لجنة عقد مدينتي "باطلة"+ توصيات "باطلة" = خراب بيت مصر!!
*سعيد عبد الخالق سعيد عبد الخالق رئيس تحرير جريدة الوفد لست متحاملا علي الحكومة إذا قلت إنها عن جهل أو قصد سوف تترك ميراثا كارثيا للأجيال القادمة بسبب سوء قراراتها أو إصرارها علي العناد، والاعتقاد بأن تصرفاتها غير خاضعة للتعديل والنقد.
إننا عانينا كثيرًا من قرارات وتصرفات حكومة غريبة ومثيرة للدهشة، ودفعت خزانة الدولة ثمنًا باهظًا في أحكام تعويض للمتضررين الذين لجأوا للتحكيم الدولي ما دمنا نتحايل علي أحكام القانون، ولا نحترم أحكام القضاء!.
وأصبحت الحكومات ترتدي عباءة »البعبع« الذي يخيف ويرعب المستثمرين الأجانب والعرب والمصريين ويتعامل معهم بالأساليب العشوائية مادمنا نعيش في زمن العشوائيات!!
ومناسبة عشوائيات الحكومة التي نراها حاليا في الالتفاف علي حكم بطلان عقد مدينتي.. أنعش ذاكرة القارئ بحصول رجل الأعمال وجيه سياج علي نصف مليار جنيه بسبب عدم التزام حكومة الدكتور عاطف عبيد بأحكام القانون!.
كيف حدث هذا؟!
لقد ألغي الدكتور ممدوح البلتاجي وزير السياحة الأسبق في عهد حكومة الدكتور كمال الجنزوري التعاقدات الموقعة لإقامة مشروع الريفييرا علي خليج العقبة، ويقع مشروع "سياج" ضمن هذه التعاقدات أو المشروع.
وتعلل الدكتور "البلتاجي" بما يسمي "لمنفعة العامة"وهذا معناه عدم بيع أراضي "لريفييرا"مرة أخري، ومن بينها أرض سياج.. استردت الدولة الأرض.
وفاجأنا الدكتور البلتاجي نفسه في عهد حكومة الدكتور عاطف عبيد بإعادة بيع ارض "سياج" إلي مستثمر آخر بدلا من استغلالها في المنفعة العامة مما يعني التحايل علي القرار الأصلي الخاص بإلغاء المشروع الذي تعلل ب "المنفعة العامة".
وفشل وجيه سياج في التفاوض مع الحكومة للحصول علي تعويض، وأسرع إلي التحكيم الدولي الذي قضي بتعويض بمبلغ مليار جنيه، وانتهت مفاوضات الحكومة مع »سياج« إلي تنازله عن نصف مبلغ التعويض، وحصوله علي نصف مليار جنيه!!.
ونري الآن الحكومة ترتكب أخطاء فادحة تصل إلي درجة الخطايا في محاولتها الالتفاف علي حكم »الإدارية العليا« ببطلان عقد مدينتي!.
ونتناول الخطايا الحكومية من بدايتها: ان تشكيل لجنة المستشار عبد الرحيم نافع يشوبه البطلان، ولا أري كيف اختارت الحكومة اللواء مهندس عادل نجيب نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية ضمن تشكيل اللجنة!.
وتمثل هذه الهيئة الطرف الأول في عقد مدينتي. ومالكة أرض المشروع الأصلية وصاحبة مصلحة، ووجودها ينفي الحياد عن قرارات اللجنة!!. ولم يكن ناقصا سوي ضم ممثل عن الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني أو هشام طلعت مصطفي ضمن أعضاء اللجنة!!.
ويقال إن الحكومة استشعرت بالخطيئة التي وقعت فيها، وتدرس إعادة تشكيل اللجنة لاستبعاد نائب رئيس المجتمعات العمرانية، وإعادة تشكيلها مرة أخري لضمان تفادي البطلان. ثم.. هذه اللجنة لا صفة لها، وليس لها حصانة قضائية، وقراراتها إدارية، ولا تتمتع بالحصانة، ويجوز الطعن عليه امام محكمة القضاء الإداري، وإلغاء قراراتها فورا.
