في تمجيد (التجميد).. وثيقة التفاهم نموذجاً!! محمد خرّوب اربع وعشرون ساعة فقط، احتاجها تيار المستقبل والقوى التي انطوت تحت جناح مشروعه الرامي للهيمنة على سُنّة لبنان، أو الظهور بمظهر الممثل الشرعي والوحيد لهم، كي يرسل وثيقة التفاهم غير المسبوقة والجريئة، التي وقعها حزب الله مع معظم ممثلي التيار السلفي في لبنان، والتي تمثلها منظمات ومجموعات وحركات، يؤكد المراقبون انها في واقع الامر تشكل الاغلبية الساحقة، الى ثلاجة التجميد رغبة منه في اعادة الامور الى المربع الاول، وابقاء الجميع في اجواء الشحن الطائفي والمذهبي اللازم. بل والضروري على الاقل الى ان يحين موعد الانتخابات البرلمانية في ربيع المقبل، لأن كثيرين وعلى رأسهم تيار المستقبل، لا يستطيع ان يحرز نتائج تبقي الاكثرية في يده والظهور بمظهر الممثل لسنّة لبنان، بغير وجود هذه الاجواء، بل وتصعيدها على نحو مبرمج كي تصل ذروتها في اثناء المعركة الانتخابية، التي لا يتردد كثيرون في القول ان نتائجها ستكون مخيبة لآمال فريق 14 اذار، وربما تحرمهم من الاكثرية التي يتمتعون بها حالياً، أو تجعل من انتصارهم (...) مفرّغاً من مضمونه، لانهم في كل الاحوال لن يحوزوا على نصاب الثلثين اللازم لتمرير أي قرار مهم وحيوي على أي مستوى.. لم يخف تيار المستقبل معارضته لهذه الوثيقة التي رأى فيها اختراقاً للحصرية، التي اراد ان يحتكرها لنفسه في تمثيل السنّة، ولأن جبهة طرابلس هي المعنية الاولى بمثل هذه الوثيقة، وبخاصة بعد أن كشفت المعارك الاخيرة بين بعل محسن العلوي وباب التبانة بأغلبيته السنّية، عن مدى الاحتقان والتجييش الذي لم يتوقف، وعن الهوة السحيقة التي كانت تنتظر عاصمة الشمال اللبناني المزدحمة بسكانها والفقيرة بخدماتها ومرافقها وبناها التحتية، والاعداد الغفيرة من شبابها الذين يعانون البطالة والتهميش، ويسقطون بسرعة لافتة في ايدي الجماعات المتطرفة (بخطاباتها المختلفة)، واذ اوعز تيار المستقبل لاعضائه من نواب طرابلس كي يهاجموا الوثيقة ويثيرون زوبعة مذهبية حولها، فإن هؤلاء لم يترددوا في القول وعلناً ان بوابة التفاهم مع حزب الله تمر عبر تيار المستقبل وان الفتنة المذهبية والخلافات بين الشيعة والسنّة، ناتجة في الاساس عن خلاف سياسي (..) فإن من الاجدى اولاً وقبل كل شيء من وجهة نظرهم بالطبع، حل هذا الخلاف السياسي ما سيؤدي (وفقهم) الى تنفيس الاحتقان، وتراجع وتيرة الشحن والتجييش المذهبي والطائفي، على مستوى لبنان، ولهذا لم تكن حملة الملصقات واليافطات الكثيفة التي افاق عليها فقراء محلة ابي سمرا في طرابلس، والتي تهاجم الوثيقة وتحفز لفتنة سنية - سنية مفاجئة او صادمة. ثمة ذراع اخرى استخدمها تيار المستقبل (وجهات اخرى)، للهجوم على الوثيقة والانتقاص من قيمتها، والابعاد النبيلة التي انطوت عليها، ونقصد هنا داعي الاسلام الشهال (الذي يوصف بأنه مؤسس التيار السلفي في لبنان)، والذي لم يتردد في ممارسة الضغط الشديد على