اسامه عبد الرحيم إذا تصورنا جدلاً أن "الكذب" قد يصحّ في شئ، فإنه لا يصحّ في الصحافة؛ ذلك لأنه يعد في هذه الحال جريمة و خيانة، ليست جريمة ترتكب في صفحة من صفحات جريدة بحجم جريدة "الأخبار" المصرية، بل جريمة وخيانةٌ في حق الكلمة التى هي شرف الصحفي وللحياة المهنية نفسها.
ويستطيع الصحفي أي صحفي أن يكون أيّ شيء يريده، لكنه لا يستطيع أن يكذب، لأنه إن فعل ستكون أكاذيبه إهانة كاملة لنفسه وسيتسمم قلمه ويصير عقله مرتزقا يبيع لمن يدفع.
حينئذ يُباع ويُشتري في سوق الصحافة لأن قلمه تسمم وصار مداده رخيص.
ولو طرحنا سؤالاً على صحفي جريدة "الأخبار" المصرية مفاده ما هو "الخبر" الذى يعتبر النواة التى يدور حولها الإعلام بكل مكوناته.
ستكون الإجابة التى يعرفها الصغير قبل الكبير هي أن الخبر وصف لحدث مهم ، تم نقله عن مصادر موثوق بصحتها، ويثير اهتمام الجمهور.
ومتى يكون ما نشرته صحيفتكم يا سادة خبرا كاذباً؟!.
يكون ما تنشره صحيفتنا خبرا كاذبا ، اذا كان غير حقيقي وغير صادق كله أو بعضاً منه ، مثل خبر عن حادثة لم تقع أو واقعة غير صحيحة.
فالخبر الكاذب هو الذي لا يطابق حقيقة الواقع ويجب أن يتوافر فيه شرطان :
الخبر يبقى خبراً مهما كانت الطريقة التي نشر بها، حتى لو تشكك الصحفي أو الناشر من الخبر وأعلن ذلك لا يعفيه ذلك من المسئولية إلا إذا اثبت إنه قد جاء بالخبر من وسيلة نشر أخرى. أو إذا استطاعت النيابة العامة أن تثبت سوء نيته في نشر خبر يعلم إنه كاذب.
إذن ما رأيكم في الخبر المنشور في صحيفتكم " الأخبار" بتاريخ 13/06/2010 في الصفحة الثالثة وعنوانه "رئيس الوفد الجزائري العابر من منفذ رفح: دور مصر المساند للقضية الفلسطينية واضح".
وأعتقد ان القراء ليسوا بحاجة للإيضاح أكثر من تصريحات وزير الخارجية النارية التى كان أعنفها في مستهل الحصار الثنائي المصري الإسرائيلي :" اللي حيعدي بوابة رفح حكسر رجله"..!
وبالعودة إلى الخبر نجد أنه وضع في طياته صورتين بارزتين كأداة للنصب والإحتيال ، أولهما كانت لمجموعة من الناشطين والمتضامنين في قافلة كسر الحصار المصرية التى إنطلقت صوب غزة والتى كنت أحد المشاركين فيها وقد إنطلقت من القاهرة وتم منعها من عبور معبر رفح .
وقيل في الخبر على لسان فاطمة الفلسطينية المجهولة التى إستدعتها مخيلة مفبرك الخبر أن :" قرار الرئيس مبارك خطوة علي الطريق ويحسب لمصر هذه الخطوة والتي تمثل في حد ذاتها قوة في مواجهة الحصار ويبقي أن تستكمل باقي الخطوات بفك الحصار عن قطاع غزة"..!
ثم استدعت مخيلة الصحفي المفبرك شخص آخر أطلق عليه "إبراهيم" وجعله شاباً من سكان غزة ترقص كلماته طربا من الموقف المصري "الحديدي" بالقول:" ان هذا الحدث لم يكن ليتحقق لولا قرار الرئيس مبارك".
ولا أدري أي قرار يلمح له الصحفي المفبرك والجميع يعلم ان القرار الوحيد الذى لم تستح منه القاهرة هو بناء جدار العار الحديدي بمعونة وإشراف أمريكي لمنع الدقيق والزيت وزجاجة الدواء من المرور إلى غزة ولو عن طريق الأنفاق كالفئران.
