العرب وإيران.. إلي أين؟ د. وحيد عبد المجيد كثيرة هي الأخطار التي تهدد الشرق الأوسط من جراء استمرار التباعد بين الدول العربية المعتدلة وإيران. ولا سبيل إلي تقريب الفجوة التي توسعت بدون حوار صريح في العمق تثار أسئلة جادة عن جدواه في ضوء الخط السياسي الذي تنتهجه طهران. ويقال هنا, إن الحوار ليس علي أجندة طهران الآن, وأن إخفاق الحوار الأمريكي الإيراني حول العراق دليل علي ذلك. غير أن فشل هذا الحوار لا يعني أن الإخفاق سيكون هو مصير أي حوار عربي إيراني بالضرورة. فالفرق كبير بين طبيعة الصراع الأمريكي الإيراني علي الشرق الأوسط, ونوع النزاع بين الدول العربية المعتدلة وإيران. الصراع الأمريكي الإيراني أخذ, في ظل إدارة بوش الثانية تحديدا, مسارا قد يدفعه باتجاه معركة صفرية لابد أن ينتصر أحد طرفيها فيفوز بكل شيء ويهزم الآخر فيخسر خسارة تامة. وفي هذا النوع من المعارك, تقل فرصة الحلول الوسط أو التسويات التي يشعر كل من الطرفين فيها بأنه يربح شيئا, فلا يخرج أحدهما يجر أذيال الخيبة. وقد يبدو غريبا أن تقدم إيران علي خوض مثل هذه المعركة مع القوة العظمي بكل جبروتها الذي لا سابق له في تاريخ القوي العظمي والأمبراطوريات العابرة للقارات. ولكن إيران تطمح بالفعل إلي أن تنتهي معركتها الصفرية ضد أمريكا بنتيجة مشابهة أو قريبة من تلك التي انتهت إليها الحرب الإسرائيلية علي لبنان في العام الماضي. تعتقد القيادة الإيرانية أنها إذا صمدت حتي النهاية, وتحملت خسائر الضربة العسكرية وحافظت علي المكونات الأساسية لبرنامجها النووي, حتي إذا تعرضت إلي ضربة عسكرية أمريكية, تكون قد كسبت المعركة وفقا لنظرية النصر الإلهي التي طرحها السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله عندما انتهت حرب صيف2006 بفشل إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها التي شنت تلك الحرب من أجلها. وتتصرف إيران الآن وفق هذه الحسابات التي تغفل الفرق الكبير بين حرب العام الماضي, والحرب التي قد تنشب قريبا. غير أن النزاع بين الدول العربية المعتدلة وإيران هو من صنف آخر. فالتنافس الإيراني العربي هو أحد الملامح الأساسية المستمرة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. وكان النظام الشاهنشاهي في نزاع مع الدول العربية الراديكالية, قبل أن يبدأ نظام آيات الله عهده بتهديد بلاد العرب عموما بتصدير الثورة, ثم يتحول خصما للدول العربية المعتدلة بالأساس. فالنزاع الإيراني العربي, الذي تختلط فيه عناصر قومية( فارسية عربية) ومذهبية( شيعية سنية) هو صراع علي النفوذ في المنطقة. وبالرغم من أن النفوذ هو هدف أساسي في الصراع الأمريكي الإيراني بدوره, فالفرق هو أن واشنطنوإيران تتصارعان علي نوع النفوذ, في حين أن العرب المعتدلين والإيرانيين يتنافسون علي كم النفوذ أو حجمه, إذ يصعب علي أي منهما إلغاء الآخر الأمر الذي يجعل الهدف الأساسي لكل منهما هو زيادة نفوذه مقارنة بالآخر وليس إخضاعه. وهذا هو ما قد يجعل الحوار أكثر جدوي منه بين أمريكا وإيران, خصوصا أن الحوار العربي الإيراني لابد أن يكون شاملا مختلف قضايا النزاع, وليس مقصورا علي العراق. وليس هناك ما يمنع, أو يصح أن يمنع, هذا الحوار, خصوصا بعد أن بدأت مصر أخيرا في بحث إمكاناته من خلال استضافة مساعد وزير خارجية إيران لإجراء محادثات في القاهرة. وربما تتوقف فرص الشروع في حوار جاد علي تغيير المنهج الإيراني الذي أنتج خبرة سلبية في مجملها. فكم من مرة شرعت فيها القاهرة في مد جسور مع طهران, والعكس. وفي كل مرة كان المتشددون في النظام الإيراني يضغطون لإجهاض أي تقدم يحدث باتجاه حوار بناء بين الدولتين. ولذلك كان تحفظ مصر الاساسي علي هذا الحوار يعود إلي تجربتها التي دلت علي أن السياسة الايرانية تتحدث بلسانين في هذه المسألة. غير أن التهديد المتزايد الذي يواجه طهران, في إطار صراعها ضد أمريكا ومعها أوروبا, يجعل الايرانيين في حاجة إلي حوار مع الدول العربية المعتدلة أكثر من أي وقت مضي. فإذا تقدمت مصر في هذا الاتجاه, فسيكون الحوار الجاد ممكنا لأن للسعودية جسورها التي لم تقطع مع إيران. فالمخاوف العربية من برنامج إيران النووي ودورها في العراق ينبغي أن تكون دافعا للحوار إذا أصبحت طهران مستعدة له ووجدت مصلحة في إجرائه الآن. ولكن نجاح أي حوار عربي إيراني يقتضي أن تراجع طهران مشروعها الذي يجمع بين الممانعة والأسلمة السياسية وتدرك أن التعاون البناء مع العرب هو السبيل لوضع حد للنفوذ الأمريكي في المنطقة. وعندئذ يجوز أن تتحقق الممانعة بطريقة أخري تفك الارتباط بينها وبين الأسلمة السياسية التي تثير مخاوف الدول العربية المعتدلة وتكفي لإجهاض أي حوار, وبأسلوب مختلف لا يضع المنطقة كلها علي حافة الهاوية. غير أنه علي الدول العربية المعتدلة, في الوقت نفسه, تطوير مشروع للشرق الأوسط يهدف إلي ضمان مصالح دوله وحقوقها واستقلال إرادتها بدون الدخول في مواجهة مفتوحة ضد الولاياتالمتحدة. ولهذا المشروع, بطبيعته مقومات لابد من توفيرها في داخل هذه الدول عبر إصلاحات سياسية واجتماعية اقتصادية تخلق نموذجا لبناء القوة الشاملة التي لا تقتصر علي الإمكانات العسكرية. وعندئذ يتبين أن السلاح النووي ليس هو المصدر الوحيد للقوة, وأن امتلاكه بدون عناصر القوة الأخري قد يؤدي إلي عكس المستهدف منه لفرط الحرص عليه كما حدث في باكستان. وهكذا يظل في إمكان العرب تغيير المعادلات الإقليمية الراهنة, بما في ذلك دور إيران الحالي, إذا قدموا نموذجا لبناء القوة المستندة علي مشاركة شعبية حرة وتنمية اقتصادية ناجحة وقدرة معرفية متزايدة وسياسة خارجية مستقلة ونشيطة. وعندئذ يمكن أن يتنامي دورهم ويملأ الفراغ الذي تمددت فيه إيران في غيابهم فتأخذ علاقاتهم معها منحي آخر. عن صحيفة الاهرام المصرية 16/10/2007