الجوع والفقر صناعة دولية د. حمدي حمودة لماذا تمد الولاياتالمتحدةالأمريكية حكومات العالم الثالث والأدني بالمساعدات المالية والعينية..؟! هل كما تدعي لرفع المستوي المعيشي لشعوب هذه البلدان.. ؟! أم لجعل هذه الشعوب تعرف معني الجوع حتي الموت..؟ يؤكد صانعو السياسة في أمريكا أنهم ينفذون برامج اصلاحات الاتجاهات الجديدة التي أقرها الكونجرس, وذلك لأن الغرض الأساسي لبرامج مساعدات التنمية الأمريكية هو اشباع الحاجات الأساسية للفقراء في الدول المتدنية وحيث إن أغلب فقراء العالم الذين يعانون من سوء التغذية, والذين يبلغ عددهم بليونين من البشر يعيشون في مناطق ريفية, لذلك فالمعونة توجه الي الزراعة والتنمية الريفية لأنهم يزعمون أن المعونة تفيد الفقراء مباشرة وتساهم في الاكتفاء الذاتي وذلك من أجل تشجيع ديمقراطية أكثر وقمع أقل...! والحقيقة عكس ذلك تماما, فهم بدلا من أن يبنون مشاريع لهؤلاء الفقراء تدر عليهم ربحا مستمرا يستطيعون من ورائه رفع مستوي معيشتهم وعدم الاعتماد علي الغير, فانهم يمدونهم بالمساعدات الوقتية حتي يظلوا في حاجة دائمة لهم والاعتماد عليهم. وهناك أبحاث عديدة اجريت لمعرفة السبب الجذري للجوع قام بها معهد الغذاء وسياسة التنمية تقودنا هذه الأبحاث مباشرة الي استنتاج مؤداه ان الانفجار السكاني ليس هو سببا للجوع او لجوع الريف علي وجه الخصوص وفقره, ولا هي ندرة الموارد الزراعية او الافتقار الي التكنولوجيا الحديثة, بل ان السبب الرئيسي للجوع هو زيادة تركيز السيطرة علي موارد انتاج الطعام في يد قبضة حفنة قليلة من الناس مجموعات التنمية المتميزة التي تستحوذ علي مقدرات انتاج موارد الطعام من أجل مصالحها الخاصة. ولقد اكدت الأبحاث الميدانية وغيرها من الدراسات الي ادراك ان المساعدات الخارجية الأمريكية تفشل في مساعدة الفقراء لأنها تقوم بالضرورة علي مغالطة أساسية وهي: أن المعونة ممكن ان تصل الي الفقراء من خلال الأغنياء, فالمساعدة الخارجية الرسمية تتدفق اساسا من خلال الحكومات المتلقية وهذه الحكومات التي تحددها الولاياتالمتحدةالأمريكية تمثل المصالح الاقتصادية الضيقة للتنمية فيها. و يزعم صانعو سياسات المعونة انهم يركزون الآن علي أشد البلدان فقرا, وعلي تلك الحكومات التي تبدي التزاما تجاه الفقراء, ولكن الابحاث تظهر عكس ذلك. لذلك نقول ان المعونة الأجنبية لم تؤد الي تحويل السيطرة الاقتصادية غير الديمقراطية التي تمارسها القلة الي عملية تغيير ديمقراطية تساهمية, بل علي العكس فانها تعزز علاقات القوة القائمة فتزيدها قوة وغطرسة واستبدادا علاوة علي ما هي عليه. وبذلك يكون تشخيص هيئات العون الرسمية سواء كانت أمريكية أو غير أمريكية هو ان الفقراء فقراء لأنهم يفتقرون الي أشياء محددة مثل: الري القروض البذور الطرق الجيدة.. الخ, ونقول ايضا ان ذلك غير صحيح.. فالفقراء يحتاجون فعلا للقوة من اجل تأمين ما يحتاجونه من أدوات تساعدهم علي رفع اقتصاد معيشتهم. فلماذا هذا الاصرار من قبل هيئات المعونة علي صحة نظريتهم.. ؟ اصرارهم علي ذلك لا تبرير له غير شئ واحد فقط.. وهو الاصرار علي ابقاء الفقير فقيرا محتاجا الي المعونة غير قادر علي الاعتماد علي نفسه غير قادر علي التغيير, فالكثير من المراقبين سبق لهم ان حطوا من شأن حركات التحرر في المستعمرات الأفريقية والآسيوية وكذلك في المستعمرات البرتغالية في أوائل السبعينيات, كما قللوا من قيمة نضال شعب نيكاراجوا عام1979, وبالمثل كان المراقبون الامريكيون من ذوي الدراية يرون ان معدلا كبيرا للوفيات قد يكون حلا رحيما لمعاناة الكثير من الصينيين في الاريعينيات لأن الصين في زعمهم لن تكون قادرة علي اطعام, نفسها فمن يستطيع تكرار هذا القول اليوم...؟! لقد نجحت الصين لأنها اعتمدت علي التنمية الحقيقية التي تتضمن بالضرورة تغييرات في العلاقات بين البشر, وفي قوتهم علي السيطرة علي وسائل الانتاج. فالتنمية هي عملية اجتماعية فيها يتكاتف الناس معا لبناء مؤسسات اقتصادية وسياسية لخدمة مصالح الأغلبية وفي ذلك يتجه فريق من الناس لاكتساب المعرفة والتقنيات التي يحتاجونها من أجل تنمية مواردهم من اجل تحرير انفسهم من الجوع والمرض والجهل. عن صحيفة الاهرام المصرية 18/9/2007