لا بديل عن شراكة نووية بين واشنطن وموسكو ماثيو بون واحد من كل عشرة مصابيح إضاءة في الولاياتالمتحدة يعمل بطاقة وقود من قنابل روسية مفككة ما يعني أن هذه الإضاءة هي في حقيقتها قنابل لكنها لن تنفجر على الإطلاق. والمواد التي يحتمل استخدامها في تصنيع قنبلة نووية والتي كانت تخزن في الماضي داخل خزانة يعادل حجمها مساحة صالة رياضية في مدرسة ثانوية وعليها قفل يمكن قطعه باستخدام أداة قطع أصبحت الآن توضع في خزائن آمنة عليها أبواب حديدة ثقيلة. إلا أنه ما يزال هناك الكثير مما يجب عمله للسيطرة على تلك التركات الخطيرة التي خلفتها الحرب الباردة ، ولا يقتصر الأمر على روسيا وحسب بل في شتى جنبات العالم. وليس ثمة شك أننا بحاجة الى مساعدة روسيا لتحقيق ذلك. ودائما ما نذكر للرئيس ريجان وصفه للاتحاد السوفيتي أنه " امبراطورية الشر" ، بيد أنه وفي ظل حالة الجفوة التي أصابت العلاقات الروسية الأميركية مؤخرا علينا أن نتذكر ان ريجان خلال فترة ولايته الثانية غير من لهجته إلى موقف الاعتدال وعمل مع الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف للتفاوض حول تخفيضات ليس لها مثيل في الأسلحة النووية . واليوم يجب على الولاياتالمتحدة وأوروبا أن يكون لهما استجابة إزاء سلوك روسيا العسكري في جورجيا وأماكن اخرى في امبراطوريتها السابقة. ولكن يجب أيضا الحفاظ على علاقة عمل مع روسيا لمواصلة التعاون الحيوي بين خبراء الولاياتالمتحدةوروسيا من أجل خفض الاسلحة النووية وإبعادها عن أيدي الإرهابيين. وروسيا بحاجة الى قانون لمكافحة الفساد النووي والتهديدات من الداخل وتوفير التمويل اللازم للحفاظ على مستويات عالية من الأمن بعد قيام واشنطن بالإلغاء التدريجي للمساعدة التي تقدمها ولترسيخ ثقافة أمن نووي بين الموظفين العاملين في الحقل النووي. كما يجب تعزيز أنظمة الأمن النووي وتقوية أماكن تخزينها وجمعها في مواقع أقل عددا. وبدون العمل المشترك بين الخبراء الأميركيين والروس ستتضاءل الى حد كبير فرصة قيام روسيا بهذه الخطوات بالغة الأهمية. كما ان التعاون بين الولاياتالمتحدةوروسيا هو امر حيوي للحد من مخاطر الإرهاب النووي في بقية أنحاء العالم. وهناك اكثر من 40 دولة تمتلك العناصر الأساسية للأسلحة النووية. والولاياتالمتحدةوروسيا تقودان المبادرة العالمية لمكافحة الارهاب النووي والتي تعد محاولة لجمع جهود ما يربو على 70 دولة والعمل معا للتخلص من اليورانيوم عالي التخصيب الموجود في مفاعلات بحوث منتشرة في أنحاء العالم ولا يتوفر لها قدر جيد من التأمين الدفاعي وذلك من أجل تأمين هذه المواقع. بيد أن نطاق ووتيرة الجهود العالمية ما يزالا أقل بكثير من حجم الحاجة الملحة التي يفرضها التهديد ، والمؤكد أن مساعدة روسيا سيكون لها دورا محوريا لا غنى عنه لتسريع وتيرة العمل. وكان السيناتور الأميركي السابق سام نون ، على سبيل المثال ، قد اقترح ان تقوم الولاياتالمتحدةوروسيا بانشاء فرق مشتركة من خبراء الامن النووي لمساعدة البلدان على تعزيز الأمن النووي وأنظمة المحاسبة ، والتي يتوقع لها أن تحقق أمنا نوويا أكثر شمولا في جميع أنحاء العالم. والواقع أن نون هو القوة الدافعة التي تقف وراء منظمة جديدة هي " المعهد العالمي للامن النووي" والتي تسعى الى تعزيز الأمن في آلاف من المنشآت النووية في شتى أنحاء العالم في محاولة لمنع الارهابيين من الوصول الى مواد تستخدم في صنع قنبلة نووية. والاخبار السارة هي أن التعاون لتأمين مخزونات الأسلحة النووية ووقف التهريب يمضي قدما رغم ما حدث مؤخرا من تراجع تدريجي في العلاقات الروسية الأميركية. وقد أكد كل من السيناتور جون ماكين والسيناتور باراك أوباما على أهمية استمرار التعاون مع روسيا في مجالات مثل الانتشار النووي خلال أول مناظرة رئاسية. اما الأخبار السيئة فهي أن مشاعر العداء والشك الآخذة في التزايد بين واشنطن وموسكو تجعل من الصعوبة بمكان التوصل الى اتفاقات جديدة. كما انه وفي كثير من المجالات من تقوية المخزونات النووية الى التعامل مع ايران وكوريا الشمالية والحد من الأسلحة النووية نجد ان التوصل الى اتفاقات جديدة سيمثل أمرا جوهريا خلال الفترة القريبة القادمة. ( على سبيل المثال معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية ، ومعها الهيكل العام لعمليات التفتيش والشفافية الخاصة بالأسلحة النووية والتي فاوض ريجان من أجلها سوف تنتهي العام المقبل ما لم يتم القيام بجهود من اجل تمديد العمل بها.) ومنع حصول الإرهابيين على أسلحة نووية يجب أن يكون في مقدمة أولويات سياسة الأمن الوطني للولايات المتحدة كما أن تأمين مخازن الأسلحة والمواد النووية في أنحاء العالم هو الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق هذا الهدف. وروسيا لديها اكبر مخزون في العالم وعلى إدارة بوش ومن سيخلفها أن تأخذ صفحة من الكتيب الإرشادي لريجان : على الرغم من ضرورة استجابة واشنطن بطريقة مناسبة عندما تتباين المصالح الاميركية والروسية بيد انه يجب على الولاياتالمتحدة ان تعمل لبناء شراكة حقيقية مع روسيا في المجالات التي تتداخل فيها مصالحنا الحيوية لاسيما في الحد من التسلح النووي والسيطرة عليه. نشر في صحف " لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست " ونقل من صحيفة "الوطن" العمانية 14/10/2008