إنْ كنت صديقي، فأنت أنا، أو أنا أنت..لا فرق، ففي عالم الذر قبل أن نكون جسدين..أظن أننا التقينا..فتعانقت الروح مع الروح، وتصافح القلب مع القلب، وجرى العهد هنالك أن نكون أصدقاء..ألا تنظر إلى روحي و روحك، أو تنظر إلى قلبي وقلبك..لترى كيف تلاشت المسافات وذابت الفواصل..حتى انصهر كلانا في بوتقة الحب المترفع عن المصلحة والهوى؟!..ألا ترى ذاك التآلف الحميم بين الهواجس والنظرات والرمقات؟!..ألا ترى ذاك التقارب الودود بين نبض الأنفاس، ودفق الإحساس، وهمس الظنون؟!.
إنْ كنت صديقي..فاعلم أنك روضتي وجنتي وفردوسي فوق الثرى..اعلم أنك بسماتي وضحكاتي ولب حياتي..اعلم أنك ظلي ونسمتي الحانية من حر الأنانية..اعلم أنك مستقري إن ضاقت بى الأرض وضج منى الخلق..اعلم أنك ربيعي الفواح وإن تساقطت كل أوراق الشجر..اعلم أنك سترى وحصني من برد الشتاء وبرق الرعود، إن كنت تعلم ذلك منى، فاعلم أنك في الأمر مثلى، إذ الحياة لا تستقيم إلا وأنا ساكنك وأنت ساكني.
لقد راودني وراودك من بعد العز شك أن المال يغنى عما تعاهدنا عليه في الأزل من صداقة وحب، لكن عند أول زلة قدم طاش الشك اللعين، وخابت كل الهواجس الخبيثة، حيث مكث في الأرض ما ينفعنا وذهب الزبد جفاءً..كانت تجربة قاسية، لكنها كانت كالنار الشديدة التي لا تزيد المعدن الثمين إلا بريقاً ولمعاناً، فبقدر ما كان الألم وكانت الحسرة بقدر ما كان اليقين بقيمة ما بيني وبينك..فهل علمت يا صديقي كم يساوى ما بيني وبينك من متاع الدنيا؟!..أظنك أذكى من أن تسارع إلى إعمال لغة المادة والتجارة في الإجابة، لأن الشيء الذي بيننا أكبر من أن يُعيَّر بمعيار البيع والشراء.
الآن أيقنت كم مَنّ الله على وعليك بنعمة لا تُقدر بثمن..الآن عرفت لماذا غادرت البسمة الصافية وجوهنا بعدما كانت لازمة لا تغادرها..الآن عرفت لماذا حل القلق بساحتي ودربي..الآن عرفت لماذا قسي القلب من بعد صفاء وحب، لقد تعاملنا مع نعمة الله علينا بشيء من الاستهتار فأوشكت أن ترحل..فهل لي ولك من ثورة عارمة على القلق والشك؟..هل لي ولك من سباحة نحو شاطئ السكينة والراحة؟..هل لي ولك من معراج إلى الصفاء والشفافية؟..هل لي ولك من ارتقاء إلى السماء ضد جاذبية الغرض والهوى؟..هل من سياحة في جو الملائكة الذين لا يحقدون ولا يكرهون؟..هل لي ولك من هجرة إلى أرض تنعم بصداقة حقيقية؟ صديقي..هل وصلتك الرسالة؟