صهره (زوج اخته حسن الشهال)، رئيس جمعية الايمان والعدل، الذي كان احد ابرز الموقعين على الوثيقة، والذي ابدى مقاومة عنيدة للتراجع عن توقيعه والغاء الوثيقة، وقَبِلَ مرحلياً مبدأ التجميد لدراستها مع اهل العلم والدراية من ابناء الدعوة السلفية، وان كان ابدى حرصاً لتوضيح ان التجميد لا يعني الالغاء بأي حال.. الشيخ داعي الاسلام الشهال، جلس مباشرة على منصة الهجوم ورأى في وثيقة التفاهم استغلالاً غير لائق من قبل حزب الله لفريق صغير(..) على الساحة السلفية السنية معتبراً أنها محاولة مكشوفة لزعزعة الساحة السلفية، وهي ستبوء بالفشل ختم الشهال. لسنا في معرض تخطئة سماحته او التشكيك في صحة تنبؤاته في شأن الفشل الذي ستحصده الوثيقة وتقليله من شأن الموقعين عليها. لكن ما الذي تقوله الوثيقة حقاً؟. لعل ابرز ما فيها هو، تشديدها على حرمة دم المسلم على المسلم والامتناع عن التحريض الذي يذكي نار الفتنة والسعي للقضاء على الفكر التكفيري عند الطرفين. فأين هي بالفعل المحاولة المكشوفة للحزب الرافضي لزعزعة الساحة السلفية؟. ثمة من أجاب عن هذا التساؤل بحكمة وبُعد نظر وروية وقراءة دقيقة وتوظيف لخبرات سياسية ودبلوماسية وشخصية متراكمة بحجم ووزن شخصية كالرئيس سليم الحص، الذي قال: إن الوثيقة محاولة جدية وعزيزة لانتزاع فتيل الفتنة المدمرة التي تهدد المجتمع بأوخم العواقب، ثم دعا بوضوح من يتحفظ عليها الى أن يجهر بمشروعه البديل لتدارك الفتنة. حسنا... سيقول البعض ان الحص منافس لزعامة آل الحريري وانه ينطلق من حسابات ثأرية بعد الحرب التي شنها عليه الحريري الاب واسهم في هزيمته في انتخابات مجلس النواب عام 2001، وإذ اثبتت الايام ان الرجل اكبر من كل هذه الترهات ولا استعداد لديه لمواجهة تسونامي المال السياسي، فإن شخصية طرابلسية معتدلة جلست قبل ثلاث سنوات في السراي الحكومي ببيروت واشرف كرئيس للحكومة على انتخابات عام 2005 التي جاءت بالاكثرية الحالية، هو الطرابلسي نجيب ميقاتي، قال كلاماً مشابها لكلام الحص ولكن بطريقة اخرى أنني أنشد ثلاث اولويات في هذه الوثيقة وفي غيرها، هي: الحفاظ على سلامة طرابلس، تحريم الدم ووأد الفتنة، وقد فهمت من الوثيقة انها تؤمّن هذه العناصر الثلاثة مع المحافظة على خصوصية كل فريق ومبادئه، لذلك ارى وجود تثمين هذا الاتفاق وتثبيت حقيقة مضامينه، وأن يكون اتفاقاً حقيقياً لا مجرد مناورة قال ميقاتي. اين من هنا؟. قد يرى الذين نحجوا في تجميد الوثيقة انهم سجلوا نقطة لصالحهم، وأنهم اشتروا المزيد من الوقت والوقود لادارة ماكينتهم الانتخابية والابقاء على مستوى ومنسوب الشحن الطائفي والمذهبي، إلاّ ان الأمور تشي بعكس ذلك وسيكتشفون - وربما بعد فوات الاوان - انهم قرأوا المشهد بالمقلوب كما كانو فعلوا قبل السابع من ايار الماضي حيث أمِلَ الجميع ان يكون يوماً فاصلاً بين مرحلتين، لكن هناك من يؤمن بحرق المراحل.. والاوطان أيضاً. عن صحيفة الرأي الاردنية 21/8/2008