لقد حُرِمت منك أيها الحبيب القابع فى قبو صمتك اللازوردى فكيف تحبس حبك وتنظر إلىَّ خُلًسَةً داخل قلبك المُعَبّدُ بالعشق ؟!
إن رياح الجنوب قد أخذت بعقلك ، ولكنك لا تتنسم عبيرها.. أنا عبير الوردة المقدسة ، أميرتك التى تنتظر طلوع فجر وجهك من القمر ..
أيها الساكن فى أرض الأحلام ، هلا اختليت بى لتحدثنى عن آلامك ، وأنا التَّواقةَ للسقيا من شهدك الشمالىّ ..
أنت لى المرفأ ، وأنا السفينة الهائمة فى لُجّ حبك العنيف..
أعلم بأنك تحبنى ، ولا أدرِ ماذا تحب فىّ ؟!
لقد قلت ذلك عبر الهاتف ، فَكُنْتَ تجيبنى وصوتُ قَلْبِكَ يدق يدق : أحبكِ حتى الموت ..
لقد عشت العمر أحصى الشهور والسنوات ، وأنت ترفل فى جنتك .. تُبِّتلُ عروقكَ بنبضاتها ، وهى تسكن إلى جوارك عيناك فى عينيها ، والأنوار الحمراء ..
كيف تفعل ذلك وقلبك كما عرفت مُعَلَّقُ بى ومعى ؟!
هل تتعذب مثلى ، وتحتضن الوحدة والليل والصقيع ، لقد كنت أنا كذلك فى ليالى الشتاء ، وفى أمسيات الصيف .. كان يُصَبِّرنى طيفك الذى كان يزورنى دائماً حينما يَجِنّ الليل ، وما أدراك ما الليل والوحدة والعذاب ؟! لقد حبست أنفاسى وأغلقت أذنى عن كلام الآخرين : ترفض الخُطَّاب ، تعيش وحيده .. بشوشة مع الآخرين ، لكن إلى متى ياحبيبى سأنتظرك ، فالزمردة تاقت ونضجت واستوت فهل من قطافٍ بعد ؟!
بل أنك لم تكتف بذلك بل أرسلت لى بعنجهيه خشنة ، وربما ببساطة شديدة كنت تقول فى خطابك :
وداعاً ، ومعذرة إن كنت قد ألقيتُ عندك أحزانى .. لقد دارت الدنيا يومها بى ، ودموع الواحة النائية قد تساقطت على عينىَّ الصغيرتين ، وظللت أجوح ، وأنوح ، وأمرمغ خَدّى فى الغرود المبتلة ، والمُتَبَّلَةُ بالحنظل والمرار ..
أنت جَرَّعْتَنى حَرّ القيظ ، وبرد الشتاء ، وصقيع الليل
فكنت الموجوعة بحبك ، والصائمة فى محراب عشقك أيها الكائن العطرى الذى لا ينظر لتلك القارورة الفارغة التى تنتظر دخول مرود أضوائك فى محكلتها السوداء ..
ياليتنى ما رأيتك ، ما عرفتك ، ما ابتلت شفتاى يوماً برضابك الذى يشبه البُهَار الكونى ..
لقد كنت الشتاء الذى يعرى أوراقى التى يبست لبعادك عنها طوال هذه السنين ، ومع كل هذا الحب الذى تدعيه لى ، لم تفكر ولو ليوم واحد أن تأتى إلى واحتى ، حتى عندما هيأت لك الأمر ، واعددت لك المكان وفرشته بالماء والرياحين خانتك الأقدار ولعبت معك لعبتها التى تشبه لعبة القط الذى يتسلى بمن يحب ..
لقد منحتك يوماً جواز مرورٍ لتمر فى مملكتى تَطَّلِعُ إلى تفاصيلى ، وتسقى العنابة الظامئة فما أتيت ، ولم تُمَرِّر ، ولم تَمُرُّ .. تَمْرُكَ يغرينى لذا استعذبت التَّمْرَ وما أحسست بحلاوةٍ مثل عسل تمرك الصحراوى ..
ألا زلت لا تفهم معنى القميص الوردى ، والوردة السابحة
فى شعرى ، ومشدات المشاجب ، وموسيقا الآه المتكسرة فوق رنين البيانو ؟!
