11 سبتمبر.. دروس السنوات الست ناصيف حتي مرت هذا الأسبوع الذكرى السادسة ل 11 سبتمبر. الحدث الذي شكل قطيعة مع النظام العالمي الذي كان يتكون ليؤسس إن لم يكن لنظام عالمي مختلف فعلى الأقل لحالة عالمية جديدة من حيث أجندتها وأولوياتها ومركز الصراع الرئيسي فيها إلى جانب طبيعة التحالفات التي نتجت عنها. 11 سبتمبر شكل هجوماً على قلب الولاياتالمتحدة: القلب الاقتصادي والمالي في نيويورك والسياسي والعسكري في واشنطن، ليتحول الشرق الأوسط الكبير بعد ذلك وبسبب ذلك، إلى قلب النظام العالمي الجديد وساحة صراعاته ومواجهاته الأساسية، بحيث إن النظام الجديد سيتشكل بشكل أساسي عبر البوابة الشرق أوسطية.
جملة من الملاحظات يمكن إدراجها بعد 6 سنوات من الحرب على الإرهاب من جهة والإرهاب ضد «الحرب الغربية على المسلمين» من جهة أخرى كما يقول ويدعو قادة القاعدة والذين يرفعون عنوانها في أعمالهم الإرهابية ضد «الغرب» وحلفائه.
- أعطى 11 سبتمبر دفعاً داخلياً قوياً للسياسة الأحادية الأميركية وقبولاً أو تفهماً ولو متردداً في الخارج تحول إلى مشكلة مع الوقت وتذمر ومعارضة لاحقاً حتى من اقرب الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن.
- في السنوات الست الأخيرة حصل ما يمكن تسميته بتوطين الإرهاب في الشرق الأوسط الكبير بعد تصديره لسنوات خلت بشكل أساسي ومرد ذلك عاملين أولهما قد تكون حالة التنبه والحذر في الغرب التي جعلت الأعمال الإرهابية صعبة التنفيذ رغم استثناءات حصلت في أوروبا وثانياً قد يكون قراراً عند قيادات الحالة الإرهابية بالقيام بمواجهة مباشرة مع من يعتبرونهم امتداداً أو وكلاء أو متحالفين مع العدو الغربي فتركز الصراع في الشرق الأوسط الكبير.
- فرضت الولاياتالمتحدة الأولويات في المنطقة محددة درجة المخاطر بالنسبة لكل قضية وسخونة هذه المخاطر القائمة والمحتملة وكيفية التعامل معها وأدى ذلك إلى ممارسة ضغوطات على أصدقاء وحلفاء للاصطفاف الكلي وراء الموقف الأميركي واكبتها حالات أحياناً من التوتر المكبوت والارتباك والقبول الصامت لهذه السياسات بسبب اختلاف الأولويات من جهة وتغييب أولويات هامة أيضاً لأهل المنطقة من جهة أخرى.
- حملت السياسة الأميركية الكثير من التناقضات في استراتيجيتها للتعبئة ضد الإرهاب فهي من جهة كانت بحاجة للتحالف مع دول قوية في هذه الاستراتيجية وهي دول من جهة أخرى يشكو بعضها عجزاً ديمقراطياً حاداً في حين ترفع واشنطن شعار الديمقراطية كوسيلة ضرورية لاقتلاع جذور الإرهاب. وزاد في إضعاف وهشاشة هذا الصراع سياسة الكيل بمكيالين التي تجد لها أمثلة كل يوم عملياً في السياسات الشرق أوسطية.
- انفجر التوتر والصدام بين الولاياتالمتحدة من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى عبّرت عنه الصورة السلبية المنتشرة للقوة الفائقة في العالم الإسلامي وحالة العداء المتزايدة لها والجديد انه قبل 11 سبتمبر كانت الولاياتالمتحدة في حالة مهادنة حيناً وتحالف صامت أحياناً وظاهر وفاعل في قضايا معينة مع جزء من الحالة الإسلامية.
ونشأت ما بعد 11 سبتمبر مقولة الصراع بين العالمين الغربي والإسلامي واستحضر «صدام الحضارات» لصامويل هانتنغتون ليس كتحليل ولو اختلفنا معه بل كدعوة مسبقة لهذا الصراع.
وقد حددت هذه الصورة الصراعية حالة التطرف في العالمين المذكورين التي تعاملت مع الآخر بشكل نمطي اختزالي وقائم على التعميم والخلط ومن منظور إيديولوجي مانوي يرتكز على ثنائية الخير والشر فحصل موضوعياً وهنا المفارقة ما يمكن تسميته بتحالف التطرف في العالمين المعنيين استفادت منه بشكل أساسي الحالة الإرهابية التي تزداد انتشاراً. وخف صوت الاعتدال واستقر في ذروة الصراع عمى ألوان فرض نفسه في نظرة تصل أحياناً إلى الثقافوية التبسيطية في تعريف الصراع.
فسكت الكثيرون عن الإرهاب ليس تأييداً له بل غضباً من الغرب وتحديداً الولاياتالمتحدة في حين بقيت الأصوات الغربية المعترضة على هذه السياسات الأميركية في الشرق الأوسط خافتة أو غير مؤثرة وغير فاعلة على إحداث الحد الأدنى من التغيير في التعامل مع ملفات المنطقة.
- كان الحياد السلبي والرد المتأخر والجزئي والخجول بالاعتراف بمخاطر تفشي هذا المرض، مرض الإرهاب بداية ثم اعتباره ظاهرة هامشية وكأنها أسقطت بشكل اصطناعي من الخارج وضمن تفسير تآمري في كثير من الحالات وراء الوعي المتأخر وبالتالي رد الفعل البطيء للتعامل في المنطقة بشكل واضح على كافة الأصعدة ليس فقط الأمنية بل الفكرية والعقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في محاربة الإرهاب.
