العراق يتحدث مع موسكو بلكنة غربية جانا بوريسوفنا استقبلت موسكو حسين الشهرستانى وزير النفط العراقي في زيارة استمرت لمدة يومين، أكدت خلالها روسيا حرصها على مواصلة تطوير صلات التعاون بين البلدين، بعد أن أبدت حسن نواياها بإسقاط 8 مليارات دولار من ديون العراق.
واقترح وزير الصناعة والطاقة الروسي فيكتور خريستينكو على نظيره العراقي إجراء جرد مفصل لكل الاتفاقات والعقود التي تحدد مسارات ومضامين العلاقات الثنائية بين روسيا والعراق. وذلك في أطار بحث إمكانية إحياء عقود شركة « لوك اويل» الروسية الخاصة باستثمار حقول «قرنة-2» التي تعتبرها حكومة بغداد لاغية، ليس فقط لأنها من الاتفاقات التي عقدها النظام السابق، وإنما أيضا لأن صدام حسين كان قد أعلن عن إلغائها في لحظة حاول فيها الضغط على موسكو لكسر الحصار المفروض على العراق، ثم تراجع عن هذا القرار.
لهجة الوزير العراقي جاءت غربية النزعة، متعالية لأنه اعتبر أن روسيا ملزمة بشطب 80% من ديون العراق الروسية، باعتبار أن هذا الأجراء يأتي استنادا لقرار نادي باريس حول شطب ديون العراق. ثم أكد الوزير انه لا يمكن أن يدور الحديث مع موسكو عن آية اتفاقات أو عقود نفطية دون المرور عبر فلتر قانون النفط الجديد الذي لم يقر بعد، والذي مازال إقراره متعثرا بالرغم من الضغوط الأميركية على الحكومة لإقراره، ما يعني أن عقود «قرنة-2» تعتبر لاغية من وجهة نظر الحكومة.
لم يقدم الوزير العراقي شيئا يذكر لعلاقات التعاون الروسية-العراقية، سوى انه حاول تبديد الأوهام حول إمكانية إحياء العقود الروسية، إضافة لحديثه المطول عن أن العلاقات التجارية الاقتصادية بين روسيا والعراق التي يمتد تاريخها إلى 50 عاما، والتي تتسم بأهمية خاصة في الظروف الراهنة، وعن دور روسيا في مجالات اقتصادية أخرى غير النفط.
ومن المؤكد أن الشهرستانى يعلم أنه على مدار سنوات طويلة كان العراق أكبر شريك تجاري لروسيا في الشرق الأوسط ، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين آنذاك حوالي ملياري دولار سنويا. وانه من خلال علاقات التعاون بين موسكو وبغداد تم تشييد البنية التحتية للعديد من الصناعات الاستخراجية العراقية، وبناء العديد من الصناعات العراقية في قطاع الطاقة وفي قطاعات أخرى. ما يعني أن تعاون العراق مع روسيا حقق منفعة ونهوض للاقتصاد العراقي، ولم يجلب له الخراب والدمار.
وما هو أكثر إثارة عندما تكتمل حلقات السلسلة، حيث جاءت تصريحات الوزير العراقي في الفترة التي يتم فيها الإعداد لمحادثات بين بغداد وكييف، بشأن توفير ممر لنقل النفط العراقي إلى بلدان الاتحاد الأوروبي عبر خط أنابيب يمتد في الأراضي الأوكرانية من ميناء أوديسا على البحر الأسود إلى برودي (غرب أوكرانيا).
وتبدأ هذه المساعي في وقت لا يزيد إنتاج العراق فيه من النفط عن مليوني برميل من النفط في اليوم، ويصدر 6 ,1 مليون منها إلى أوروبا والولايات المتحدة في الغالب بواسطة ناقلات النفط الضخمة وليس عبر خطوط الأنابيب.
ما يعني أن التحضيرات الأوكرانية، واتصالات كييف وبغداد تستهدف البدء في خطط مستقبلية لتوريد جزء من النفط العراقي(والذي تحدث الوزير العراقي عن عزم حكومته على زيادة أنتاجه)إلى أوروبا، وهو ما يحقق خطة واشنطن في تقليص اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، ويقضى على تواجد روسيا في أسواق شرق أوروبا.
وحرص الوزير العراقي خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أن يستفيض في شرح مزايا قانون النفط الجديد في العراق، ولعل هذا الحرص ينسجم مع تصريحات بوش في ربيع هذا العام بعد أن تولى المالكي رئاسة الحكومة والتي أكد فيها على ضرورة إصدار قانون جديد يساعد الاستثمارات على تطوير صناعة النفط، إضافة لحل الأزمة الأمنية وحل مشكلة الكهرباء!!
