لعبة حافة الهاوية بين إسرائيل وإيران عاطف الغمري هل يمكن أن يكون ما نراه بين إسرائيل وإيران, مشهدا خادعا؟, الحديث عن الحرب يدوي صداه علي الناحيتين, تطلق صيحاته أمريكا وإسرائيل, وترد إيران علي الناحية الأخري. في يونيو الماضي أجرت إسرائيل مناورات عسكرية أحاط بها ما يوحي بأنها تقصد إيران, فقد شاركت100 طائرة نفاثة في مناورات لضرب أهداف بعيدة, ولوحظت طلعات لطائرات تقطع مسافة1290 كيلومترا, أي ما يساوي المسافة من إسرائيل الي إيران.. وبعدها بشهر في9 يوليو2008 ردت إيران بمناورات اطلاق صواريخ, وذلك عقب تهديد مرشد الثورة أية الله علي خامئي بإحراق تل أبيب والسفن الأمريكية في الخليج. في نفس الوقت, شاركت السفن الحربية الأمريكية والبريطانية في الخليج في مناورات مشتركة, لحماية منشآت البترول والغاز, وبدا كأن ذلك رد علي تهديد إيران بالانتقام من أي هجوم يقع عليها. الجو معبأ بالتوتر والخطر, فهل ما نراه حقيقة أم خداعا؟.. من ناحية إسرائيل, هي لا تستطيع في ظروف الوضع الدولي والإقليمي الراهن أن تتصرف منفردة بمهاجمة منشآت إيران النووية دون إذن من أمريكا, فأي غارة جوية إسرائيلية تحتاج تعاونا كاملا من الطائرات المقاتلة إف 15, وإف 16, فلا يكفي لها أن تطير وتزود بالوقود في المجال الجوي العراقي الذي تسيطر عليه أمريكا, إن العملية بكاملها تحتاج دعما من القواعد العسكرية الأمريكية في أرض العراق, أي أن العملية لابد أن تكون أمريكية إسرائيلية مشتركة. .. صحيح أن الرئيس بوش حسب ما نشرته الصنداي تايمز البريطانية قد أعطي الضوء الأخضر لإسرائيل, لمواصلة استعداداتها لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية, في حالة ما اذا وافق بوش مستقبلا علي قيامها بتوجيه ضربة عسكرية لإيران. .. وصحيح أن ديك تشيني نائب الرئيس مازال من أنصار قيام إسرائيل بمهاجمة إيران, وصحيح أنهم في أمريكا يتحدثون في إطار الحملة الانتخابية, عما سموه مفاجأة اكتوبر, وتعني أن يلجأ بوش لحساب انقاذ مرشح الحزب الجمهوري, جون ماكين, من خسارة الانتخابات أمام أوباما, بإصدار الأمر بهذه الضربة قبل موعد الانتخابات بشهر واحد, وشحن الرأي العام بمشاعر وطنية تحفزهم للوقوف مع الحزب الجمهوري, بينما الدولة في حالة حرب, ووضع أوباما في موقف حرج لو أنه عارض الحرب. لكن الصحيح أيضا أن القادة العسكريين الأمريكيين يعارضون مثل هذه الخطوة, ويذكرون المؤيدين لها, بكارثة العراق التي عارضها العسكريون من البداية, وفي الأسبوع الأول من يوليو2008 قال الجنرال ميتشيل مولين رئيس هيئة الأركان المشتركة, إن أي ضربة عسكرية إسرائيلية سوف تفتح جبهة ثالثة لأمريكا, بعد جبهتي أفغانستان والعراق, ويمكن أن تشكل ضررا بالغا للقوة العسكرية الأمريكية, التي تكون عندئذ قد تمددت علي ثلاث جبهات. فضلا عن توقع ارتفاع سعر البترول الي200 دولار للبرميل, خاصة أن إيران هددت بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر منه40% من بترول العالم. .. لا خلاف علي أن الجو معبأ بالتوتر الخطر, وان إسرائيل في مزاج عصبي أمام رغبة تجتاحها لتضع موضع التنفيذ استراتيجية قديمة لها تقول بتنظيف المنطقة من حولها من أي أسلحة دمار في يد غيرها. ويضاعف من عصبيتها قرب رحيل بوش من البيت الأبيض, ومعه زمرة المحافظون الجدد, وهم حلفاء إسرائيل الذين يوصفون حسب المصطلحات السياسية الأمريكية, بالصهاينة فكرا وفلسفة وعقيدة, وهم الذين كانوا شركاء لحكومات إسرائيل في القرار والنية, منذ مجيئهم الي السلطة مع بوش في يناير2001, وفوق ذلك تخوف لديها من أوباما لو جاء رئيسا لأمريكا. فإذا كان ما نراه مشهدا تدفع فيه إسرائيل الموقف الي حافة الهاوية, فهل يمكن أن تكون في حساباتها التوقف بالوضع قبل الحافة بمسافة قصيرة؟ المشهد الراهن, وبالنظر إليه في إطار أبعاده الأوسع والأشمل, يوحي وكأن اسرائيل تكثف من ضغوطها في اتجاه أوروبا, وروسيا والصين, لتتكاتف مع أمريكا في تشديد الضغوط علي إيران الي أقصي درجة, والوصول معها الي تفهم واتفاق, لإنهاء برنامجها لتخصيب اليورانيوم, ووقف برنامجها لإنتاج سلاح نووي, وان كان تقدير الخبراء الغربيين ان أمام إيران فترة خمس سنوات قبل أن تصل الي التخصيب اللازم لصنع قنبلة. وعلي الناحية الأخري, فإن إيران تصعد من لغة المواجهة لإحراز كسب سياسي, وهو ما كان خبراء أمريكيون قد أفاضوا في الحديث عنه, بأن لإيران هدفا استراتيجيا تسعي إليه, بتحركاتها متعددة الاتجاهات داخل العراق ومن حوله, وهو اتفاق إقليمي مع أمريكا لا يقتصر مداه علي المشكلة النووية, بل يتعداها الي مطالب إقليمية لإيران, توافق عليها أمريكا, في صفقة تبادلية, أهم نقاطها تتعلق بالعراق, خصوصا بعد أن نجحت إيران, نتيجة الغياب الاستراتيجي العربي, في ايجاد أوضاع لصالحها في مناطق ودول عربية. واذا حدث شئ من هذا فلن يكون خارج السياق التاريخي للعلاقة الأمريكيةالإيرانية, حيث لم تتوقف محاولات اطفاء نار العداء بين أمريكا وإيران, منذ سنوات حكم بوش الأب, ثم كلينتون, عبر قنوات سرية, للوصول الي تفاهم للعلاقة بين البلدين, لهذا فقد يكون ما نراه مشهدا خادعا, لمواجهة ربما تريد منها أطرافها أن تحصد منها ما تريده وتتمناه, حتي ولو لم يكن عن طريق مواجهة مسلحة. عن صحيفة الاهرام المصرية 23/7/2008