هل وصلت المباحثات الفلسطينية الاسرائيلية الى شيء لم يعلن بعد؟ نصوح المجالي سؤال يدور في الاذهان هل يخفي المفاوضون الفلسطينيون والاسرائيليون الخلاصات التي توصلوا اليها فيما يسمى باتفاقية الرف؟ وهل من ضمن هذه الاتفاقات ان لا يطلع العرب وبخاصة الاردن على فحواها او تفاصيلها قبل ان يتم الاتفاق النهائي عليها. هناك من يعتقد ان المفاوضات وصلت الى طريق مسدود، وان الملفات الرئيسية الحدود ومساحة ارض الدولة الفلسطينية والقدس واللاجئين والسيادة، قضايا لم يتم التوصل فيها الى اتفاق، وهذا احتمال ايضاً. وهناك، من يعتقد ان ما تسرب حتى الان يوحي ان مشروع اتفاقية الرف المتوقع الوصول اليه، هو مشروع الدول المؤقتة نفسه، او الحكم الذاتي المحدود الذي ورد في اتفاقية كامب ديفيد سابقا، والذي يبدأ باعلان صوري للدولة الفلسطينية كمرحلة اولى، ثم يترجم الى مشروع الكونفدرالية المفروضة على الاردن، والتي تعطي اسرائيل معظم الارض وتعطي الفلسطينيين مساحة اقل منها مما يصدر المشكلة الديمغرافية، وقضية اللاجئين الى الاردن، تحت عنوان الكونفدرالية وهو ما يسميه الاخرون الوطن البديل او تحويل القضية الفلسطينية، والحقوق الفلسطينية المغتصبة الى قضية عربية عربية، فثمة شكوك ومؤشرات تدل على ان ما يدور في الكواليس ليس بعيداً عن هذا ولهذا لم يطلع الاردن على كامل تفاصيل المباحثات منذ البداية مع انه معني بمعظم القضايا المطروحة، الحدود والسيادة، والقدس واللاجئين وهناك من يحاول حل هذه القضايا على حسابه، بدون مشاركته. مؤخراً، قال جلالة الملك بلهجة لا تخلو من الضيق والحزم لا كونفدرالية ولا فدرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية، لكن هناك من يحاول تبني مشروع الدولة الفلسطينية الصورية، التي يسمونها الدولة المؤقتة، او اتفاق الرف حتى يتم اخفاء فشل المفاوض الفلسطيني في استخلاص الحقوق الفلسطينية في الدولة المستقلة والقدس واللاجئين، والانسحاب حتى حدود 1967 من خلال اخفاء هذا الفشل عبر صيغة وحدوية براقة، تحت عنوان الكونفدرالية التي تحمّل الاردن تركه الاحتلال وتحل قضية اللاجئين على حسابه. وما يخيفنا ان الفريق الذي يفاوض اسرائيل اليوم هو نفس الفريق الذي فاوض اسرائيل في اوسلو، بدون علم الاردن، والذي وقع اتفاقاً مع اسرائيل، كانت نهاياته مفتوحة لصالح ما تفرضه اسرائيل كأمر واقع ودون أي اعتبار للمصالح الاردنية بعيداً عن الثوابت والحقوق الفلسطينية والعربية التي قيل طويلاً انها غير قابلة للتصرف واذا هي بتصرف الاسرائيليين يفسرونها ويتجاوزون عليها كما يريدون. من حق الاردن والجامعة العربية العلم بالتفصيل بنتائج الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية ان وجدت حتى لا يفاجأ العرب والاردن باتفاق يبرم وتتبناه الولاياتالمتحدة، وتحشد له المجتمع الدولي، وتفرضه على الاردن والعرب، ومن يقول ان هذا غير ممكن، قطعاً يسبح في النوايا الحسنة لاسرائيل والولاياتالمتحدة، التي يمكن ان تضحي بأي شيء في المنطقة، في سبيل المصلحة الاسرائيلية. ثمة اقاويل نرجو ان لا تكون صحيحة ان الاردن، اطلع من خلال شخصية اردنية او وقع ورقة تفاهم بهذا الشأن مع الطرف الفلسطيني. وهو