عرس الديمقراطية أم مأتمها؟ خيري منصور تكررت عبارة عرس الديمقراطية في العديد من المناسبات الانتخابية في عالمنا العربي، ولا ندري من العريس ومن العروس في هذا الزفاف السياسي؟ وقلما قرأنا عنواناً مضاداً بعنوان مأتم الديمقراطية رغم وفرة مثل هذه المآتم التي تنسب بهتانا وزوراً الى الديمقراطية، التي نافست الحرية في عدد الجرائم التي ارتكبت باسمها. قبل يومين فقط التقيت مثقفاً لبنانياً جاء ليشارك في مؤتمر في عمّان، وقال لي وهو يعانقني ضاحكاً حتى البكاء إن ابن عمه سقط جريحاً في معركة الديمقراطية، ولم تكن تلك هي الواقعة الوحيدة في الدراما الانتخابية في عالمنا العربي، ففي العراق نُسب نهر من الدم إلى ديمقراطية من طراز اسبارطي عجيب، وفي فلسطين حدثت كوارث تحت شعارات الديمقراطية وحق الاختلاف، لكن فولتير، الذي قال انه مستعد لدفع حياته ثمناً للدفاع عن خصمه في حق التعبير، ليس عربياً، وليس لبنانياً أو عراقياً أو فلسطينياً بالتحديد. ولأن أهل عصره لم يفهموه، فقد اعتذر له الأحفاد عندما نقلوا رفاته الى مقبرة العظماء بعد أن ظل منسياً لزمن طويل. إن أعراس الديمقراطية هي الاسم المضلل لمآتمها، فهي في عالمنا هذا ديمقراطية عرجاء، وأحياناً عوراء، وقد تصاب بالعمى فتتحول الى تراشق بالهجاء والتخوين، لأن احتكار الصواب وادعاء المعصومية أصبح مرضاً خبيثاً ينذر بالتحول إلى وباء قومي. ان الطبعات العربية المتعاقبة من الديمقراطية عديمة الصلة بالأصل الإغريقي، وحتى بالفروع الأوروبية التي قدمت تنويعات على الوتر ذاته، فهي أيام العرب بامتياز، و"أيام العرب" هو الاسم المهذب لحروبهم الجاهلية، بدءاً من البسوس حتى داحس والغبراء. ومن الخطأ أن نتصور أن الديكتاتورية هي النقيض للديمقراطية، لأن النقيض الفعلي لها هو الديمقراطية الزائفة أو ما يسمى شبه الديمقراطية، فالأشباه لا تصادر على الأصول فقط، بل توهم الناس بأنهم أنجزوا ما حلموا به، وحقيقة الأمر أنهم تدافعوا من شدة الظمأ ليشربوا من السراب. وسيبدو المشهد كوميدياً إذا أحصينا عدد ضحايا المعارك الديمقراطية في الوطن العربي، أو بمعنى أدق من سقطوا في الحروب الطائفية والبينية باسم الديمقراطية. وستبدو التحليلات المناسباتية عابرة وسطحية إذا اقتصرت على توصيف هذه الظاهرة وما يماثلها في حياتنا السياسية، لأن الغاطس من جبل الجليد أضعاف الناتئ من قمته على السطح، فالمسألة ليست في تغيير الأسماء والعناوين لأن القبيلة لا تتحول الى حزب إذا تغير اسمها، والطائفة لن تتحول الى نقابة لمجرد التلاعب بإطلاق الأسماء المستعارة عليها. في ديمقراطية المآتم لا الأعراس، يصبح الجميع منتصرين، وما من مهزوم على الإطلاق، لأن من لا يظفر بالفوز يستدعي احتياطياته، من الشتائم والهراوات والبنادق ليغسل عار الهزيمة، وفي مثل هذا النمط من الديمقراطيات يسمح طرف للآخر بأن يختلف معه، لكن حول قضية واحدة فقط هي صيغة أو طريقة التماثل معه والتحول الى نسخة منه. إن ديمقراطية المآتم العربية هي الأعجوبة الثامنة التي يجب أن تضاف الى الأعاجيب السبع، لأنها ديكتاتورية بثياب تنكرية. فعن أي أعراس يثرثرون؟ إذا كان العريس غائباً والعروس هربت من الباب الخلفي؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 9/8/2007