فخامة الرئيس سيلفاكير ميارديت.. ماذا عن البشير؟ محمد خرّوب لم يكن الاعلان عن قرار رئيس حكومة الجنوب، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الفريق سيلفاكير ميارديت، ترشيح نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية في السودان، التي ستجري في العام المقبل مفاجئاً، بقدر المفاجأة المدوية التي احدثها اعلان د. حسن الترابي الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض، دعمه ترشيح رئيس الحركة الشعبية.. اعلان الترابي اعاد الحيوية الى الساحة السياسية والحزبية السودانية، المنشغلة الان بقضية واحدة هي مذكرة اوكامبو مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، الذي طالب فيها بتوقيف الرئيس البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية وتهم اخرى تصل الى 16 تهمة.. من السذاجة التقليل من شأن هذين الاعلانين والنظر اليهما على انهما مجرد مناورة منسقة، تستهدف دق مسمار آخر في نعش نظام البشير وطي صفحة المستقبل السياسي للأخير، الذي بات مستهدفاً ومطلوباً على المستوى الدولي، ورهاناً (من قبل كير والترابي وربما يتبعهم آخرون)، على ان الظروف باتت مواتية لاعادة رسم خريطة التحالفات والاصطفافات، التي حكمت المشهد السوداني منذ تسع سنوات، وتحديداً منذ كانون الثاني 1999 عندما نجح الجنرال البشير في اطاحة الترابي من موقعه كشريك في نظام برأسين. البداية المبكرة لمعركة الرئاسة السودانية، لم تأت من فراغ، والتوقيت كان مقصودا وينطوي على رسالة ذات مضامين عديدة ومرسلة في الان ذاته الى اكثر من طرف داخلي وخارجي على حد سواء. ربما يكون احد اهداف سيلفاكير والترابي (رغم عدم وجود مؤشرات حتى اللحظة على وجود تنسيق مسبق حول هذه الخطوة الدراماتيكية بين الرجلين) هو النأي بنفسيهما عن البشير حزباً وحكومة في محنته الراهنة، وبخاصة بعد ان تضامن معه قادة احزاب معارضة مهمة مثل زعيم حزب الامة الصادق المهدي، والايحاء بانهما يغردان خارج السرب، الذي يريد تضخيم المسألة وتصوير مذكرة اوكامبو وكأنها الخطوة الاولى على طريق صوملة السودان، الموحد حتى الان، واشاعة الفوضى فيه نظرا لما تتميز به اوضاعه من فسيفسائية حقيقية عرقيا وقبليا ومذهبيا وطائفيا وثقافيا. وربما ايضا اراد سيلفاكير والترابي، قطع الطريق على بعض قادة وزعماء المعارضة، ووضعهم امام خيار جديد هو التحالف من اجل اطاحة حكم حزب المؤتمر الوطني ورئيسه، كفرصة لم تسنح من قبل، في ظل انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة ستمهد لدخول السودان مرحلة مختلفة عن تلك التي سادت طوال عقدين من السنين (منذ انقلاب البشير في 30/6/1989 وقيام نظام جبهة الانقاذ). هل تحالف الترابي وسيلفاكير حقاً؟. ليس بالضرورة، وان كان الترابي توصل الى ما يشبه ورقة التفاهم مع زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق، قبل التوقيع على اتفاقية نيفاشا (25/9/2003) وهو ما عرض الترابي الى اتهامات عديدة من قبل حكومة الخرطوم. الترابي الذي اعلن دعمه لترشيح سيلفاكير، بقي كعادته غامضا ولم يفصح عن موقفه النهائي عندما سُئِل في لقاء مع فضائية الجزيرة ان كان سيرشح نفسه للانتخابات البرلمانية المقبلة وذهب الى مربع العموميات عندما اضاف: ان كل الاحزاب ستطرح مرشحين في الانتخابات القادمة. ملامح المشهد السوداني الجديد آخذة في البروز والتشكل، ويمكن القول دون الوقوع في دائرة المغامرة، ان سودان ما بعد مذكرة اوكامبو، ليس هو سودان ما قبل المذكرة وعلى اكثر من صعيد وملف.. يندرج في ذلك الحراك الذي احدثه سيلفا كير، عندما طرح نفسه مرشحاً منافساً للبشير (في حال قرر الاخير الترشح) او لأي سوداني آخر من الجائز هنا وصفه السوداني الشمالي لان احداً في الجنوب لا يمتلك الحضور والشعبية الذي يتوفر عليهما سيلفا كير.. ناهيك عن مغزى دعم الترابي الذي برر وقوفه الى جانب كير بدهاء وخبث سياسي لا يخفى على احد. إذا خيرت بين دعم مرشح على اساس قبلي او قرابة وآخر على اساس مصلحة السودان ورؤيته، فسأختار الاخير.. قال الترابي. إذا سيلفا كير المسيحي الذي يقود حكومة في الجنوب حيث يستعد ابناء الجنوب بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في العام 2011، للتصويت في استفتاء عام اذا ما كانوا سيبقون في السودان الموحد بحدوده الحالية ام انهم سيختارون الانفصال عن الشمال واقامة دولة خاصة بهم وفق اتفاقية نيفاشا. نقول: سيلفا كير هو خيار الترابي السياسي والوطني وهو هنا يتبنى مفهوماً سياسياً جديداً عليه لم يكن معروفا عن منظر سلفي مثله، ان يقبل به، وهو تحديد معيار المواطنة، كأساس لتعريف السوداني بعد ان كان الترابي ذاته قد جرّد الحملات العسكرية لتطبيق الشريعة الاسلامية على اهل الجنوب حيث ينقسم سكانه بين الايمان بالمسيحية او عدم الايمان (وثنيون). الى ان تحين الانتخابات الرئاسية (والبرلمانية) السودانية في العام المقبل، فإن السودان مرشح لان يشهد تطورات دراماتيكية وعاصفة بعد ان فعلت مذكرة اوكامبو فعلها وبعد ان بدأت عملية فرز المواقف والتوجهات وخصوصاً التحالفات، وبعد ان بدأت الخرطوم بالبحث عن مخرج للازمة التي فرضت عليها وربما يكون مفيداً هنا التدقيق في المعاني والدلالات التي انطوى عليها تصريح دنيق الور وزير الخارجية السوداني المثقل بالايحاءات: كل ما دون الرئاسة مطروح للنقاش؟!. ويبقى السؤال الذي لن يجد المرء له جواباً بسهولة وفي المدى المنظور ماذا لو جاء سيلفا كير رئيساً للسودان؟ وماذا لو قام بتسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية؟. مجرد اسئلة استفزازية للذين ادمنوا التثاؤب في بلاد العرب. عن صحيفة الرأي الاردنية 31/7/2008