كما لا يجوز للجنة إدارية إلغاء حكم قضائي بات ونهائي.. وخاصة ان قرار تشكيلها صادر من رئيس الجهاز الإداري، أو رئيس الحكومة!. وحسب معلوماتي.. تقدم صاحب حكم البطلان بدعوي جديدة ببطلان تشكيل اللجنة وبالتالي بطلان قراراتها!!.
ونعود إلي التوصية التي أصدرتها اللجنة المشكلة برئاسة المستشار عبد الرحيم نافع. ونفاجأ بأنها استندت إلي المادة 31 مكرر من قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 8991، والمعدل بإضافة المادة 13 مكرر بالقانون رقم 841 لسنة 6002.
وتقول المادة 13 مكرر: "استثناء من حكم المادتين 03 و13 من هذا القانون يجوز التصرف في العقارات أو الترخيص بالانتفاع بها أو باستغلالها بطريق الاتفاق المباشر لواضعي اليد عليها الذين قاموا بالبناء عليها أو لمن قام باستصلاحها واستزراعها من صغار المزارعين بحد أقصي مائة فدان في الأراضي الصحراوية المستصلحة، وعشرة أفدنة في الأراضي الزراعية القديمة.
وكذلك بالنسبة إلي زوائد التنظيم. وفي غير ذلك من حالات الضرورة لتحقيق اعتبارات اجتماعية أو اقتصادية تقتضيها المصلحة العامة.....". ... فاجأتنا اللجنة باستخدام هذه المادة للتحايل علي حكم الإدارية العليا.
وأصدرت توصياتها بسحب الأرض من الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني، وإعادة بيعها بسعر جديد مرة أخري إلي نفس الشركة ب »الاتفاق المباشر«، وتعللت اللجنة بتوافر "حالة الضرورة" المشار إليها في نص المادة السابق!.
هذه باختصار توصية اللجنة التي نراها تحايلا يصل إلي درجة البطلان والعشوائية.. لماذا؟! ليس سرا.. ان إضافة المادة 13 مكرر في عام 6002.. يعود إلي احتواء غضب وتظاهرات وتفجيرات بدو سيناء!.
فقد وضع البدو أيديهم علي مساحات من أراضي سيناء منذ عقود طويلة، وقاموا باستصلاحها واستزراعها، ولم يعرف البدو طوال هذه العقود نظام التسجيل، ولم يملك البدو مستندات ملكية للأراضي التي وضعوا إيديهم عليها، واعتمدوا علي وضع اليد عبر مئات السنين في توريث هذه الأرض إلي أولادهم. كما ظهرت نفس المشكلة في الوادي الجديد!!.
وتقرر النص علي المادة 13 مكرر لحل أزمة بدو سيناء وأهالي الوادي الجديد، ويتضح من نص المادة انها خاصة بواضعي اليد علي الأراضي الصحراوية الذين قاموا بالبناء عليها واستصلحوها وزرعوها.. واقتصرت المادة حسب النص علي "صغار المزارعين"، وليس كبار المستثمرين في المجال العقاري، ولم تشر المادة من قريب أو بعيد إلي الاستثمار العقاري!.
ونستشهد هنا بالمشرع الذي يؤكد ان المقصود هنا.... "الأرض الصحراوية والزراعية"، وقصر الحد الاقصي في الأرض القديمة علي عشرة أفدنة فقط من أجل الزراعة، ومائة فدان في الأراضي الصحراوية المستصلحة لاستزراعها!!.
إذن.. لا مجال علي الإطلاق إلي تعميم هذا الاستثناء لمخالفة أحكام القانون الصريحة في شأن الأراضي التي تباع من أجل البناء.. ولمستثمرين كبار.. وليس زراعًا صغارًا!!.
