الكُرة التركية والملعب الأرميني محمد نور الدين جاءت الدعوة التي وجهها الرئيس الأرميني سرج سركيسيان إلى الرئيس التركي عبدالله غول لزيارة أرمينيا في السادس من أيلول/سبتمبر الجاري لحضور مباراة كرة القدم بين منتخبي بلادهما لتهز واقعاً جامداً بين البلدين سائداً منذ انتهاء الحرب الباردة، وتلقي الدعوة حجراً في مياه العلاقات الثنائية الراكدة والمثقلة بالمشكلات والحساسيات. ولا يمكن القول إن الدعوة كانت ضربة معلم من أرمينيا التي تبدو في ظل عزلتها الجغرافية في القوقاز بحاجة لاختراق الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها من جورجيا وتركيا وأذربيجان. فتركيا، موضوع حديثنا، أيضا هي في ارتباك وبعض الضعف تجاه أرمينيا التي تحاصر تركيا بدورها في قضايا أخرى ولا سيما مسألة “الإبادة". ليس من السهولة مقاربة أول زيارة لرئيس تركي إلى أرمينيا بمنظار الربح والخسارة. فشروط الطرفين تكاد تكون متعادلة وكل واحد منها يفوق الآخر حساسية وعمقاً وتعقيداً وربما... عدلاً. تركيا تريد من أرمينيا انهاء احتلالها لأراض أذرية، فضلاً عن إعادة ناغورنو قره باغ إلى أذربيجان وتريد تشكيل لجنة مشتركة من مؤرخي البلدين لاستقصاء الحقيقة حول احداث 1915 وما اذا كانت مجرد مجازر ضد الارمن أم أنها بالفعل كما يقول الأرمن إبادة منظمة بقرار رسمي تركي. كما تريد تركيا من أرمينيا التخلي رسميا عن مطالبتها بأراض تركية تعتبرها أرمينيا تاريخياً جزءاً من أرمينيا الغربية. وفي المقابل تريد أرمينيا من تركيا الاعتراف ب"الإبادة" والتعويض على ضحاياها كما إعادة أراضي الضحايا إلى أصحابها. وجود حزب العدالة والتنمية في السلطة في انقرة وفّر برأينا فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. ورغم أن الحزب لا يستطيع تجاوز العناوين العالقة بينهما ولا يستطيع تجاهل الحساسيات الداخلية في تركيا تجاه الأرمن إلا أنه خلق مناخاً إيجابياً كسر الذهنية التركية التقليدية داخل تركيا لجهة الانفتاح على مناقشة القضية الأرمينية. وكما لا يمكن لأرمينيا تجاهل هذا الانفتاح فلا يمكن لعبدالله غول تجاهل أهمية تلبية الدعوة التي وجهها له نظيره الأرمني. ما يغري أكثر للتقارب بين تركيا وأرمينيا هو تطورات الوضع في القوقاز التي أظهرت أن التحالفات القائمة بين تركيا وجورجيا قد تنهار في أي لحظة خصوصاً مع التقدم الروسي في موازين القوى. وخسارة محتملة لجورجيا لمصلحة نظام موالٍ لموسكو لا لتركيا سيكون مفجعاً لتركيا التي رهنت أحلامها في أن تكون قوة توزيع عالمية للطاقة بخط باكو تبليسي جيحان مفضلة ألا يكون ذلك عبر أراضي أرمينيا. إن إقامة علاقات جيدة مع أرمينيا يحمي أحلام تركيا ويضمن لها، عبر أرمينيا، خيارات أخرى. إن تركيا محكومة بالجغرافيا وبالهوية. وحين لم تعر ذلك أولوية ومدت خيوط التحالف مع قوى خارج الهوية “إسرائيل" وخارج الجغرافيا (أمريكا) ونصبت أفخاخاً على حدودها الطبيعية مع جيرانها، استغرقت في مشكلات وفي انقلابات وفي صراعات داخلية أضعفت قدرتها على أن تكون قوة ذات مكانة. وكما كتب المعلق التركي البارز فهمي قورو فإن على تركيا أن تكسب المباراة على أرض الملعب وأن تكسب قلوب الأرمن. زيارة غول إلى أرمينيا فرصة تاريخية والكرة الآن في ملعب تركيا وإن كانت المباراة في ملعب يريفان. عن صحيفة الخليج الاماراتية 7/9/2008