غزة تحت المراقبة ديانا مقلد لم تكن مشاهد اقتحام مقاتلي حركة حماس في غزة لمبنى التلفزيون وتحطيمهم لمكاتب وأجهزة البث قبل أشهر حين سيطرت الحركة على القطاع إثر معارك دامية ضد حركة فتح، سوى مؤشر لما سيؤول إليه وضع الإعلام هناك. فمن ضمن حال الفوضى العارمة التي اجتاحت غزة والتي عملت تدميراً وتصفية وترهيباً، بدا جلياً أن الصحافة الفلسطينية تعيش مرحلة اقل ما يقال فيها إنها غاية في الصعوبة إن لم تكن كارثية. هذه الصحافة المنقسمة أصلا بين التيارين، خاضت معارك دعائية شرسة ساهمت في تعميق الشرخ الفلسطيني الداخلي. وعلى غرار الانقسامات في العراق ولبنان، للفلسطينيين حصتهم. وطبعاً ليس الإعلام بمنيع إزاء وضع عام مأزوم ومتفجر كما هو حاصل في غزة، فتحولت وسائل الإعلام إلى متاريس لا تقل خطورة عن السلاح الفالت من عقاله هناك.. آخر تداعيات النزاع بين فتح وحماس ما ظهر على المستوى الإعلامي وتجلى في قرار حكومة سلام فياض إغلاق مقرّ وزارة الإعلام في قطاع غزة بسبب ما وصفته بالتجاوزات الخطيرة وغير المسبوقة بحق الإعلاميين الفلسطينيين. نقابة الصحافة الفلسطينية دخلت على خط مجابهة حماس، منتقدة قرار الحركة إلزام الصحافيين الحصول على بطاقة تصدر من وزارة الإعلام التي تسيطر عليها حماس وليس من نقابة الصحافة كما كان سائداً، وهو ما اعتبرته النقابة تقويضاً لدورها. الخطوات الأخيرة هذه تأتي في سياق إرباك داخلي عام، وهي تشي بالتفتت العميق الذي يدور خلف الشعارات الوطنية التي يتم التمترس وراءها لدى القيام بخطوات رقابية تحدّ من الحريات العامة والحريات الإعلامية، إذ من السهولة إلى حدّ مروع مجابهة الصحافيين بجمل طنانة من نوع «المصلحة الوطنية» و «مجابهة المشروع الصهيوني» لتبرير التضييق على الصحافة والحدّ من ممارسة الإعلاميين لدورهم. في غزة باتت هناك رقابة مضاعفة على المادة الإعلامية المنتجة إذ غالباً ما تصل الأخبار والتحقيقات لاستوديوهات الفضائيات الإخبارية أو لمكاتب تحرير الصحف بعد أن تكون خضعت لرقابة ذاتية من الصحافيين الذين يعيشون تحت وطأة ضغط رقابي محكم ومباشر من حماس. لم يكن الوضع مثالياً قبل سيطرة هذه الحركة المتشددة.. هذا أمر أكيد..لكن ما يتهامس حوله الصحافيون سراً أو يعلنونه جهاراً أحياناً في غزة وما يتجلى في المواد الإعلامية الواردة من هناك يوحي كم هي حدة وطأة الرقيب "الحماسي" سواء أكانت المادة المرسلة نصاً أم صورة. وليس استدعاء الصحافيين إلى وزارة الإعلام أو اللجنة الحكومية للإعلام الخاضعة لحماس والتحقيق معهم حول مصطلحات ومفردات يستخدمونها في تقاريرهم الإعلامية ومن ثم تحويلهم أحياناً إلى التحقيق لدى القضاء العسكري تحت طائلة الحبس، سوى دلالة بالغة الخطورة لما تؤول إليه الأوضاع في غزة. عن صحيفة الشرق الاوسط 21/10/2007