وليس معقولا.. ان نستخدم هذا النص لتبرير منح الشركة العربية 8 آلاف فدان داخل كردون مدينة القاهرة سواء دخلت الأرض »الكردون« قبل أو بعد التخصيص!!.
كما ان هنا فارقا كبيرا بين الاستصلاح من أجل الاستزراع، وبين تشييد مدن سكنية ضخمة!!. ولا يفوتنا الإشارة إلي عدم وجود وضع يد علي أرض مشروع مدينتي قبل التعاقد عليها. وهناك محضر تسليم من هيئة المجتمعات للشركة العربية، ونشرت وسائل الإعلام وقائع التوقيع علي العقد.
كما تعاقدت الهيئة علي زيادة مساحة المشروع من 5 آلاف فدان إلي 8 آلاف فدان بدون الإشارة إلي وضع يد!. ثم.. تقضي توصية اللجنة بسحب الأرض من الشركة العربية، وإعادة بيعها إليها مرة أخري بسعر جديد ب " الاتفاق المباشر"!!.
وهذا يعني ان اللجنة التزمت بتنفيذ نصف حكم "الإدارية العليا" بسحب الأرض، وضربت بالنصف الثاني الخاص بطرحها في مزايدة علنية عرض الحائط.. مما يعني توافر فرص الطعن في التوصية!.
ويعلم دارسو القانون بعدم جواز ذلك قانونا، وتعارضه مع حجية حكم بات نهائي صادر من المحكمة الإدارية العليا.. إننا بذلك نفتح الباب علي مصراعيه أمام إمكانية الطعن علي التوصية أمام محكمة القضاء الإداري!!.
ان حكم المحكمة يقضي بسحب الأرض، وطرحها في مزايدة علنية!!. وليس اعادتها إلي من قضت ببطلان تعاقده.! وللأسف.. إعادتها اللجنة ب.. "الاتفاق المباشر" الذي ليس له وجود في قانون المناقصات والمزايدات سوي في "حالة الضرورة".
والتي يفسرها فقهاء القانون الحقيقيون بأنها تعني حدوث كوارث طبيعية مثل الزلازل والسيول والبراكين.. أحداث فائقة التصور، وتقتضي الضرورة سرعة إصدار قرارات للحفاظ علي أرواح الناس وممتلكاتهم، ولا تحتمل التأخير لحظة!.
ولا تتوافر "حالة الضرورة" في مشروع مدينتي حتي بعد بطلان عقد تخصيص الأرض، ووجود مراكز قانونية جديدة ترتبت علي هذا العقد الباطل.. والذي قضت "الإدارية العليا" ببطلانه لإبرامه بالاتفاق المباشر.. كيف إذن أعيد بيع نفس الأرض بالاتفاق المباشر، وأتعلل ب " حالة الضرورة" التي ليس لها وجود في أرض مشروع مدينتي!!.
كما ان القانون 98 للمناقصات والمزايدات كما قلت من قبل الغي الأمر أو الاتفاق المباشر ويقضي القانون بإعادة طرح الأرض في مزايدة علنية بالوضع الحالي!.
أي بما عليها من إنشاءات ومبان وطرق وخدمات.. إلي آخره، ومراعاة ذلك في السعر الذي ينتهي إليه المزاد، وتضمن الدولة التي عادت لها ملكية الأرض مرة أخري المراكز القانونية للحاجزين، وإتمام تعاقداتهم بنفس الشروط باعتبارهم حسني النية.
ياحكومة.. ان من بين مهامك الرئيسية تنفيذ أحكام القانون دون استثناء، ودون التحايل علي نصوصه، وعدم اللجوء إلي الحلول العشوائية التي تساعد علي نشر الفوضى الهدامة. و.. لا قرار جمهوريا، ولا قرار من مجلس الوزراء، ولا عقد من هيئة المجتمعات العمرانية، ولا توصية لجنة..