حسبك تجيد العزف على وتر الجراح ، أو تجيد رتق الثقب فى أعماق أعماقى ..
اذهب لا أريدك ، وأرجوك لا تبحث عنى ، ولا تجدد آلامى بشهيقك ..
أنت أشبعتنى وما تذوقت ، وضممتنى وما كنت تجئ ، وتحسست رمانى ولكن دون أن تشعرنى بك ، فكنت جنّياً يعبث بزيتى ، وكنت تسكب فى شراهةٍ شرشفاتى فما رشفت ، وما شرشفت مساماتى ، بل كنت هواء يمر ، وماءً ينهمر وأسمع صوته وموسيقا تأتينى فأظل أجرى وأنادى وأصيح ثم أدور أدور حتى أقع على الأرض ، لقد أوقعتنى فى حفرتك ، نصبت شِبَاكك وجلت عند شُبَّاكك تتظرلى ، وأنا أستغيث بك أن ترحمنى ، فكنت شارد الفكر تبحث عنى وكنت ألوذ بك من ليالى الوحدة وأنا قابعة فى مستنقعاتك ..صحيح أنك كنت ترسل لى بالعطور والرياحين
ولكنك لم تأت مرة لترش الجسد الظامئ بعطرك الأثير .. كم أنت ظالم ، فهل يسامحك قلبى ؟!
لقد عرفت بأنك تهوى العذاب ، وَتُعَذِّبُ من حولك ، وأنت الجانى على كل من فى الوجود إلاَّىَ ؟! .
هل لا زلت تبحث عنى فى منعطفات الدنيا ، لماذا تريدنى ؟ هل تود أن تتسلى فى أمسياتك الحزينة ؟! ..
أنت تحبنى بحرارةٍ وهذا هو المرار بعينه ، فكيف يا من تحب لا تُردْ لقاء المحبوب ؟!
لقد بدأت أشك فى عقلك ، لكنى حين أجلس معك أراك كفيلسوف أخذ الحكمة من معينها ، وأراك العابد فى محراب الحب .. هل تريد أن تعيش لذاتك ، أم أنت تحيا بى ولى كما تقول ؟! .
أنا أمامك الآن فماذا تنتظر ، خُذْ قَبّل أنثاك العطشانة
أغزل صوفها ، ونم فوق حريرها ، ومزق قطيفتها مِزقاً .. مزقاً .. افعل أى شئ ولا تجلس تستعذب الحديث عن أوجاعك ، فأنا الماء الذى به ترش الجرح ، وتطفئ النار التى بداخلك .
أنت تريدنى موديلاً إذن ، أو أيقونة ترسمها فى محرابك ثم تمارس معها طقوسك خلف المدى ، لقد صنعت لى تمثالاً ونسيتنى فى ركن مرسمك ، ورحت تُقَبّل وجهى الصامت ، وأنا أنظر إليك فى غضب وأرتجف ..
لقد تعبت عروقى وأنت مشدوه إلى ما صنعت .. تناجينى فى صورة التمثال وأمامك الأصل .. لقد تشابهت الصورة عندك وفقدت التمييز فَرُحْتَ تفعل وتفعل فتنتفض جروحى وأتكوَّرُ فى جسدى وأذوب .. لقد هان علىّ أن أنتزعك من بين ثناياها ، وأضمك إلى صدرى ، ولكن لم تجرؤ روحى لأجعلك تعيش اللحظة المشتهاة .
حتى فى هذه اللحظة تظلمنى ، تنسانى ، لقد سكنت حركتك الآن .. لابد أن أتحسسك قبل أن تتحول إلى شبيه ، لقد
صدق حدسى فقد جمدت حراكك لكن التمثال القابع تحتك قد ذاب .. اختفى وكان علىّ أن أكمل الدورة لأفعل مثلما فعلت فما تردت عسى أن تعود الروح للجسد الصامت ، فظللت العمر أصمك إلى صدرى ، فكنت جسداً بلا روح ، وكنت روحاً بلا جسد .
وكيمامةٍ حَطَّتْ على صخرة الحب ، فعششت وعاشت تستدفئ بحطب الحب المتهشم ، سأقول لك : وداعاً هذه المرة ، وسأعيش من أجلك إلى الأبد ، إلى الأبد ياحبيبى الذى ضممته أخيراً إلى حضنى الحزين .