دعوة للعقل السيد عبدالرءوف ها هي أيام وليالي شهر رمضان المبارك تمضي سراعاً. وها هو الشهر الفضيل يوشك علي الرحيل. فطوبي لمن استفاد بهذا الشهر وأطاع الله فيه طاعة حقيقية وأن يتبرأ من أخطائه وخطاياه بترك هذه المعاصي والأخطاء والخطايا. والأهم من التبرؤ منها خلال أيام وليالي شهر الصيام والقيام أن يستمر الإنسان في مجاهدة نفسه ومجالدة غرائزه والتسامي فوق رغباته. وبذلك يتحقق للإنسان من الصيام هدفان نبيلان وغايتان ساميتان هما: الشكر لله عز وجل وتقواه سبحانه. إننا مطالبون وقبل أن تنقضي أيام الشهر المبارك ولياليه أن نجري عملية حساب للأعمال والأفعال والأقوال ومحاسبة للنفس عما فعلناه خلال هذا الشهر وما يتوجب علينا أن نفعله فيما بعد رمضان ابتداء من يوم الجائزة وهو يوم عيد الفطر المبارك. فلقد كانت أيام شهر رمضان ولياليه نفحة من نفحات الرحمن وهي النفحات التي دعانا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نتعرض لها فلعلنا لا نظمأ بعدها أبداً. وبقدر ما يجب أن نسعي للتعرض لهذه النفحات بالقول الطيب والعمل الصالح فيجب أن يكون سعينا في غير شهر رمضان معادلاً لسعينا في أثناء الشهر الكريم. بل لعلنا مطالبون بأن نزيد جهدنا ونضاعف سعينا للثواب فيما بعد رمضان حيث يضاعف الله سبحانه الثواب في رمضان. فوجب علينا أن نضاعف حسناتنا فيما بعد رمضان أملاً في أن يتضاعف عند الله أجرنا وثوابنا. تحفل صفحات الصحف والمجلات بمناقشات ساخنة حول فتاوي الفضائيات وخصوصاً الفضائيات الخاصة والعربية التي أصبحت علي كل شكل ولون وصارت تعبر عن اتجاهات ومذاهب متضاربة. وصارت الفتاوي التي تعرضها شاشاتها بالتالي عبارة عن خليط من آراء المذاهب والآراء الشخصية والاجتهادات التي لا تستند إلي أدلة شرعية قوية. وصار المشاهدون في كثير من الحالات غير قادرين علي التمييز بين العلماء الحقيقيين الدارسين في الأزهر الشريف وبين من تلقوا العلم في بعض المعاهد الخاصة أو من قراءة بعض الكتب أو الاستماع إلي بعض الأشرطة في سياق ما يمكن أن يسمي ثقافة الرصيف حيث تتكدس الكتب والأشرطة بعضها فوق بعض ولا تخضع لعمليات فحص أو مراقبة. وقد انتقلت هذه الفوضي من الأرصفة إلي شاشات الفضائيات وصار لكل فضائية نجومها من الدعاة والمفتين الجدد. وتباري بعض هؤلاء المفتين والدعاة في الإدلاء بالآراء والفتاوي التي تدخل في باب الغرائب والطرائف أو باب صدق أو لا تصدق. ووصل الأمر ببعض المستائين من هذه الحالة حد المطالبة بسن قانون لتجريم الادلاء بمثل هذه الفتاوي. أو إصدار قرار بمنع هؤلاء من الإدلاء بآرائهم الغريبة. وقيل فيما قيل قائمة قوائم بأسماء العلماء المسموح باستضافتهم في القنوات الرسمية المصرية الأرضية منها والفضائية. ولكن المشكلة هي في الفضائيات التي لا تخضع لقواعد التليفزيون المصري. وربما كانت فوضي الفتاوي سبباً وحافزاً للزميل مجاهد خلف لأن يفكر في تأليف كتابه الشيق "صراع الفتاوي" الذي صدر مؤخراً عن سلسلة كتاب "الجمهورية" والذي قدم له بمقدمة قرر فيها أن صراع الفتاوي أخطر أنواع الصراعات التي تصيب أي مجتمع من المجتمعات خاصة إذا كان لها علاقة وثيقة بالتدين أو كانت شعوبها متدينة بالفطرة. ويزداد الأمر خطورة واشتعالاً إذا ما أصيب المجتمع بشبهة التدين أو وقف علي حافته حائراً بين اليمين أو اليسار. وأصبح الدين أداة للمغازلة السياسية والملاعبة الاجتماعية والقمع الفكري والسياسي. فيستخدم حيناً للضغط والقهر وحيناً آخر للاستقطاب والتزلف الجماهيري. وفي أحايين أخري ستاراً للحماية وحصناً لمواجهة الحملات المناوئة في الداخل والخارج. ويتساءل المؤلف: من المسئول عن خلق البيئة المناسبة أو المجال الحيوي وصراع وفوضي الفتاوي في أي مجتمع؟ وهل هي الفضائيات؟ أم الإنترنت؟ أم هو ضياع هيبة العلماء والمؤسسات الدينية العامة. ويحاول الزميل مجاهد خلف الإجابة علي هذه الأسئلة من خلال عرض ومناقشة الحقائق حول أزمة الفتوي. والحديث عن تاريخ الإفتاء والمفتين في مصر وعن سباق الافتاء والتكنولوجيا. والإفتاء بين الرسمي والشعبي. وعن أضرار غياب فقه الأولويات في حياتنا. ثم يتناول قضية غاية في الأهمية وهي: الاجتهاد بين شروط الفقهاء ودعاوي العلمانيين. ثم يعرض مجموعة كبيرة منتقاة من أغرب الأسئلة التي وردت علي الفضائيات والإنترنت. وهو بذلك يقدم مادة جيدة للقراءة والاستفادة في شهر رمضان المبارك وفي غيره. والكتاب في النهاية ثمرة طيبة لجهد مشكور لزميل عمل طويلاً في مجال الصحافة الدينية ولم ينفصل عنها رغم تغير موقعه الوظيفي. فشكراً له علي هذه الإضافة الطيبة للمكتبة الإسلامية. مسك الختام قال الله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلي الله توبة نصوحا عسي ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعي بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علي كل شيء قدير". "سورة التحريم: آية 8" عن صحيفة عقيدتي المصرية 8/10/2007