امر لا يستقيم مع المنطق، لأنه لا يستقيم مع مصالح الاردن وأمنه وسيادته، ويعرضه للخطر مستقبلا ويتعارض مع الموقف المبدأي الذي طالما اعلنه جلالته الملك بمنتهى الوضوخ. ثمة بالونات اختبار سياسية عديدة اطلقت في الفترة الاخيرة بعضها مباشرة من اسرائيل وبعضها عبر وسيط، توحي بأن وراء الاكمة ما وراءها، فمصر طرحت مشروع قوات عربية في غزة، وهذا يعني ضمنا امكانية قبول قوات عربية في الضفة الغربية ايضاًو وقد يكون الكلام للكنة والمقصود هو الجارة، أي الاردن، وهل يمكن دخول قوات عربية الى أي جزء من الاراضي الفلسطينية، بدون الاتفاق على حل للقضية الفلسطينية، تلك آلية من آليات تطبيق الحل ان وجد مثل هذا الحل، وبدون ذلك ستكون هذه القوات محاصرة، ورهينة تماماً كسكان الارض المحتلة ومن يقبل ذلك. ثم ان الصمت الاسرائيلي حول هذه النقطة يثير الشك فالاقتراح سُرّب من دولة عربية كبالون اختبار، لوضع ممكن الحدوث في المستقبل. ومؤخراً اعلن وزير الدفاع الاسرائيلي امكانية تخلي اسرائيل عن بعض الاحياء في القدسالشرقية، والاغلب انه قصد احياء خارج القدس القديمة، كالعيزرية كنوع من الحل، لتصبح قضية القدس مجرد مبنى في ضاحية من ضواحي القدسالشرقية يحمل العلم الفلسطيني واسم الدولة الفلسطينية بينما الولاية الكاملة على القدس لاسرائيل. بالمقابل، يتم التنازل عن قضية اللاجئين واخفاء الفشل في حلها في تلافيف مشروع الكونفدرالية مع الاردن. وقد يكون التوجه الاسرائيلي والاستعداد للتفاوض مع سوريا، مرده الى ضرورة تحيد دور سوريا حتى لا تعترض على هكذا صفقة، ولهذا تتحرك قوى كثيرة دولية باتجاه سوريا، لتشجيعها على التعاون في مسار السلام، مع وعود اسرائيلية، بحل قضية الجولان والاستعداد لحل مشكلة قضايا مزارع شبعا في لبنان. دوائر اسرائيلية مهمة، اعلنت مراراً ان ثمة نتائج مهمة، لم تعلن للمفاوضات بعكس الانطباع السائد بأن المباحثات لم تتوصل الى شيء حتى الآن. في اطار هذا الاحتمال، يفسر الكثيرون مبادرة الاردن، انهاء القطيعة مع حماس التي ترفض صراحة مشروع الوطن البديل والحلول المؤقتة واتفاقية الرف وما يشبهها، والتي قد تعرض الاردن للخطر. ولهذا، يركز الاردن على اعادة حماس كلاعب مهم وطرف موازن في ما يجري ويدعو للمصالحة الفلسطينية، لأن ذلك يعزز موقفه في رفض مشروع الدولة المؤقتة، التي تعلن بضعة ايام لتنتهي الى ترحيل القضية الفلسطينية للاردن. فالدور الاردني، بالتأكيد ليس اخفاء عيوب أي اتفاق تعقده السلطة الفلسطينية وتتنازل من خلاله عن حقوق فلسطينية جوهرية من خلال اقامة علاقة اتحادية ما مع الاردن، اذا كان هذا، خلاصة ما وصلت اليه المفاوضات فمعنى ذلك، ان الاردن قد وضع في دائرة الخطر، كما وضعت الحقوق الفلسطينية الثابتة في موضع التفريط والخطر ايضاً، وعلى الاردن والعرب ان يحذروا. وسيؤثر ذلك قطعاً على مستقبل منظمة فتح، خاصة وان ما يعرض على الفلسطينيين حالياً لا يزيد عن اربعين بالمائة من مساحة اراضي الضفة الغربية، ممزقة ومخترقة بالاستيطان، وهذا يعني حكما صعود حماس في المرحلة المقبلة، وهذا ما يفسر اهمية اعادة النظر في الموقف الاردني من حماس في هذه المرحلة. عن صحيفة الرأي الاردنية 9/9/2008