لاريجاني وشعرة معاوية.. ونجاد وفن التفاوض المستحيل! هاشم كرار استقال «المفاوض النووي» الإيراني علي لاريجاني، لكن السياسة النووية الإيرانية ستبقى كما هي، وفقا للاريجاني نفسه، ومسؤولين إيرانيين كبار. النووي «السلمي» حق مشروع. تلك هي رؤية إيران .. وذلك هو موقفها .. وهذه الرؤية، هي رؤية لاريجاني المستقيل .. وذلك هو موقفه، الذي لا يتعارض مع موقف الرئيس نجاد، ولا موقف المرشد علي خامنئي. حسنا.. إذن، لماذا استقال لاريجاني؟ التفاوض فن. وقديما، قال داهية العرب، معاوية ابن أبي سفيان: لو كانت بيني والناس شعرة ما انقطعت قط، إذا شدوها أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها. ذلك فن التفاوض، عند ابن أبي سفيان. وفي ظني، أن تلك أيضا هي فلسفة تفاوضية، لمن هو في دهاء ابن أبي سفيان، من قدامى الفرس، وهي الفلسفة التي ظل يتمسك بها لاريجاني، وهو يدخل ويخرج من قاعة تفاوضية إلى قاعة أخرى مع الأوروبيين. لاريجاني انطلاقا من هذه الفلسفة كان يرخي، حين يتشدد الأوروبيون، ويتشدد حين يرخون .. وهكذا ظلت الشعرة التي تربط إيران بأوروبا، سليمة .. وهكذا ظلت المفاوضات، من جولة لجولة .. أشبه ما تكون بمفاوضات «ملء المثانة»، تلك التي كان قد برع فيها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد! فلسفة لاريجاني التفاوضية، والتي كانت تتأرجح بين الممكن والمستحيل، تقابلها فلسفة أخرى، هي فلسفة المستحيل .. وتلك فلسفة تفاوضية متشددة، يمكن ببساطة أن تغلق باب التفاوض، وتفتح بابا آخر .. هو باب المواجهة. فلسفة «التفاوض المستحيل»، هي فلسفة الرئيس نجاد، الذي كان يستبق أي جولة تفاوضية نووية، بالتأكيد على ألا تنازل عن «الحق النووي»، ويقرن هذا التأكيد، بتهديد من تهديداته النارية! هكذا .. كان طبيعيا أن تصطدم «الفلسفتان»، وكان طبيعيا أن يتعرض لاريجاني في كل جولة إلى ما يشبه الإحراج: (أنت تفاوضنا هنا، لكن رئيسك يتشدد في التمسك بالنووي، فكيف تفسر لنا هذا؟ وكيف يمكن أن نصل إلى حل تفاوضي؟). ما بين القوسين، ما يقول به الأوروبيون، خلال كل جولة تفاوضية. اصطدمت الفلسفتان التفاوضيتان، إذن .. وكان طبيعيا من هنا أن يستقيل لاريجاني ... الآن، هل تنقطع «الشعرة التفاوضية» بين إيران وأوروبا، بانتصار فلسفة نجاد: «فلسفة فاوض ويبقى المستحيل»؟، وهي الفلسفة التي ينبغي أن «يتفلسف» بها خليفة لاريجاني، المقرب من نجاد، جليلي؟ ذلك هو سؤال، ما بعد لاريجاني .. وهو سؤال، ستجيب عنه جولة تفاوضية ثانية، أو حتى ثالثة .. ولأن أي مفاوضات في الدنيا لن تستمر إلى الأبد، فإن النهاية ستكون مفتوحة على احتمالين: إما التوصل إلى حل عبر المفاوضات، أو المواجهة. إذا ما كان الاحتمال الأول هو الوارد، فلماذا إذن ضيّق نجاد على لاريجاني حد «الإحراج» .. وحد تقديم استقالته الشهيرة؟ إذا ما كان هذا الاحتمال، هو الوارد، فينبغي علينا أن نبحث عن سبب آخر لتضييق نجاد على لاريجاني .. وبالطبع لن يطول البحث، وآخرون يربطون بين «التضييق» على لاريجاني ليستقيل، وبين إخراجه نهائيا بمخطط نجادي عن لعبة المنافسة منافسة نجاد في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة! عن صحيفة الوطن القطرية 25/10/2007