كانت هنالك مخاوف بأن فتح معركة من هذا النوع قد تظهر أهلها وكأنهم في حالة اصطفاف كلي وراء واشنطن في المنطقة وهو ما يصطدم بالعديد من الشرعيات والأولويات المستقرة في المنطقة ذاتها مما يعرض هؤلاء الخائفين إلى مزيد من الضغوطات الداخلية عليهم.
رغم ذلك يمكن القول إن هنالك بداية وعي وفعل لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب في المعالجة «الداخلية» للمرض الإرهابي الذي لا يطال فقط صورة العرب والمسلمين بل مصالحهم وأكثر من ذلك موقعهم وعلاقاتهم مع العالم.
- وعلى صعيد موازٍ حصل أيضاً حراك جديد وفاعل في الولاياتالمتحدة تحديداً وفي الغرب عموماً باتجاه تقويم قاسٍ لمردود سياسة محاربة الإرهاب في السنوات الست الأخيرة.
السياسة التي لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة وقضاياها المشروعة وكيفية التعامل مع هذه القضايا بل دخلت إلى الشرق الأوسط وكأنها منطقة مسطحة وصحراء قاحلة من أي اهتمامات ومسائل أساسية تتعلق بالهوية وبالمصالح الحيوية لأبنائها وكأن المطلوب نوع من التعرية الذاتية من كل مصلحة أو موقف أو منظومة قيم ثقافية اجتماعية سياسية للدخول في عملية اصطفاف شبه ميكانيكية وراء عنوان محاربة الإرهاب.
- «هل نحن أكثر أماناً» عنوان مقالة لتوماس كين ولي هاملتن رئيس ونائب رئيس اللجنة الأميركية ل11 سبتمبر، اللجنة التي وضعت تقريراً تقويمياً قبل ثلاث سنوات، حول سياسة مكافحة الإرهاب.
في هذا المقال يخلص الكاتبان إلى موقف واضح وحازم يتعلق بالفشل الذريع في سياسة مكافحة الإرهاب ومما يؤكد عليه الكاتبان أن الخطر الإرهابي يستمر ويتزايد، وان هنالك موجة عاتية من الراديكالية والغضب في العالم الإسلامي ساهمت فيها أعمال الولاياتالمتحدة وان هنالك نظرة للولايات المتحدة كعدو للإسلام من الشباب المسلم العاطل عن العمل والذي لم يجد أي آمال أمامه.
ويذكر الكاتبان في دعوتهما منذ ثلاث سنوات الإدارة الأميركية إلى جعل السياسة الخارجية في قلب جهود مقاومة الإرهاب وهو ما لم تقم به حسب رأيهما. ويضيفان أن الولاياتالمتحدة لم تكن قادرة على الإقناع لجذب طاقة وتعاطف المليار و300 مليون مسلم ضد خطر التطرف بالرغم من وجود تعاطف واسع في العالم الإسلامي مع القيم الأميركية.
لكن الخيارات السياسية الأميركية نسفت هذا التأييد. ويشير الكاتبان بالخصوص إلى قضية الصراع العربي الإسرائيلي التي لها أكبر قدرة على إشعال الرأي العام في العالم الإسلامي كما يقولان، والى غياب جهد دبلوماسي ظاهر وناشط في هذا المجال.
ويضيفان إذا كانت الوسيلة الوحيدة لمحاربة الإرهاب هي المطرقة فمن الطبيعي أن نتعامل مع كل مشكلة في المنطقة وكأنها مسمار. ويختم الكاتبان بمطالبة الإدارة الأميركية باستعمال كافة قدراتها وإمكاناتها وخاصة في المجال التعليمي والتبادل الطلابي لتغيير علاقاتها مع العالم الإسلامي.
ويذكر فيليب جوردن من معهد بروكينجز بأن المشكلة تكمن في أن الولاياتالمتحدة لجأت إلى الحرب الخطأ. فالحرب ضد الإرهاب ليست حرباً تقليدية وهي بحاجة إلى الوحدة الوطنية ولكن أيضاً بحاجة ضرورية إلى الشرعية الدولية. ويذكر الكاتب بالحرب الباردة حيث إن الانتصار لم يكن عسكرياً بل تم أساساً بوسائل أخرى تعتمد بشكل خاص على القوة اللينة.
- خلاصة الأمر، في ظل الحروب البديلة والأولويات المتجاهلة والمهمشة والمؤجلة وهو وضع يشكل أرضية خصبة يقتات منها الإرهاب بسبب بعض السياسات الأميركية وبسبب غياب سياسات أميركية أخرى مطلوبة، لا بد أن نتذكر أن تلك الحرب هي حرب شاملة، حرب أفكار وحرب ثقافة وحرب تعليم وحرب اقتصادية على الفقر والبؤس وحرب على النقاط الساخنة والمشتعلة في المنطقة بهدف «إطفائها» بشكل كلي.
ويجب التذكر أن المطلوب وجود تكامل بين كافة أبعاد سياسة مواجهة الإرهاب ووجود تكامل بين جهود كافة الأطراف المعنية وهي في نهاية الأمر العالم بأجمع وان ذلك يستدعي وجود دعم شرعي دولي ووضوح في الرؤية والأهداف والابتعاد عن سياسات الكيل بمكيالين بشكل فاضح واحترام القيم المجتمعية والمصالح الأساسية لأهل المنطقة التي تدور فيها هذه الحرب. عن صحيفة البيان الاماراتية 16/9/2007