أشعر أن الزمن يجرنا للخلف ولا يدفعنا للأمام.. وعينا الاجتماعي مازال محلك سر منذ مئات السنين عندما كان الجهل يطبق علي عقولنا. ويجعلنا نتصرف تصرف الجاهلية الأولي.. وإذا كانت الصحافة لم تستطع أن تأخذ بأيدينا إلي مرحلة الوعي بسبب غلبة الأمية علينا. فإن التليفزيون الذي دخل كل بيت بل كل حجرة في مساكننا لم يؤثر في عقولنا!! ولست أدري ما السبب؟! هل هو لقصور في الرسالة الإعلامية شكلاً ومضموناً؟! "أم علي قلوب أقفالها"؟! فلم تتدبر ما يحيط بها وما يجري من حولها؟! صدمت وأنا أقرأ خبراً بالصفحة الأولي في صحيفة الأهرام اليوم بأن عرساً بالبدرشين تحول في لحظة مشئومة إلي مأتم.. واتسع ليكون ساحة للقتال والثأر سقط علي أرضها قتيلان أحدهما الشقيق الوحيد للعروس والثاني من أقارب العريس!! لم تحدث هذه المجزرة بسبب ضرب نار عشوائي أطلقه أقارب العروسين ابتهاجاً بالعرس كما يحدث دائماً في هذه المناسبات وإنما بسبب التنافس علي الرقص مجاملة للعروسين!! يا للمصيبة!!.. ويا للمأساة!! تنافس أهل العريس وأهل العروس علي أيهما يبدأ بالرقص فتحول التنافس إلي غضب وتحول الغضب إلي معركة حربية سقط فيها قتلي وجرحي. وتلطخت ملابس الزفاف للعروسين بالدماء.. ولم يكتمل الفرح.. عادت العروس إلي بيت أهلها لتتلقي العزاء في شقيقها الوحيد.. وبقي العريس في عش الزوجية ينتظر عروسه.. لكن يبدو أن الرياح لن تأتي بما يشتهيه العروسان رغم إعلانهما تمسكهما بالحب الذي جمعهما وانتظار أن يأتي الله بالفرج لعل وعسي يجمعهما عش الزوجية. هل رأيتم تفاهة وجهلاً أكثر من ذلك؟! هذا لا يحدث حتي في بلاد الواق الواق.. لكنه حدث علي أرضنا.. أرض الكنانة والتاريخ والحضارة- كما يقولون- أرض اللامعقول واللامفهوم!! وكم من أسباب تافهة أو أقل من تافهة أدت إلي إزهاق أرواح بريئة دون ذنب إلا أن حظها العثر أوجدها في مجتمع الجهل والغباء.. خذ مثلاً هذه العناوين لحوادث وقعت بالأمس القريب: "يقتل جاره بسكين بسبب نكتة" يدفع حياته ثمناً لمعاتبة سائق علي معاكسة زوجته".. "حبس بائع قتل طالباً نهره لمعاكسة خطيبته". تصوروا هذا الشعب الذي ننتظر منه أن يمارس الديمقراطية ويخرج إلي صناديق الانتخابات في أواخر هذا الشهر ليختار نوابه في البرلمان!! كيف يمكننا أن نمارس حياة ديمقراطية ونحن نفكر بهذه الجهالة.. ونتصرف بهذا المنطق اللامعقول؟!