نصر العاشر من رمضان د. محمد المسير من السنة الإلهية التي لا تتخلف, نصر الله تعالي لعباده المؤمنين, بحيث تكون العاقبة لهم, قال الله تعالي: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون( سورة الصافات:172,171). لكن هذا النصر قد تسبقه البأساء والشدة لتصقل النفوس, ويتمايز الصادقون من المنافقين, ويعظم الثواب, قال الله تعالي: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء, وزلزلوا حتي يقول الرسول والذين آمنوا معه متي نصر الله, ألا إن نصر الله قريب( سورة البقرة:214). السنة الإلهية لها قانون يحكمها, هو الصدق مع الله, والصدق مع النفس, بمعني الحفاظ علي عهد الله والاستمساك بالحق, والاستقامة علي المنهج, وبذل أقصي جهد بشري متاح, فإذا حقق المؤمنون قوة الروح وقوة المادة جاءهم نصر الله ولو كثرت قوة الأعداء, قال الله تعالي: ياأيها النبي حرض المؤمنين علي القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين, وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون, الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين, وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله, والله مع الصابرين( سورة الأنفال:66,65). لقد جعل الله تعالي للمسلمين في مواجهة عدوهم حالين أشارت إليهما الآية الكريمة: الحال الأولي: أن يثبت العشرون من المسلمين أمام المائتين من المشركين, والمائة أمام الألف, وهذه عند قوة يقين المسلمين, وكمال ثقتهم بالله تعالي, وصدق توكلهم علي الله, فالواحد من المسلمين يقاتل عشرة من الكافرين. الحال الثانية: عندما يتناقص الإيمان ويستولي حب الدنيا علي المسلمين, فقد جعل الله ثبات المسلمين واجبا إذا كانوا علي النصف من عدوهم, فالمسلم الواحد يجب عليه تكليفا شرعيا أن يثبت أمام الاثنين. وما بعد هاتين الحالين يعد فرارا من الميدان, ونكوصا عن الجهاد, وهو من أكبر الكبائر, قال الله تعالي: ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير( الأنفال:16). إن المسلمين يوم انتصروا في بدر والخندق والقادسية واليرموك وعين جالوت وحطين والعاشر من رمضان لم يكونوا بالأكثر عددا, ولا بالأقوي عدة, وإنما حرصوا علي الموت فوهبت لهم الحياة, وصدقوا ما عاهدوا الله عليه فحقق الله لهم النصر, واستقر الإيمان في قلوبهم فمكن الله لهم في الأرض. إن نصر المسلمين إنما هو بطاعتهم لله ومعصية عدوهم له, فإذا اشتركوا في المعصية تركهم الله وشأنهم, ولم تشملهم العناية الإلهية فتكون الغلبة للأسباب المادية وحدها, وهي في أيدي الأعداء أكثر منها في أيدينا. وفي هذه الأيام المباركة تحتفل مصر المحروسة بذكري انتصار العاشر من رمضان سنة1393 ه, ذلكم الانتصار الذي استعادت فيه مصر كرامتها, وحققت به عزتها, وسادت به علي أرضها وخيراتها. وفي كل عام يتسلل غرباء الكلمة وكهنة الفكر الرخيص في محاولة يائسة لسرقة هذا النصر العظيم وتفسيره تفسيرا ماديا هزيلا, زاعمين أنه نصر تحقق بعيدا عن الإيمان, وصنعته قدرة السلاح, وعبقرية التخطيط!! ونسي هؤلاء أن المعركة رجال وسلاح, وليس هناك رجال بغير دين, والإنسان في غيبة الدين هو منافق عربيد, وإذا كانت المعركة تخطيطا وتنظيما بشريا, فإن الفعل الإنساني قاصر مهما كان عبقريا, فقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, ولولا