.. واختياراته مجاملات».. ميدو يفتح النار على أسامة نبيه    مواقيت الصلاة فى أسيوط الاربعاء 22102025    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت    موعد مباريات اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025.. إنفوجراف    أرتيتا: مواجهة أتلتيكو مدريد كانت صعبة.. وجيوكيريس استحق التسجيل    ريكو لويس: سيطرنا على مباراة فياريال.. وجوارديولا يعلم مركزي المفضل    مجلس كلية طب طنطا يناقش مخطط تدشين مبنى الكلية الجديد    استشاري مناعة: الخريف أخطر فصول العام من حيث العدوى الفيروسية.. واللقاحات خط الدفاع الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوسطية..روحاً ومادة
نشر في محيط يوم 28 - 08 - 2008


الوسطية..روحاً ومادة


* عبد القادر مصطفى عبد القادر

لقد خلق الله كل شيء في الكون بميزان دقيق محكم لا يعتريه خلل، إذ قال جل شأنه { وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ } هذا الميزان الرباني يتحرك وفق قوانينه كل شيء في الكون، من شمس وقمر ونجوم وكواكب، إذ لا تحيد أبداً عن تلك القوانين ولو بقدر ضئيل، وهى تمضى على هذا النسق البديع مُسَيّرة بقدرة الله تعالى كي تؤدى مهمتها المقدرة المحددة بمنتهى الدقة والنظام، إذ لم يمنحها الخالق جل في علاه القدرة على الاختيار، حيث تدور و تجرى وفق قدر معلوم إجباراً لا اختياراً، و هي تفصح وقتما تتحرك على هذا النحو عن آية كونية رائعة - جديرة بالتأمل والتدبر في كتاب الله المنظور - تحكم أداء الكون كله من الذرة إلى المجرة، ألا وهى آية "الميزان".

والإنسان خَلقٌ من خَلقٍ الله تعالى ليس بمعزل ولا منأى عن نواميس هذا الميزان، إذ جاء الإنسان إلى الأرض وجاء معه ميزانه كي يضبط وينظم حركته في الحياة بما يجعله يحيا في حالة انسجام وتوافق مع مفردات الكون الأخرى، هذا الميزان جاء متمثلاً في منهج رباني مكتمل يرمى إلى تحقيق التوازن بين جانبي الإنسان وهما الروح والمادة بحيث لا يطغى جانب على جانب كي لا ينسلخ الإنسان من بشريته إلى خَلْق آخر لا يرتضيه الخالق له.

إن الإنسان بشر ولا يجب أن يكون غير ذلك، وهنا تكمن القدرة على تحقيق المعادلة الصعبة بين جانب يريد أن يرقى إلى السماء وهو جانب الروح، وبين جانب يريد أن يخلد إلى الأرض وهو جانب المادة، وبينهما نقطة متوسطة هي ما يجب أن يلتزم الإنسان به عند حركته في الحياة، وهنا أقصد المنهج الوسط المعتدل في الفكر والتصور والاعتقاد والحركة والسلوك، وتحقيق الوسطية هنا يعنى عملياً إقامة المنهج الرباني المعنى في قوله الله تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا..}.

وهنا أرض لمثالين أحدهما يتصل بالروح، وثانيهما يتصل بالمادة، ثم أجرى مع قارئي العزيز إسقاطاً واقعياً لهذين المثالين، لنرى معاً مدى تحقق الميزان في كليهما على أرض الواقع، ثم نلتقط المرحلة الوسط بين المثالين لتمثل الميزان بين الروح والجسد:-

** المثال الأول: أرى أن ظاهرة التدين عبر تعدد الجماعات الدينية المتناثرة والمتغلغلة في نسيجنا الاجتماعي، أره أنها ظاهرة تسبح في اتجاه معاكس لمفاهيم التوسط والاتزان في هذا الخصوص، لماذا؟لأن كل جماعة قد رأت الدين كما يحلو لها، وفسرت النصوص القرآنية والنبوية بالطريقة التي تخدم أهدافها وتحقق مآربها، ونظرت إلى الدين من زاوية واحدة قد تكون عند البعض حادة جداً فتمثل إفراطاً غير مقبول، وقد تكون منفرجة جداً فتمثل تفريطاً غير مستساغ، وبين هذا وذاك منطقة وسط تاهت من عقول وقلوب هذه الفرق.

1) لقد فسرت جماعة الدين بغلو وتشدد وتعنت يدفع إلى التطرف والعنف والصدام الدموي مع المجتمع تحت مبررات ما أنزل الله بها من سلطان!!.

