لم تفعل إسرائيل ما فعلت بقافلة الحرية ،إلا لأنها تعلم علم اليقين أنها فوق الجميع ،فوق القانون الدولي والعرب والمسلمين والمجتمع الدولى ومجلس الأمن وأمريكا نفسها.
بل وفوق كل المقدسات والمحرمات والإنسان والشجر والحجر ،ولهذه الفوقية لن تتجاوز ثورة العالم ضدها استخدام أسلحة الشجب والتنديد التى هى أسلحة عربية الصنع بالأساس وظيفتها فقط تطييب خواطر الشعوب المغلوبة على أمرها .
نصمت جميعاً لأننا أيضاً نمارس الفوقية نفسها ، بدءاً من الأسرة إلى رأس الدولة - فى كل دولة مسلمة - فالأب فوق الجميع فى أسرته والأم فوق وست الكل ،والابن الأكبر فوق الكل لأنه البكرى والابن الأصغر فوق الكل لأنه المدلل " آخر العنقود " .
والحكومة فوق الشعب، فبيدها كل شئ من الحياة إلى الموت ، والحزب الحاكم فوق الحكومة وفوق الشعب ،والمعارضة فوق الجميع لأنها معارضة ، والمعارض شريف أما الحكومى فهو الحرامى الوحيد .
ورئيس العمل فوق العمل والعمال فتحول العمال لخدم والعاملات لملك يمين والعمل لعزبة خاصة ، سلسلة طويلة من الفوقية .
والمحصلة أن القانون لا يطبق إلا على من لا شئ تحته والجميع فوقه وهو لا يجد من هم تحته ليطبق عليهم أى قانون ليشفى غليله وفى النهاية ليس أمامه إلا أن يموت كمداً .
إسرائيل تؤمن أنها شعب الله المختار لذا امتلكت ناصية القوة والعلم والسياسة والاقتصاد والثقافة والفن ، وامتلكت كل أنواع الأسلحة التقليدية و النووية ، وامتطت أمريكا وأوروبا وحيدت الأممالمتحدة .
فأصبحت جامعاتها ومستشفياتها ومصانعها الأكثر تقدماً وزراعاتها الأفضل ، واستوعبت كل أفكار اليهود وتياراتهم..، العلمانى والدينى والمتطرف واليسارى واليمينى والليبرالى و ، فكان هذا التنوع قوة لها.
وأفتى لها حاخاماتها -استناداً للتوراة - بحقها فى قتل الشيوخ والأطفال والنساء العرب والفلسطينيين ،فارتكبت المذابح على كل أرض العرب ،واغتالت من شاءت على أى أرض شاءت ، دون أن تطالها لا يد القانون الدولى ولا يد من قتلت واغتالت منهم وداست عليهم .
أما نحن " خير أمة أخرجت للناس " فقد حطمنا معالم الخيرية " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ " فلا معروف نأمر به ، ولا منكر نتناهى عن فعله.
بل نحن عمار الحانات والمواخير على مستوى العالم ، وكلنا ضد بعضنا ، الشيعى ضد السنى ، والصوفى ضد السلفى والإسلامي ضد العلمانى ، واليسارى ضد اليمينى ، وعلماء الدين يقولون كيف نتقدم وقد تمكن العلمانيون من كل مقدرات الدول الإسلامية.
ويرد العلماني أحمد عبد المعطى حجازى بانكار وجود أمة إسلامية ، ويتساءل كيف يمكن أن يظهر أستاذ فى النحت إذا كانت الطالبات منتقبات ويرتدين قفازات؟! .
لقد صار بأسنا بيننا شديداً ، وتنوعنا خلافاً وضعفاً ،وثراؤنا نكبة وفقرنا مصيبة وعلمنا جهلاً وتعداد سكاننا كارثة ، فمليار ونصف المليار مسلم لا وزن لهم أمام 20 مليون يهودى فى كل العالم .
تركيا الدولة المسلمة الوحيدة التى تحملت انطلاق أسطول الحرية من موانيها وهى لن تصفق بمفردها ، وليس من المعقول أن نظل فى مقاعد المتفرجين بل إن بعض المتنطعين منا لم يعجبهم الموقف التركى فراحوا يشككون ويهاجمون .
المستفيد الأول من ضرب العلاقة بين تركيا والعرب هى إسرائيل، فهل يدرك هؤلاء أنهم ينفذون أجندة إسرائيلية ؟
لمصلحة من يكتب هؤلاء ولحساب من يعملون ؟
فلم نسمع أو نقرأ على لسان أى مسئول مصرى انتقاداً للموقف التركى بل سمعنا كل ترحيب ، وقد اتصل الرئيس حسنى مبارك الذي أصدر قراره الإنسانى بفتح معبر رفح لكسر الحصار على غزة ، بالرئيس التركى عبد الله جل لتعزيته فى ضحايا أسطول الحرية .