يتعارض مع صريح نص القانون، وحجية الحكم البات النهائي. كما ان حالة الضرورة تقدر بقدر خطورتها. ولا يجوز التوسع في هذا الاستثناء علي الإطلاق. وخاصة ان هناك 3 ملايين عقد تخصيص أراض، ومن بينها عقود حوالي 621 مشروعا عملاقا!!.
وتوصية اللجنة تحمل مخالفات صارخة وصريحة لأحكام القانون رقم 98 لسنة 8991 وتعديله الصادر في 6002.. والذي استندت إليه اللجنة رغم انه مقصور علي واضعي اليد علي الأراضي الصحراوية من صغار المزارعين، والبيع لهم بالاتفاق المباشر حسب نص المادة.. من أجل الزراعة دون غيرها!.
ولم تتناول المادة بالتلميح أو التصريح أو الإشارة كبار المستثمرين في المجال العقاري الذين يشيدون المدن والمنتجعات السكنية!!.
إننا نواجه أزمة خطيرة وأراها مصيرية في مسيرة المصريين الذين يدفعون دائما أثمانا فادحة وباهظة في خطايا الحكومة!!. ونحاول الاجتهاد للخروج من هذه الأزمة. وخاصة ان التحايل علي القانون في قضية أرض سياج كلف خزانة الدولة نصف مليار جنيه!.
وفي هذه الأزمة.. هناك 3 ملايين تعاقد.. ومن بينها 621 مشروعا عملاقا ! كما ان هناك مستثمرين أجانب في أغلبية هذه المشروعات. ومن بينها مشروع مدينتي!!.
وتصوروا حجم التعويضات التي يحصل عليها أصحاب هذه المشروعات مادمنا نتحايل علي أحكام القانون، ولا نحترم أحكام القضاء، ونسعي للالتفاف علي هذا وذاك!!.
ونؤكد في نفس الوقت.. اننا لا نصطاد في الماء العكر، ونسعي إلي القاء الضوء حرصا علي تجنيب مصر " ويلات الخراب"التي تفوق ويلات الحرب، إذا استصدر أصحاب المشروعات احكام تعويض من غرف التحكيم الدولي. ونعلنها أمام الرأي العام..
إننا أول من يرفع يديه تعظيم سلام إذا اعلنت الحكومة علي الملأ مسئوليتها عن تنفيذ توصية اللجنة، وأعلنت أيضًا مسئوليتها عن النتائج التي تترتب علي تنفيذ التوصية لأن "ما بني علي باطل فهو باطل مثله"!!.
إننا ندعو الحكومة إلي دراسة "المخرج " أو الاقتراح الذي طرحناه في مقالنا أمس الأول "الخميس"، وطالبنا فيه باللجوء إلي المحكمة الدستورية العليا لأننا أمام حكمين نهائيين متناقضين!.
الأول.. موافقة المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام علي قرار النيابة العامة بعدم وجود مخالفات في عقد مدينتي تقضي بإقامة الدعوي الجنائية أي صحة جميع إجراءات التعاقد التي جرت في "العلن"وصدر القرار بعد التحقيقات التي جرت تحت اشراف المستشار علي الهواري المحامي العام الأول لنيابات الأموال العامة.
وهذا القرار له حجية الاحكام، ولا يجوز الطعن عليه. كما إنه قام علي تحقيقات مع الأجهزة المسئولة عن إجراءات التعاقد. الحكم الثاني.. حكم المحكمة الإدارية العليا الذي قضي ببطلان عقد مدينتي بسبب المخالفات التي وقع فيها طرفا العقد، وجاء في الحيثيات اتهامات خطيرة، مثل توقيعه في "الكتمان".
وقرار النيابة وحكم المحكمة.. هذا وذاك "بات ونهائي". يا حضرات..
تذكروا حكم التعويض الذي حصل عليه وجيه سياج، وتصوروا حجم المليارات التي سوف يحصل عليها المستثمرون في المجال العقاري إذا سمحنا بوجود ثغرات، ولجأنا إلي أنصاف الحلول التي سوف تنتهي ب "خراب بيت مصر"!!.