حلف جديد ضد الحرب الثالثة د.محمد عبدالله المطوع ينعقد في هذه الأيام المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني تحت شعار «البناء الاشتراكي ذو خصائص صينية»، وهو شعار يكرس حقيقة موضوعية مفادها أن لكل مجتمع خصوصية تختلف عن خصوصيات المجتمعات الأخرى، وبالتالي فإن السمة الأممية التي طالما تبنتها الأحزاب الشيوعية التقليدية لم تعد لدى الحزب الشيوعي الصيني هي الصيغة الرئيسية في هذه المرحلة.
إن الحزب الشيوعي الصيني، ومنذ تأسيسه في يوليو 1921 وحتى الآن، قد مر بمراحل مختلفة أكد من خلال تفاعله معها على أن النظرية الماركسية تتطلب مساراً مع الديناميك ضد الاستاتيك، مساراً مع الحركة ضد الجمود، وهي معادلة فيزيائية تؤكد على أن البقاء والتطور صنوان للحركة والتغيير. فمن المعلوم أن الأعوام الواقعة في الفترة (1921 1949) قد شهدت صراعاً خاضه شعب جبار أراد الحياة واستطاع أن يشكل نموذجاً جديداً يستند إلى إنسانية الطروحات للنموذج الاشتراكي وغزارة القدرات الإنتاجية للنموذج الرأسمالي.
واليوم حينما يجري الحديث عن الصين يدرك الكثير من المحللين سواء في الجوانب السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية ان حزباً سياسياً بلغ عدد أعضائه نحو 73 مليون عضواً، حسب إحصائيات العالم 2006، هو حزب غير عادي في سعة قاعدته الجماهيرية وبالتالي غير عادي في قدراته على البناء.
وهنا تعود بنا الذاكرة إلى مقولة المؤسس ماو تسي تونغ حينما أكد على أهمية الخبرة في البناء والمعرفة في مجال العمل، أو غيره من المجالات، وعلى الجانب الأيديولوجي، حينما أكد على أنه «ليس من المهم أن تكون مُنظراً إلا أن المهم أن تكون خبيراً»، وهو اعتراف بأهمية العلم والتخصص لخدمة الإنسان الصيني.
الصين نموذج لتعايش العديد من القوميات والديانات والطبقات عبر تاريخ طويل، وهي ترسم على مدى النصف قرن الأخير نموذجاً جديراً بالدراسة والتحليل لأسباب عديدة لعل من أبرزها الدور المتعاظم الذي تلعبه في الاقتصاد العالمي وفي السياسة الدولية.
مما لا شك فيه أن القيادات الصينية منذ 1949 وحتى 1976 قد ارتكبت أخطاء كثيرة وخاصة في مرحلة الثورة الثقافية والتي أثرت على الأوضاع العامة في المجتمع الصيني سلباً سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا ان القادة الصينيين لم يجعلوا من تلك الأخطاء التي ارتكبت عوامل عائقة للتقدم، بل كانوا على قدر كبير من الشجاعة والوعي فعملوا على تحويل تجارب الفشل إلى قوى إضافية في النجاح.
ويشكل العام 1971 المنعطف التاريخي العظيم للتجربة الصينية والتي كان من مهامها الأساسية تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي، والتي قادها الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ، وهي السياسة التي أدت إلى ازدهار الاقتصاد الصيني وتسارع نموه وبالتالي تم الانتقال من مرحلة الانهيار الاقتصادي إلى مرحلة ازدهار هذا الاقتصاد لتصبح الصين رابع أكبر اقتصاد في العالم، حينما رسم بينغ منهجاً جديداً جعل من الصينيين الذين كانوا يعانون من شح المأكل ورداءة الملبس أناساً آخرين يتمتعون حالياً، بوجه عام، بحياة مريحة إلى حد كبير.
يبقى السؤال المهم وهو هل تستطيع الصين أن تقاوم تفشي الفساد المالي والإداري في أجهزة الحزب وأجهزة الدولة، فالفساد قد أصبح ظاهرة عالمية في معظم دول العالم المتقدمة منها أو النامية، الواقعة في نصف الكرة الشمالي أو نصفها الجنوبي؟.