ولو استطاعت القاهرة لمنعت الماء والهواء من الوصول إلى الرافضين للسلام الصهيوني "الإستراتيجي" الذى أصبح وظيفة بلادنا أن تعمل له عراباً في المنطقة..!
الشئ المضحك في الخبر المفبرك عزيزي القارئ هو ان الصورة الأولي - وقد أرفقتها بالمقال - وتضم عدداً من النشطاء الغاضبين من موقف المنع من المرور وكما نبهت أنني كنت أحدهم (الثاني من اليسار)، وكانت حناجرنا ملتهبة بالتنديد من الموقف المخزي للقاهرة التى اعلنت فتح المعبر على الورق فقط.
ولكن صحيفة الأخبار بكل مهنية وشرف وأمانة كتبت تعلق تحت الصورة:"الوفود العابرة عبر منفذ رفح اشادت بالدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية"..!!
وهكذا صار المأتم عرساً والمنع عبوراً والمجرم بريئاً والحصار مساندة وقتيل الحصار صار قبل أن يلفظ أنفاسه مبتهجاً يلهج لسانه بحمد القاهرة.
وهكذا خرج علينا صحفي الفبركة ب"التذاكي" الخبيث وقلمه يقطر كذباً مشوّهاً ومزوّراً ومشاركاً في قتل مليون وسبعمائة الف نفس بريئة في غزة ، ويحسب أن ذلك انتصاراً يخدم به سيده المأمور الذى صار قلمه عبدا مهزوما يفترش الأرض تحت نعله.
لقد بثت قناة الجزيرة تقريراً مصوراً بتاريخ الاثنين الموافق 14/6/2010 م عن معاناة المرور عبر معبر رفح، ومن قلب الحدث التقطت المحاولات اليائسة لقافلة كسر الحصار المصرية للمرور من الجانب المصري.
بل وفي نفس التقرير ظهرت قافلة من محافظة القليوية على رأسها البرلماني الأستاذ محسن راضي تحمل مساعدات طبية وغذائية كانت متجهة إلى قطاع غزة.
حيث منعتها قوات الأمن المصرية من الوصول إلى المعبر ، وطالبت قوات الأمن القافلة بالتوجه إلى معبر العوجة الحدودي الذى يسيطر عليه "الأشقاء الصهاينة" وذلك لإتلاف نصفها وفرض الجباية والإتاوات على النصف الآخر إن قدر له أن يدخل..!.
وربما لست أنا وحدي الذى بلغ به القرف من حال صحافة المولاة المصرية، حيث كتب الأستاذ المفكر فهمي هويدي مقالاً بتاريخ 12/6/2010 عبر به عن حالة القرف التى تعتريه من الكذب في صحف الحكومة التى تمول جبراً من جيب الشعب المغلوب على أمره تحت عنوان" تجاوز لا يليق".
جاء فيه :" أن يختلف المرء مع بعض المواقف التي تعبر عنها صحف «الموالاة» الخاضعة لتوجيه السلطة. فذلك أمر مفهوم ومتوقع لكن أن يستشعر المرء خجلا مما تنشره تلك الصحف، فذلك مما يصعب تصوره، ليس فقط لما يعبر عنه من تجاوز لا يليق، ولكن أيضا لأنه يشكل إهانة للبلد الذي يفترض أنه ينطق باسمه".
وفي مقال آخر بعنوان "مهنية الأهرام" كتب إبراهيم منصور في صحيفة الدستور بتاريخ 22/6/2010 يعبر عن قرفه هو الآخر من معالجة جريدة الأهرام لانتخابات مجلس الشوري والتي تحولت فيها الجريدة الكبري المملوكة للشعب إلي نشرة خاصة للحزب الحاكم :
" ففي عدد الأهرام يوم الخميس 28 مايو الماضي جاء تحت عنوان «المحظورة دفعت 50 ألف جنيه لحلمي سالم لنشر برامجها بصحيفتي الأحرار وآفاق عربية.. وتستغل ضعاف النفوس»..
وليعلم الدكتور «عبدالمنعم سعيد» أن جريدة «آفاق عربية» تم إغلاقها «دون رجعة» في 7 مارس 2006.. لكن يبدو أن أهرام «عبدالمنعم سعيد» أعادتها في مايو 2010 ليكتُب هذا التقرير في الحرب علي جماعة الإخوان في انتخابات الشوري"،..!!.