ليس هذا هو السؤال محمود الريماوي يتساءل كثيرون إذا ما كان بوسع رهاناتهم أن تنجح ، فيفوز حزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات التي جرت بالأمس ، بعدما احتل في انتخابات 2002 المرتبة الثالثة بفوزه ب 42 مقعداً من أصل 325 مقعداً . رهان هؤلاء أن الإسلام السياسي وحده من يتقدم في صناديق الاقتراع في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه . وهكذا ينتظر كثيرون كسب الرهان ، وبعدما تحولت الكتابة في هذا الشأن إلى موضة دارجة يأخذ بها علمانيون وسواهم . لا يحتاج المرء للمجازفة كي يقول إن هذه الأسئلة عن حظوظ إسلاميين بالفوز ، هي أسئلة خاطئة . فلسنا في ميدان لسباق الخيول ، حتى تتم المراهنة على الجواد الأبلق أو الأطهم !مع إشاحة النظر عن حصان هو في عيون بعضنا مريض أو عجوز . السؤال الصائب هو : ما هي فرص العملية السياسية في التقدم هنا وهناك ؟ . وتتفرع عن هذا السؤال بالطبع أسئلة عديدة : إلى أي مدى تتم فيه دمقرطة تيارات الإسلام السياسي ، هل تتبادل القبول والاعتراف مع الآخرين . هل أخذت هذه التيارات علماً بتنوع المجتمعات التي تصدر عنها وتنشط بين ظهرانيها . هل تراها تؤمن بالتعددية الثقافية وحرية التفكير والتعبير ، وهو ما تنعم به هذه التيارات التي تنشط خارج العالم الإسلامي ؟. على أن الموضوعية تقتضي إثارة أسئلة تتعلق بتيارات أخرى : هل ابتعدت تلك التيارات عن الناس عن القاع الاجتماعي وباتت تنشط في دوائر اجتماعية ضيقة نخبوية في المدن ، هل عملت القليل أو الكثير من أجل إشاعة التنوير ونشر ثقافة إنسانية تقدمية ، تحترم حقوق الأطفال وكبار السن والنساء والأقليات ، هل وضعت حداً للعصبيات ولتهميش الريف وترييف المدن ، هل أعطت نموذجاً للديمقراطية التي تنافح من أجلها في الحياة الحزبية الداخلية ، وفي العلاقات مع بقية المكونات السياسية والحزبية ؟ . تكاد الأسئلة لا تنتهي .وهي تستحق من الناشطين ومن العاملين في الحقل العام ، كما من كل من يهجس بمشروع التقدم الشامل .. تستحق التماس أجوبة لها . لا الانشغال فقط بمن يفوز ومن يخسر في انتخابات هذا البلد أو ذاك ، وكما لو أننا أمام مسابقات كالتي تجريها البنوك والمؤسسات التجارية ، وتملأ إعلاناتها الفضاء العام وترهق السمع والبصر والفؤاد .. ولكأننا وفي المجال السياسي هذه المرة ، نقف أمام طور جديد من أطوار الشطارة والتشاطر واهتبال الفرص ، وهي الثقافة التي باتت تخضع لها وتسير ''على هداها'' شرائح اجتماعية عريضة ، من شتى الميول والأهواء والمذاهب والمشارب . في المغرب ليست المسألة أن يفوز اسلاميون أم لا ، بل إن حزباً هناك بحساسية إسلامية يسير سيراً حثيثاً وثابتا على طريق التحديث والعصرنة ، مضحياً بتراث السلفيين في المشرق الذين يناصبون مجتمعاتهم العداء ، ويختزنون فكراً انقلابياً ( التهليل المحتشم لانقلاب حماس) وينظرون بعين الرضى لمظاهر العنف ، وأن نكوص هذا الحزب المغربي وهو ''العدالة والتنمية'' نحو تراث سياسي سلفي ، سوف يشكل إن حدث يوماً نكوصاً لعملية ديمقراطية عضوية ، يرجى لها أن تكون قابلة للتطور على الدوام ومفتوحة على مجتمعها ، وعلى أفضل ما في التجربة الوطنية وفي تجارب الآخرين . لا تختزل الديمقراطية بالانتخابات ، فهي قبل ذلك وبعده ثقافة وسنن و حس وسلوك ، وإيمان بالحاجة لتطور شامل ينجينا من التبعية ومن التخلف وعقابيله ، وتفاعل مع العالم وليس تعاملاً نفعياً مع منجزاته من طب وعلوم وعقل علمي واستثمارات واتصالات ، ثم الضغينة عليه وشتمه بعدئذ لأنه لا يماثلنا . عن صحيفة الرأي الاردنية 8/9/2007