الفساد أبرز العوامل التي تؤدي إلى خلق الأزمات في العالم، آخذين بعين الاعتبار أن الرشاوى في العالم قد بدأت تطرق أرقاماً خيالية تصل المليارات من الدولارات، وتستفيد من ممارسة عمليات الفساد عادة الشركات الكبيرة التي تدخل في صفقات السلاح وتقديم القروض التي تتطلب إجبار الطرف الأضعف على حرف سياساته ومساراته. وتؤكد التقارير الدولية ان الاقتصاد الوطني في العديد من الدول تخسر الكثير جراء تفشي هذه الظاهرة.
إن معدلات النمو الاقتصادي المتميز في الصين والذي يعتبر من أعلى المعدلات في العالم لم يجر بمعزل عن تفهم القيادة السياسية الصينية لأهمية الديمقراطية وتنمية قدرات الفرد ومنحه الفضاءات الضرورية لتحقيق طموحاته.
فمواكبة مع متطلبات القرن الحادي والعشرين أكد الرئيس الصيني هو جين تاو في بكين يوم الخامس عشر من الشهر الجاري، ومن خلال تقديم تقريره إلى المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني، أنه يؤمن بتوسيع نطاق الديمقراطية للشعب، وأكد كذلك على ضرورة أن يصبح أبناء الشعب سادة البلاد.
وهذا التصريح لا يتعارض مع نهج محاربة الفقر في الصين، فقد ذكر الرئيس أن عدد الفقراء في الريف الصيني قد انخفض إلى عشرين مليون نسمة فقط بعد أن كان 250 مليون نسمة، أو بعبارة أخرى كان عدد فقراء الصين قريباً من عدد سكان الدول العربية وقريباً كذلك من عدد سكان الولاياتالمتحدة الأميركية.
وفيما يتعلق بمشكلة البطالة، وهي ظاهرة عالمية، لا تخص الدول النامية فحسب، بل إن تزايد عدد العاطلين عن العمل في الدول المتقدمة ربما يشكل مشكلة اجتماعية وسياسية واقتصادية أكثر خطورة، وهذا ما أكده الرئيس الصيني لي حينما قال «إن التوظيف هو عصب المعيشة، وأتمنى أن يستطيع الحزب والبلاد خلق بيئة أكثر تشجيعاً للتوظيف، كي يتمكن كل منا من الاستفادة في التخصص الذي درسناه».
وفي هذا المجال جاء المؤتمر الحالي ليؤكد على تطبيق دستور الصين الذي تم إقراره في الرابع من ديسمبر عام 1982، وهي خطوة تؤكد أن الشعوب الحية هي التي تحترم الدستور والقوانين والأنظمة التي تحقق طموحات الشعوب في الحياة الكريمة.
إن التجربة الصينية خلال نصف قرن من الزمن، هي تجربة إنسانية تحاول أن تجمع بين حسنات النظام الاشتراكي وحسنات النظام الرأسمالي، وهي بهذا تختلف عن مثيلتها في الاتحاد السوفييتي السابق. وهذه التجربة، سواء في جوانبها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، لا تزال في مرحلة طفولتها وهي بحاجة إلى أسس متعمقة وإلى فترة زمنية أطول للحكم على نتائجها، فالعبرة دائماً في المحصلة النهائية لأية تجربة جديدة.
إن عالم اليوم، كما كان على الدوام، يتعامل من منطلق القناعة بتبادل المصالح بين الدول بالدرجة الأولى في أطر العلاقات الدولية السلمية التي رسمتها اللوائح الصادرة عن المنظمات الدولية، إلا أن ما يمكن أن يعكر صفو ذلك ويقلبه رأساً على عقب هو بروز ملامح حرب عالمية ثالثة لا يمكن لدولة بحجم الصين أن تكون بمعزل عنها، وهنا يصبح التعامل والعلاقات بين الدول خاضعاً لمنطق القوة وليس القناعة بتبادل المنافع، وتصبح إقامة التحالفات على أسس كهذه بديلاً للاحتكام إلى الرأي العام العالمي الذي تمثله من الناحية الشكلية منظمة الأممالمتحدة.
فالصين مرشحة للدخول في تحالف استراتيجي مع روسيا لتكوين أكبر تحالف عسكري يقف أمام نزعة الولاياتالمتحدة للهيمنة على العالم، فمواقف الدولتين في الكثير من القضايا المهمة مثل احتلال العراق والملف النووي الإيراني والتوازن في شرق آسيا متقارب إلى حد بعيد، والدولتان كما الكثير من دول العالم باتتا تتبرمان من أحادية هيمنة دولة واحدة على مقدرات العالم وسياساته وشن الحروب المدمرة في أرجائه. عن صحيفة البيان الاماراتية 23/10/2007