أيقظني من النوم صوت أطفالي وهم يرتدون ثيابهم خارجين إلى المدرسة ولكني لم اتجرا على رفع راسي لانظر إليهم لأنني اعلم ما هو التالي ولكن هيهات أن اهرب من أطفالي في الصباح فما هي إلا لحظات حتى بدا المحظور والوعد المنظور دخل أطفالي إلى مكان نومي واحدا تلو الآخر .....بابا بابا ومع أني سمعت النداء من أول مرة إلا أنني تظاهرت أني أغط في نوم عميق لعلي اهرب من ذلك الإحساس اللعين ودفنت راسي في وسادتي بمزيد من القوة في محاولة يائسة للهرب من مواجهتهم، إلا أن الأطفال لهم الله لا يعرفون اليأس أبدا فاضطررت أن أرد عليهم دون النظر في عيونهم نعم يا بابا وأنا اعلم سلفا ما يريدون بابا المصروف صمت لحظة لأجد حجة بديلة،فبالأمس كانت الحجة مفشي فكه طيب يا رب واليوم ماذا ستكون الحجة فقلت بعصبية مع أمكم وأنا اعلم أن الأم ما تركتهم يوقظوني إلا بعد نفاذ رصيدها من الحجج.
ذلك مشهد يتكرر كل صباح هكذا اخبرني صديقي وهو يحدثني والمرارة والألم يقطران من فمه اشعر بها غصة في قلبي كالعلقم ويستطرد متحدثا والله ما عدت قادر على النظر في وجه أطفالي ولا زوجتي إن ما يطلبه أطفالي ليس بالكثير مبلغ النصف شيقل لكل منهم ليس بثروة ولكني لا املكه والطفل لا يعلم عذر الظروف أو طول التعطل عن العمل لا يعلموا أنني أتدبر لهم الطعام بأعجوبة ولولا المساعدات التي أتسلمها من وكالة الغوث يعلم الله ما كان سيكون عليه الأمر فماذا افعل ؟
يستشيرني وأنا واقف أمامه كالأبله لا استطيع أن أجد له جواب أو حجة فقلت له ليس أمامنا إلا الصبر لعل الله فارجها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ قلتها وأنا غير مقتنع بها شعرت أنني اخدع نفسي قبل صديقي قلتها وصورة ذلك المترف تترآى أمامي وهو جالس أمام كاميرات إحدى الفضائيات وربطة عنقه تتدلى على كرشه المنفوخ وشعره المصفوف بعناية شديدة يلمع بشدة من كثرة الزيت عليه زيت يكفي لطبخ وجبة طعام لأطفال صديقي تذكرت عبارات الصبر التي ينطق بها لعلني أجد بينها ما استطيع أن أهون على صديقي به لكنني عجزت عن خداع نفسي قبل صديقي تلك يا أعزائي ليس قصة خيالية أو رواية تلفزيونية إنها حقيقة يعيشها معظم أبناء شعبنا لو أننا فندنا فصولها سنجد في كل بيت منها عبرة تصلح لان تكون قصة والبعض مازال يخرج علينا بقصة حصار النبي عليه الصلاة والسلام في الشعب مع صحبه وكيف صبر وكان الله إلى جواره فأرسل الأرضة لتأكل صحيفة الظلم وتفك عنه الحصار نعم ذلك النبي المصطفى (ص) الذي عاش الحصار مع قومه وصحبه وربط الحجر على بطنه من شدة الجوع فناصره الله ونصره على قوم ظالمين فلماذا يتحمل صديقي الحصار ويركب الحمار وغيره يتنقل في احدث موديلات السيارات هل شعر من يطالبنا بالصبر بإحساس صديقي هل دخل عليه أطفاله صباحا وخبأ منهم وجه رحمك الله يا عمر عندما مال وجهك إلى السواد في عام الرماده وأنت ترفض تأكل غير الايدام حتى يفك الله كرب شعبك .
فلماذا وجوه من يطالبنا بالصبر منتفخة يكاد الدم يتفجر منها من شدة الحمرة ويا ليتها حمرة الخجل نحن مع الصبر والصمود ولكن الصبر ليس من نصيب البعض والبعض الآخر عليه العيش في ترف إن كان الصبر مطلوب فمن الجميع وعلى الجميع أن يعاني بنفس الدرجة حتى يرسل الله علينا تلك الأرضة فتأكل صحيفة الظلم التي تفتك بشعبنا أعزائي أنا لست بكافر أو مرتد وارفض كغيري من أبناء شعبي أن يساق الفلسطينيون من بطونهم لكن المساواة في الظلم عدل واستحلفكم بالله ماذا كنتم ستفعلون لو أنكم كنتم في موضع صديقي وترون بأعينكم آخرون يحيون وكأنهم أغراب عن هذا البلد لا حصار لديهم كي تشعروا حقا بما أقول فليجرب كل منكم أن يتوقف بإرادته وليس مكره عن إعطاء أطفاله لمدة أسبوع مصروفهم اليومي ويقص علي تجربته بعد ذلك أعزائي والله إني اعرف من أبناء شعبي من يقوم ببيع أثاث منزله قطعة قطعة من اجل أن يطعم أطفاله وأقابل يوميا عشرات الشباب ممن لم يتجاوزوا العشرين ويعيشون في حالة عجز وكأنهم في الستين .
من سيوقف تلك الشيخوخة المبكرة التي أصابت شبابنا والغريب أن هناك ممن مازالوا يتشدقون بعبارات الصمود والصبر عن أي صبر يتحدثون أنا اعلم علم اليقين أنهم لا يشعرون بما نشعر ولا يسمعون عما نعاني لا اعلم إلى متى سيظل صديقي النصف عاري قادر على التحمل والصمود ؟
والاهم هل يستطيع صديقي العاري هذا الدفاع عن فكرة أو الإيمان بقضية مع وجود هذا الكم الهائل من التناقضات في المجتمع الفلسطيني والى متى سيظل صديقي نصف عارٍ في الوقت الذي يلبس فيه الآخرين اغلي أنواع البدل ويركبون أفخم أنواع السيارات أين أنت يا عمر لتتجول ليلا بين أبناء شعبك وتحمل جوال الدقيق على كتفيك لتسكت أنات الصغار أعزائي إن ما يقتلنا ليس الحصار بأنيابه البارزة ولكن ما يقتلنا هو اللامبالاة التي أصابت قادتنا فسكنوا القصور ونسوا القبور وجعلوا من العناد والتصلب هدفا لهم أين انتم يا أئمة المساجد يا من احترفتم فن الحديث في السياسة وتركتم الدين فأصابنا الله بما أصاب والله كلكم مسئولون أمام الله عن عذابات صديقي فصمتكم عن الحق طوق نار في أعناقكم .