أولمرت .. جاء وسيرحل بدون إنجاز خليل العناني أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الأربعاء الماضي تقديم استقالته، وذلك فى خطوة كانت متوقعة منذ فترة عطفاً على تهم الفساد التي يواجهها ومن المتوقع أن تؤدي فى النهاية إلى إدانته. استقالة أولمرت من شأنها أن تشعل الصراعات داخل حزب "كاديما" وخارجه حول رئاسة الوزارة فى إسرائيل. فمن جهة تبدو وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني الأقرب للحلول محل أولمرت، وهي تواجه صراعاً شرساً مع نائب أولمرت شاؤول موفاز. ومن جهة أخرى ثمة محاولات جادة يبذلها كل من إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي وزعيم حزب "العمل"، وبنيامين نتنياهو زعيم حزب "الليكود" من أجل الدفع نحو إجراء انتخابات عامة بنهاية العام الحالي، أملاً فى الحصول على منصب رئيس الحكومة فى إسرائيل. نظرياً من المفترض أن يقوم حزب "كاديما" بإجراء انتخابات داخلية خلال الشهور الثلاثة المقبلة من أجل ترشيح خليفة لأولمرت، ولكن لو فشل الحزب فى تشكيل حكومة ائتلافية، وهذا هو المتوقع، فسوف تذهب إسرائيل إلى انتخابات تشريعية خلال تسعين يوماً على الأكثر. وتبدو فرص "كاديما" فى تشكيل الحكومة محدودة وذلك بسبب الصراع الداخلي القوي بين ليفني وموفاز، وكلاهما يرغب فى الحصول على خلافة أولمرت، ليس فقط من أجل رئاسة الحكومة، وإنما أيضا من أجل الانقلاب على الاستراتيجية التي اتبعها أولمرت طيلة العامين والنصف الماضيين. أولمرت الذي جاء للحكم بالصدفة البحتة بعد دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إرييل شارون فى غيبوبة لم يفق منها حتى الآن، يبدو مفلساً ولم يقنع العرب أو الإسرائيليين بقدرته على تحقيق أي إنجاز. داخلياً شن أولمرت حرب خاسرة على لبنان قبل عامين، كما فشل فى التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين رغم وعوده المتكررة للرئيس بوش بإمكانية تحقيق ذلك. وهو الذي استبعد قبل أيام إمكانية حلّ مشكلة القدسالشرقية وهي إحدى النقاط المهمة فى أي اتفاق سلام يمكن أن يحدث بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. سِجِّل أولمرت ليس به إنجاز واحد، فمفاوضاته غير المباشرة مع سوريا على وشك الانقضاء دون تحقيق اختراق يمكن أن يسجّل باسمه، وأياً من سيكون خليفته سوف يوقف المفاوضات وينهي أي آمال ممكنة للسلام مع سوريا. كما أنه لم يقو على إقناع الرأي العام الإسرائيلي بجدوى السلام مع سوريا وضرورة إعادة الجولان لها، بل حاول منافسوه المزايدة عليه فى هذه القضية من أجل تشويه صورته والحصول على دعم داخلي لهم خلال أية انتخابات قد تجري فى المستقبل. ولعل هذه القضية كانت إحدى نقاط الخلاف الحادة بين أولمرت وليفني التي ترفض أي تراجع عن حدود 1967، وقد عنّفت اولمرت مرارا بسبب ذلك. كما أن التهدئة على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان لم يصنعها أولمرت بل صنعها المجتمع الدولي بعد حرب يوليو 2006، وزيادة عدد القوات الدولية "الونيفيل" بموجب قرار مجلس الأمن 1701. فى حين لم يبذل أولمرت أي مجهود لحل قضية مزارع شبعا، أو توقيع اتفاق سلام مع لبنان. وكانت آخر الضربات التي وُجهَت لأولمرت صفقة (أو بالأحرى صفعة) الأسرى التاريخية التي أنجزها حزب الله قبل أسبوعين وكانت بمثابة ضربة قاضية للإسرائيليين جميعاً وليس أولمرت وحده. وباعتقادي أنه لو أجري استطلاع للرأي بين الإسرائيليين من اجل تقييم أولمرت مع غيره من أسلافه، لحصل على أسوأ معدل، ليس فقط لفشله فى الحرب الأخيرة على لبنان، وإنما لفشله أيضا فى إقناع الإسرائيليين بجدوى السلام مع العرب. فلم يفعل أولمرت شيئاً يذكر لتشجيع المجتمع الإسرائيلي على القبول بالمبادرة العربية للسلام التي قدمتها جامعة الدول العربية عام 2002 وتم تسويقها بعد قمة الرياض العام الماضي. كما لم يفعل شيئاً لإقناع العرب بقدرته على تحقيق سلام "حقيقي" مع السوريين والفلسطينيين رغم توافر كافة الظروف الملائمة لذلك، سواء لقبول سوريا الدخول فى مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين، أو لقبول الفلسطينيين الدخول فى تهدئة طويلة حتى يتم إنجاز اتفاق سلام تاريخي معهم. الآن يبدو أولمرت كما لو كان دخل المكان الخطأ، فهو لم يكن يحلم بأن يصبح رئيساً لوزراء إسرائيل، بل وجد نفسه كذلك "فجأة" دون مقدمات، ولكنه لم يستغل تلك الفرصة النادرة كي يصنع سلاماً تاريخياً بين إسرائيل ودول المنطقة. برحيل أولمرت، سوف تطوى صفحة سوداء فى السياسة الإسرائيلية داخلياً وخارجياً، وسوف تطوى معها ملفات التفاوض والسلام حتى يأتي رئيس وزراء جديد، بيد أن المتصارعين الآن لا يبشّرون بأي خير. عن صحيفة الوطن العمانية 2/8/2008