وقد أعرب العديد من الخبراء العراقيين عن قلقهم من أن يمكن هذا القانون الشركات العالمية من السيطرة على ثروات العراق النفطية، وأشار هؤلاء الخبراء إلى أن العراق الذي يعتبر من أغنى دول العالم في مجال النفط، يعاني من أزمة خانقة في مجال الطاقة في نفس الوقت الذي بلغ حجم صادراته النفطية خلال الأعوام الثلاثة الماضية أكثر من 125 مليار دولار.
أما حديث الوزير العراقي في موسكو عن أن هذا القانون ينص على تقسيم عائدات النفط على كافة المحافظات العراقية وفق مبدأ الكثافة السكانية، فإنه حديث غير واضح المعالم لأننا لا نعرف حجم هذه العائدات، والتي ستتحدد بعد خصم نسب وحصص الشركات التي ستعمل في استخراج وتسويق النفط، وحصص خزينة الدولة وصندوق التعويضات؟
وتكمن مخاطر هذا القانون في انه يمنح إدارات المحافظات المنتجة صلاحيات في إجراء اتفاقات مباشرة مع الشركات، ولحل مشكلة مخاطر استقلالية هذه الأقاليم شكليا، يضع صيغة المجلس الاتحادي الذي يمتلك حق المشاركة فيه المحافظات التي يزيد إنتاجها عن 150 ألف برميل، أي 3 محافظات فقط، بل إن هذا المجلس يضم في عضويته ممثلي الشركات الأجنبية العاملة في الحقول العراقية، ما يلغي إمكاناته في حماية المصالح العراقية، أي انه مجرد إطار لإيجاد تسوية ترضي أطراف عقود استثمار النفط، خاصة وان لديه الصلاحية في مخالفة القانون إذا تتطلب الأمر.
وإذا كانت المصادر العراقية تؤكد أن سيطرة العراق على ثرواته ستتم من خلال الشركة القابضة التي سيتم تشكيلها، ويمنحها القانون الجديد حق الإشراف الكامل على حقول النفط، فأن وزارة النفط العراقية أكدت على لسان وزيرها أنه ستشرف على استخراج وتسويق إنتاج 27 حقل نفط عامل ومنتج، أما الحقول المستكشفة وغير العاملة، والتي تصل إلى أكثر من 50 حقلاً فستطرح في مناقصات عالمية للمستثمرين الأجانب.
وأضاف انه يوجد في العراق إضافة لما سبق أكثر من 400 حقل نفط لم تستكشف بعد سيتم أيضا طرحها للمناقصات العالمية. ومع الأخذ بعين الاعتبار تقديرات الخبراء الأميركيين والتي تشير إلى أن إنتاج العراق وفق خطط واشنطن سيصل في عام 2010 إلى أكثر من 5 ملايين برميل يوميا، ما يعني أن الشركات العالمية ستسيطر على حوالي 60% من إنتاج العراق من النفط، وأكثر 70% من صادراته النفطية، وذلك دون تدخل من الشركة القابضة المزمع تأسيسها وفق قانون النفط الجديد.
وفي أطار ما ذكر حول المناقصات العالمية لاستثمار الحقول العراقية، لابد وأن نحذر أن لا تكون نتيجته المرور بفلترين، لأنه إذا كان من المنطقي والمفهوم أن تمر عروض المستثمرين الأجانب عبر فلتر عراقي بصرف النظر عن إبعاد ومصالح وتناقضات هذا الفلتر، فإن من غير المقبول عالميا (وهذا ليس تدخلا في شؤون العراق) أن تمر هذه العروض عبر فلتر آخر أميركي؟
من المعروف أن عددا كبيرا من الخبراء الأميركيين يعملون كمستشارين في وزارة النفط العراقية، لتوجيه الإدارات المختلفة وتحسين أدائهم، وبطبيعة الحال لإقناعهم بالعقود الأميركية وبمزايا العمل مع الشركات الأميركية. لذا من المنطقي أن يلعب هذا الجيش من المستشارين دوره في تجاهل كافة العروض غير الأميركية، وأن يكرس السيطرة الكاملة للشركات الأميركية على النفط العراقي.
ويبدو واضحا أن الصراع على النفط العراقي لم يعد منافسة تجارية، وإنما تحول إلى صراع سياسي داخلي وخارجي، بين الشركات الأميركية وبقية المؤسسات العالمية العاملة في قطاع الطاقة، ولم تعد المسألة عودة الشركات الروسية إلى السوق العراقي فقط، وإنما اتسعت ليكون عنوانها الأول حق الشعب العراقي في استثمار ثرواته، وان لا تتحول عملية استثمار ثرواته إلى مدخل لتقسيم العراق إلى دويلات، ليسهل للشركات الأميركية السيطرة على ثروات هذا البلد النفطية. عن صحيفة البيان الاماراتية 18/8/2007