ماذا يُخبّئ السيّد لأولمرت؟ إلياس حنّا تحتل الاستراتيجيّة الدفاعيّة للبنان المرتبة الأولى بين المواضيع السياسية الخلافيّة. في لبنان جيش ومقاومة. لكن الجمع بين الاثنين في إطار قانوني لانتاج استراتيجيّة واضحة، لا يبدو قريب التحقيق. في لبنان مقاومة تخوض حربا اقليميّّة، وبقدرات استراتيجيّة لا تملكها دول. وفي المقابل، تتنصّل الدولة من قرار الحرب لأنها لم تشارك فيه. بعد الحرب، تُعلن المقاومة انها انتصرت، لأن ربّ العالمين كان إلى جانبها. ومن يرفض النتيجة، وهذه التسمية، إنما هو كافر. في لبنان، لا نعرف من هو العدّو حتى الآن. وإذا كان الاجماع على ان العدوّ الاوّل هو إسرائيل، فإن البعض يعتقد ان سورية ايضا تسعى إلى تقويض الكيان اللبناني. وعندما تعجز السياسة عن تحديد من هو العدو، فهي تسقط بالضربة القاضية. إذ ان السياسة تقوم في جوهرها على التمييز بين العدو والصديق، حسب ما كتبه الفيلسوف السياسي الفرنسي جوليان فرويند. في لبنان الدولة مأزومة، كما المقاومة. والخلاف بين الاثنتين هو على مصدر الشرعيّة، وكذلك على وضع خريطة طريق الصراع مع العدوّ الازليّ، إسرائيل ومن هو وراءه: اميركا. وإذا طلبت الدولة من المقاومة الانضمام إلى ركب شرعيّتها. ردّ عليها السيّد حسن نصرالله: عندما تبنون دولة عادلة وقويّة نفكّر في الأمر. في لبنان مقاومة منتصرة، لكنها تسعى جاهدة إلى نزع اعتراف الآخر، الشريك اللبناني بهذا النصر. هي تلحّ، والشريك يرفض. وإلا فما معنى تكرار السيّد في كلّ خطبه، ان النصر هو هديّة لكل اللبنانيّين، العرب كما المسلمين؟ وإذا كان الصراع في جوهره يهدف إلى نزع الاعتراف من الآخر، صديقا كان او عدوّا، كما يقول الفيلسوف الالماني هيغل، فإن نصر حزب الله وحتى الآن، لم يأخذ الاعتراف من الكثير من اللبنانيّين. وهذه مأساة حقيقيّة بالفعل، لأن حرب تمّوز هي فريدة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، فكيف لا تًأخذ الدروس والعبر منها؟ عندما كتب الفيلسوف الالماني ماكس ويبر عن القائد الكاريزميّ وصفاته وضع اربعة عشر مقياسا. اهمّها، مساهمة القائد فس التضحية والجهد مع الفريق. وكذلك قدرته على تحويل الرؤيا الاستراتيجيّة إلى واقع ملموس. وهذا ما يُطلق عليه القدرة على الانتقال من الذكاء النظريّ الى الذكاء العمليّ الظرفيّ. وهنا، شئنا أم أبينا، يندرج وضع نصرالله كمثال حيّ في توصيف ويبر. فهو فقد ابنه مع المقاومة، كما يمكنه ان يُقدّم الكثير من الانجازات ضدّ إسرائيل من التحرير العام 2000 الى حرب 2006. في الصورة الكبرى، وبعيدا عن الساحة الداخليّة، يعتبر نصرالله ان حرب تمّوز هي محطّة من صراع طويل بدأ أوائل القرن التاسع عشر، واستمرّ وسوف يستمرّ. وان جُلّ ما فعلته المقاومة في حرب تمّوز، هو ضرب مشروع الشرق الأوسط، اي مشروع السيطرة على المنطقة. إذاً الصراع مستمرّ، ولا بوادر حلّ له في الأفق، من هنا ضرورة الاستعداد. يُطبٌق نصرالله في خطابه مقولة إذا أردت السلم فاستعدّ للحرب. فهو لا يركن الى التحليل، وعلى المقاومة ان تكون جاهزة. وهو يُعلن انه لا يريد الحرب، لكنها إذا فُرضت فالنصر إلى جانب المقاومة. يلتزم نصرالله حماية لبنان، حتى وإن رفضت الحكومة ذلك. وهو يُكرّر التمييز الدائم بين الجيش والمقاومة. فالجيش جيش، والمقاومة مقاومة. مقاتلوها إلى جانب جنوده، والعكس صحيح. وإذا كان الغرب يرفض تجهيز الجيش كما يجب، فإن المقاومة قدّمت في حرب تمّوز النموذج المثالي للدفاع عن لبنان. فهل يُحاول نصرالله رسم صورة العلاقة المستقبليّة بين الجيش والمقاومة؟ يمارس نصرالله حربا نفسيّة على العدو الاسرائيلي، لكن هذه الحرب هي واقع، ولا ضرورة للعدّو ان يُخمّن، لأن التزام نصرالله هو وعد صادق، الأمر الذي يضع على المقاومة اعباء كبيرة، خاصة في حال الفشل. وأخيرا وليس آخرا، يرفع نصرالله سقف الخطاب ليتوعّد العدو يعده بالكثير من المفاجآت في حال العدوان، فماذا عنها؟ صرّح نصرالله عقب حرب تمّوز، ان المقاومة أعادت ترتيب أوضاعها، وأخذت العبر والدروس. وهذا امر ممكن، خاصة ان الحزب منظّمة قرارها في يده، وليس دولة حيث العمل البيروقراطي عادة صعب ومعقّد، كما يحصل اليوم في إسرائيل. في المقابل، أخذت إسرائيل الدروس والعبر من حرب تمّوز. عرفت الخلل في عمليّة اتخاذ القرار، في التعبئة، في التردّد بين الحرب البريّة والجويّة، في الخلل الاستعلامي الاستخباراتي، في وقف قصف الصواريخ على عمقها، وفي درجة معطوبيّة مدرّعاتها.. الخ. وهي حتما، ومن المنطقي ان تدرج التعديلات في عقيدتها القتالّية. تعرف إسرائيل، كما يعرف الحزب انه في حال الحرب على سورية او ايران مثلا، فإن الحزب سيُشارك. كذلك الأمر، تعرف إسرائيل انها اذا شنّت حربا جديدة على الحزب، انه لا يمكن لسورية ان تقف مكتوفة الأيدي كما فعلت في حرب تمّوز. إذاً الكلّ درس الكلّ من خلال ما ظهّرت حرب تمّوز. وكلّ فريق يجهّز نفسه للحرب، بطريقة تفاجئ الآخر، حتى ولو اعتبرنا ان عامل المفاجأة ليس مهمّا هنا. فكيف يكون هناك مفاجأة، والكلّ يراقب الكلّ؟ المفاجأة تكون عادة كما حصل في حرب الأيام الستّة، أو عندما فاجأ العرب إسرائيل في حرب اكتوبر 1973. إذا ستكون المفاجاة تكتيّة عملانيّة لا استرايجيّة. فماذا يُخبّئ نصرالله في جعبته؟ لا يمكن لنصرالله الركون الى ان إسرائيل ستتجنّب الحرب البريّة. فإن اخطأت مرّة، فهي لن تعيد الكرّة. لذلك سوف يحضر ارض المعركة الاساسيّة جنوب نهر الليطاني كما فعل قبل حرب تمّوز. وقد يكون الجديد هنا، في إضافة عمق دفاعي يمتدّ من الخطّ الازرق، ويتجاوز مقطع الليطاني، اي مزيد من الدفاع في العمق لكسب الوقت، وإنزال الكثير من الخسائر في الارواح. وإلا فما معنى تسريب خبر شراء الحزب لبعض الاراضي شمال الليطاني؟ وما معنى الاكتشاف بالصدفة للتمديدات التي كان الحزب يقوم بها لكابلات الاتصالات قرب منطقة النبطيّة؟ إذا لم يكن لدى إسرائيل معلومات عن مواقع الصواريخ قبل حرب تمّوز، فإن الحرب فضحت المواقع. لذا لا بدّ من إعادة التموضع، على ان تؤمّن القيادة والسيطرة على المراكز الجديدة. من الطبيعي ان يمنع نصرالله إسرائيل من الاستفادة من تفوّقها الجويّ، خاصة في مجال الطوافات والتي تعتبر اساسيّة لقتال الوحدات الخاصة، خاصة في خلفيّة دفاعات الحزب وفي عمقه الاستراتيجي. فهل ستكون المفاجأة العملانيّة التكتيّة عبر استعمال الصواريخ المضادة للطيران؟ ممكن. هل سيتزامن دفاع الحزب ضدّ الاعتداء الاسرائيلي مع حرب تقودها حماس من غزّة والقطاع؟ إذا اعتبرنا ان عقيدة حزب الله تحتّم تحرير كلّ فلسطين التاريخيّة. وإذا كان الحزب لا يعترف بالكيان ويُسمّيه فلسطين المحتلّة. فمن المنطق العسكري ان يستعمل تلك الارض المحتلّة لضرب خلفيّة العدو، عبر ضرب خطوط مواصلاته، وضرب اهدافه الاستراتيجيّة الداخليّة من مطارات، مراكز قيادة، معامل ذات اهميّة استراتيجيّة، خاصة وأن هذا العدو يعتبر ان السيطرة على طرق الضفّة الغربيّة امر حيوي، يرمي الى ايصال القوى إلى الجبهة. فهل ستكون هناك عمليّات في الداخل الاسرائيلي في حال الحرب؟ لا يمكن الحديث عن سلاح غير تقليدي يستعمله، فهو لا يملك القدرات لذلك. وإذا استعمل المتوفّر منه، فإن الأنظار سوف تتّجه الى المموّل، أي الدول الراعية. هذا عدا قدرة إسرائيل على الردّ وبقسوة. قد يمكن الحديث عن دفاعات اكثر للواجهة البحريّة، لكن الاكيد أن البحر في الحرب المقبلة سيكون ثانويّا كما كان في حرب تمّوز. أما موضوع قصف تل ابيب، فقد لا يكون مفاجأة لأن السيّد كان قد هدّد خلال حرب تمّوز بذلك. في الختام، لا يمكن الحديث عن مفاجآت بالمعنى الاستراتيجي. وقد يمكن الحديث عن مفاجآت عملانيّة تكتيّة فقط. وهذا امر سوف يتحدّد في بُعدين اساسيّين هما البر والجو. في البرّ المزيد من الدفاع في العمق. وفي الجو إدخال الصواريخ المضادة للطيران. لكن الأكيد ان حربا ثانية ستولّد المعادلة الآتية: إذا خسرت إسرائيل، فإن امر الكيان انتهى، لتتحقّق مقولة نصرالله حول بيت العنكبوت. وإذا خسر فإن التزام نصرالله الدفاع عن لبنان، يكون قد سقط. لكن السؤال المهمّ قد يبقى، في حال النصر أو الهزيمة، حول الثمن المدفوع. عن صحيفة الشرق الاوسط 21/8/2007