نور الله ما صح تخطيط ولا تيسرت أسباب. إن المعركة في حقيقتها عقيدة قتالية, يستشعر المقاتل أهميتها وضرورة التضحية في سبيلها, وهذه العقيدة القتالية في غيبة الدين وهم وخرافة, ولن يقدم إنسان علي بذل نفسه في سبيلها مهما كانت الشعارات, ومهما ارتفعت النداءات الجوفاء!! والدين وحده, والإسلام بذاته هو الذي يمنح المعركة عقيدتها القتالية, وهدفها النبيل, وإن الوطن والأرض والكرامة في إطار الدين معان سامية ومثل عليا, لكنها إذا تجردت عن الدين فلا قيمة لها, فالأرض واسعة, ومن لم يعش في وطن هاجر إلي آخر, والأعراض مشتركة, ولا ولاء لشيء!! والإنسان في إطار الدين يعرف قدر نفسه, فهو لم يخلقها, ولم يمنحها الحياة, ولا يدري متي تنتهي منه, ولا يسيطر علي الكون, ولا يتدخل في النواميس الكونية, ولا يدير أمر الكائنات, وحينئذ يعرف قدرة الله عليه وسلطانه وقوته فيكون عبدا لله, تسخر له الكائنات ويعيش بين الناس بقوة الرحماء أو رحمة الأقوياء, ولنتأمل قول الله تعالي: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء, بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير( سورة آل عمران:26). إن فلول الفكر العلماني يسعون دائما إلي طمس معالم هذه الأمة, وتزييف حقائق التاريخ, والقضاء علي ثوابت وقيم الشعب المصري الأصيل, فعندما يحاول هؤلاء الغرباء سرقة نصر رمضان وإضافته إلي قائمة المكاسب الرخيصة التي يتباهون بها, فإنهم واهمون, ويخدعون أنفسهم, ويغفلون عن حقائق مهمة في هذا النصر المبين. إن قائد الحرب والسلام الرئيس محمد أنور السادات حرص علي وصف مصر بأنها دولة العلم والإيمان, أنه رئيس مسلم لدولة إسلامية. وإن صاحب الضربة الجوية الأولي محمد حسني مبارك هو قائد السلام والتنمية, الحريص علي دين هذا الشعب وقيمه, إنه يوقر العلماء ويكرمهم, ويشاركهم المناسبات الدينية في احتفالات عالمية, تستقطب علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, وفي أول لقاء له مع المفتي الدكتور نصر فريد واصل قال الرئيس: عليك أن تبين لنا رأي الدين ونحن نقول سمعنا وأطعنا. وإن اختيار شهر رمضان لتوقيت المعركة لم يكن مصادفة وارتجالا, وإنما جاء قصدا كي يستشعر المقاتل المصري عمق الإيمان وشجاعة المجاهدين, وليتخذ درسا في الصبر حين البأس وفي الثبات حين الزحف. ولقد كان الاسم الذي سجلته مواثيق هذه المعركة هو اسم بدر تيمنا بغزوة بدر الكبري التي قادها الرسول صلي الله عليه وسلم عقب الهجرة إلي المدينةالمنورة وسماها القرآن المجيد يوم الفرقان. ولقد عبر المقاتلون المصريون العائق المائي وحطموا خط بارليف, وقد امتلأت قلوبهم بالإيمان, وعلت أصواتهم بصيحة التكبير لله عز وجل, وبذلوا أنفسهم أملا في الشهادة, وحرصا علي كرامة مصر التي أعزها الله تعالي علي ألسنة رسله, وذكرها في كتب الوحي المنزل مقترنة بالبركة. ولا ننسي دور التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة, ومشاركة العلماء والدعاة في شحذ همم الجنود, وتزكية روح الفداء والتحريض علي القتال الشريف, وكان نداء القيادة العامة للقوات المسلحة قبيل بدء المعركة هو تأكيد ثقة القيادة بإيمان المجاهدين بالله: وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم. عن صحيفة الاهرام المصرية 22/9/2007