من يدفع كلفة الإرهاب المعولم؟ مسعود ضاهر أشار تقرير صادر عن قسم الأبحاث في الكونجرس الأمريكي عن شهر يوليو/ تموز 2007 إلى أن الولاياتالمتحدة أنفقت اكثر من 500 مليار دولار أمريكي في حربها ضد الشعبين الأفغاني والعراقي منذ العام ،2003 وأن كلفة تلك الحرب ما زالت تفوق 12 مليار دولار شهريا. وأن حجم القوات الأمريكية في العراق يقدر حتى الآن بحوالي 168 ألف جندي بالإضافة إلى جنود الدول الحليفة. ورغم كثرة الحديث عن الصراع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لسحب اكثر من 30 ألف جندي أمريكي من العراق في مطلع العام القادم، فإن إدارة بوش تطالب الكونجرس بحوالي 200 مليار دولار لتغطية نفقاتها في العراق عن العام 2008. وفي حال لم يلب هذا الطلب بسرعة فإن الولاياتالمتحدة وحلفاءها في المنطقة سيتعرضون لضربة أليمة تزيد من نفوذ إيران ودول أخرى في منطقة الخليج العربي. لذلك رأى بعض المحللين أن موافقة الكونجرس على اقتراح بوش يجعل العام 2008 الأكثر كلفة في تاريخ الحرب الأمريكية على العراق.مما يؤكد على أن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو مزيد من التصعيد وليس التهدئة كما يبشر المتحمسون للقاء بوش في الخريف القادم والذي يضم “المعتدلين" من العرب، والحريصين على “خروج مشرف لأمريكا من العراق". لكن هذا المسار الانحداري للنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وتضاؤل فرص النجاح أمام سياستها والتي أعطت نتائج عكسية تماما في مجال محاربة الإرهاب الدولي، يقدم الدليل القاطع على أن الأمريكيين، بجناحيهم الديمقراطي والجمهوري، لن يعترفوا بالهزيمة، ما يعني المزيد من التصلب لديهم لضرب قوى المقاومة العراقية ومن يساعدها، حتى لو اقتضى الأمر توجيه ضربات عسكرية مباشرة لكل من إيران وسوريا تحت ذرائع متعددة منها محاربة الإرهاب الدولي، وتأديب الدول المارقة، ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي وغيرها. ويبدو أن هذا السيناريو بات الأكثر تداولا بعد أن فشلت جميع مشاريع تقسيم العراق إلى كانتونات عرقية وطائفية. وقد تأكد فشل المشروع الأمريكي في تقرير مصير العراق ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير برعاية أمريكية “إسرائيلية". لذلك اضطرت الولاياتالمتحدة إلى تغيير سياستها، ولو مرحلياً، في العراق. فأوكلت بعض المهمات الإجرائية إلى حلفائها العرب بعد الاستعانة مجدداً بالشرعية الدولية عبر الأممالمتحدة. كما أوكلت جانبا منها إلى الرئيس الفرنسي ساركوزي، ووزير خارجيته كوشنير، اللذين تناوبا على قرع طبول الحرب ضد إيران، وتوسيع رقعتها لتطول جميع القوى المحلية الرافضة للحلول الأمريكية الفرنسية. إن تمسك الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين بسياسة “الحرب المفتوحة على الإرهاب الدولي" سيقود إلى مزيد من النتائج الكارثية التي تهدد بتعميم الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. لذلك تبخرت وعود الديمقراطية التي أطلقها الرئيس بوش قبيل احتلال العراق. وغرق العراقيون في بحر من الدماء بعد أن زاد عدد قتلاهم على المليون، وأربعة ملايين مهجر أو مهاجر. نهبت مئات مليارت الدولارات من موارد العراق النفطية الغنية في حين يعيش الشعب العراقي حالة من البؤس المريع بسبب استفحال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وحالة الاضطراب السياسي التي يعانيها العراقيون في ظل الاحتلال الأمريكي. وذلك يطرح تساؤلات منهجية حول مستقبل العراق ومنطقة الشرق الأوسط في السنوات القليلة القادمة. 1- ليس من شك في أن سياسة المحافظين الجدد هي التي أوصلت العراق إلى هذه الحالة الطائفية المتفجرة. لكن بوش في نهاية ولايته الثانية مصر على الاستمرار فيها من دون ما يؤكد رغبة أو قدرة الديمقراطيين على لجم تلك السياسة. 2- أكد أمينا عام الأممالمتحدة، السابق والحالي، مراراً بأن العرب خائفون من “عرقنة" المنطقة تنفيذا لتوسيع سياسة “الفوضى البناءة" التي يتمسك بها الأمريكيون، على اختلاف أحزابهم في السلطة والمعارضة. 3- كل الدلائل تشير إلى أن الولاياتالمتحدة عازمة على تصدير مأزقها في العراق إلى دول الجوار، خاصة سوريا وإيران.في الوقت عينه، تعيش دول الخليج العربية حالة رعب حقيقي من الكلفة البشرية والمادية المرتقبة لعولمة الإرهاب الدولي وسبل مواجهته بأساليب غير مجدية على غرار ما يجري الآن في العراق وأفغانستان، وما هو مرتقب ضد إيران وسوريا ولبنان وفلسطين. 4- بعد أن أبدى المحللون السياسيون تخوفهم من حصول بوش على دعم مالي إضافي من الكونجرس الأمريكي لتمويل معركة فاشلة ضد الإرهاب الدولي في منطقة الشرق الأوسط، نبهوا إلى حجم الخراب الذي سيلحق بالعراق بالدرجة الأولى. فماذا يعني توظيف 200 مليار دولار أمريكي في العام 2008 ضد المقاومة العراقية؟ وهل يستطيع الشعب العراقي تحمل الدمار الإضافي بعد سلسلة من المآسي التي عاناها في ظل حكم استبدادي محلي، وحرب بربرية أمريكية؟ تبدو منطقة الشرق الأوسط على حافة حرب كارثية. فتوظيف 200 مليار دولار أمريكي في عام واحد ضد العراق يعني أن التحركات العربية والدولية لاحتواء السياسة الأمريكية ودعوتها إلى تحكيم لغة العقل قد باءت بالفشل. فمن يزرع الريح يحصد العاصفة، ومن يوظف مئات مليارات الدولارات الأمريكية سنوياً ضد شعوب منطقة الشرق الأوسط يمهد لحروب داخلية وإقليمية لن تنتهي إلا إذا استطاعت القوى الديمقراطية فعلا لجم عولمة الإرهاب وإقامة عولمة إنسانية مكانها، تغلب مصالح الشعوب وأمنها على مصالح تجار الأسلحة والاحتكارات النفطية. عن صحيفة الخليج الاماراتية 30/9/2007