2) وجماعة أخرى فسرت الدين تفسيراً سياسياً، فراحت تعزف على أوتار المشاعر من خلال شعارات تعلن الدين وتبطن السياسة لخلق شعبية وجماهيرية تكون قنطرة نحو كرسي أو منصب يقع عليه ضوء الشمس!!.

3) وجماعة ثالثة فسرت الدين على أنه عزلة عن الحياة والأحياء بأن حاربت كل تطور أو تقدم بحجة أنه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبذا وقفت معادية لكل أشكال التحضر والتمدن!!.

4) وجماعة رابعة فسرت الدين مظهرياً على أنه جلباب وسواك ولحية وطيب!!.

5) وخامسة رأت التدين على أنه مجرد دروشة ومجالس وثب وقفز وهلوسة!!.

وهكذا تعددت الصور لهذه الجماعات، وكل جماعة ترى أنها على الحق المبين وأن ما سواها على الضلال المبين، وفى خضم هذه المشاحنات تاه الطريق القويم من تحت أقدام كثير من الناس، واختل ميزان التدين الصحيح في قلوبهم وعقولهم، فراح فريق يسبح بحمد جماعة فلان، وفريق يسبح بحمد جماعة علان، بل وأصبح التبرير لتصرفات هذه الجماعة أو تلك مقدم على ما سواه من دين أو ضمير أو وطنية، ولذا فإني أتصور أن تناثر الجماعات الدينية هنا وهناك تحت مظلات مختلفة هي أحدى مصائبنا الاجتماعية التي تحتاج إلى وضع إستراتيجية تساهم في بنائها كل مؤسسات المجتمع بهدف إرجاع الأقدام المنزلقة في هوة تلك الجماعات إلى طريق التدين الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، قال رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى".

** المثال الثاني: وفيه تقفز بوضوح صور الاختلال المادي في حياة البشر فيما يتعلق بالإنفاق والاستهلاك، حيث تاه منهج الاعتدال والاتزان من العرب والمسلمين خاصة في أوقات الرخاء والترف، إذ حكي التاريخ ولا زلنا نرى حتى الآن لقطات صارخة تبرهن بما لا يدع مجالاً للشك على تدنى مستوى ثقافة الإنفاق والاستهلاك، ولك أن تنظر إلى حجم الفاقد أو التالف من استهلاك العرب والمسلمين لتعرف عن كثب كيف تمكن التبذير والإسراف من نفوس الكثير منهم، ترفاً، أو وجاهة، أو جشعاً، أو شهوة، أو غير ذلك.

لقد وضع الله تعالى ميزاناً للإنفاق والاستهلاك في قوله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } وقال تعالى أيضاً { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ذلكم هو المنهج الرباني القويم الذي حادت عنه نفوس أشربت عادات الإسراف والبذخ، ونفوس أخرى أشربت عادات الشح والبخل والأنانية تحت مبرر "من حكم في ماله فما ظلم".

ولذلك فلا عجب أن نرى القلق وقد ظهر على تصريحات الرسميين جراء سوء الإنفاق والاستهلاك سواء فيما يتصل بالموارد العامة، أو فيما يتصل بالموارد الخاصة، ولذا انطلقت دعوات بل وتشريعات لترشيد الاستهلاك والحد من الإسراف غير المبرر الذي يهدد بكارثة مستقبلية إن استمر بهذه المعدلات المخيفة، والأمر هنا يحتاج بالموازاة إلى الدعوات والتشريعات إلى وضع آليات لنشر ثقافة الإنفاق والاستهلاك بين قطاعات المجتمع بحيث يتم تقليل وتحجيم الفاقد والتالف إلى أدنى مستوى ممكن، ولا أجد لذلك سبيلاً أفضل من نشر الوعي الديني الذي يحض على الاعتدال في المأكل والمشرب والملبس والاستهلاك.

وبين مثال الروح ومثال المادة تبدو منطقة مثالية تجمع بين متطلبات المادة ومتطلبات المادة في تناسق جميل، تمثل في رأيي ميزان الحياة قال تعالى { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} هذا هو الميزان الذي يحفظ على الإنسان بشريته المكرمة، إذ ليس مطلوباً منه أن يكون ملكاً فيميل ميلاً كبيراً إلى جانب الروح وينقطع كلياً عن حياة البشر، كما أنه منهي أن يكون مبذراً مسرفاً فيميل ميلاً عظيماً نحو متطلبات نفسه و جسده.

إن الشهر الكريم الذي أوشك أن يحل ضيفاً علينا يعد أكبر فرصة بين أيدينا لنحيا على منهج الاعتدال والتوسط بصورة تكون رصيداً للمضي عليه بقية أيام العام، لأني أعتقد أن ميزان الله في المادة والروح لو عاد حياً في حياتنا لتبدل الحال غير الحال .

** مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.