باكستان وسياسة البحث عن أزمة محمد خليفة انتهت قضية المسجد الأحمر في باكستان نهاية محزنة، فقد قررت الحكومة الردّ على الإرهاب الخاص بإرهاب عام. فقامت الطائرات الحربية الباكستانية بإلقاء أطنان من المتفجرات على هذا المسجد وعلى الأبنية الملحقة به، مما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص من رجال ونساء وأطفال كانوا فيه. وقد ظنّت الحكومة الباكستانية أنها بهذه الطريقة سترعب كل من تسوّل له نفسه التمرد على سلطات الدولة وتحدي قراراتها. لكن لا شك أن استخدام القوة الغاشمة للقضاء على تمرّد أناس يحتجون على قرار الحكومة بإغلاق المدرسة الدينية الملحقة بالمسجد، قد خلق أزمة كبيرة لباكستان. وهي أزمة دولة انفصلت عن ماضيها معتقدة أنها، من دون الاعتماد على هذا الماضي، قادرة على السير قدماً نحو مستقبل تراه أفضل لها ولأجيالها. ولعل هنا يكمن الخطأ الفادح الذي وقعت فيه الحكومة الباكستانية بتشجيع من الولاياتالمتحدة. ذلك أن باكستان مختلفة عن أية دولة أخرى في العالم، لأنها أنشئت لمسلمي شبه القارة الهندية بعد جلاء بريطانيا عنها عام 1947. ومنذ نشأتها كان الدين الإسلامي هو الرابط بين الشعوب والقوميات التي تتكوّن منها، ومن أجل تقوية هذا الرابط وترسيخه في وجدان هذه الشعوب والقوميات، اهتمت الدولة الباكستانية ببناء المدارس الدينية الإسلامية لتربية النشء الباكستاني على مبادئ وأخلاق الإسلام. وأصبح هناك بضعة عشر ألف مدرسة إسلامية تدرّس القرآن وعلوم الشريعة. وقد تخرّج ملايين الباكستانيين فيها، وأصبح هؤلاء دعاة يبثون دعوتهم للتمسك بالإسلام الحنيف في كل أرجاء باكستان. وأثناء الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1980، أصبح هؤلاء الدعاة نواة حركة الجهاد التي رعتها الولاياتالمتحدة لإخراج السوفيات من الأرض الأفغانية. وتمَّ رفد هؤلاء بآلاف المجاهدين من المنطقة العربية، مما أدى إلى خلق حالة جديدة، هي حالة المجاهدين الأفغان. وبعد انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان عام 1989، سيطر المجاهدون على أفغانستان، ولم تلبث أن وقعت الخلافات بينهم، مما دفع بإسلاميي باكستان إلى تشكيل حركة طالبان التي حظيت بدعم الحكومة الباكستانية، وتوصّلت إلى الحكم في كابل، وسيطرت على معظم أفغانستان. وبدا أن هذا المشروع الإسلامي الوليد سيصل إلى مداه من خلال إحكام السيطرة على كامل أفغانستان، وبالتالي الالتفات إلى تحقيق الأمن والازدهار في تلك الربوع. لكن وقعت أحداث 11 سبتمبر عام 2001، فانقلبت الطاولة فوق رؤوس المجاهدين، حيث قادت الولاياتالمتحدة تحالفاً دولياً لملاحقتهم في أفغانستان وفي غيرها من دول العالم. ولما كانت باكستان الحاضنة الأولى للمجاهدين نظراً لكثرة خريجي المدارس الإسلامية فيها. فقد انصبّت الضغوط الأميركية والغربية على الحكومة الباكستانية لدفعها إلى فك ارتباطها بالنهج الإسلامي السائد في باكستان بدعوى أن هذا النهج يشجع على ما يسمى «الإرهاب»، فاتخذت الحكومة الباكستانية قراراً بإغلاق المدارس الدينية. وقد رفض التيار الإسلامي العريض في باكستان هذا القرار واعتبره انتقاصاً من السيادة الباكستانية. غير أن الحكومة أصرّت على تنفيذه، مما أدى إلى تنامي الغضب بين صفوف الإسلاميين على الحكومة. وانفجر هذا الغضب على شكل اعتصام حدث في المسجد الأحمر في إسلام آباد، وهذا الاعتصام تحوّل إلى تمرّد انتهى بكارثة. والواقع أن تداعيات هذه الأحداث ستكون خطيرة على باكستانوأفغانستان معاً، حيث ستزداد العمليات ضد قوات الاحتلال الأميركية والغربية في أفغانستان. كما أن التيار الديني الباكستاني سيشرع في محاربة الحكومة الباكستانية بهدف القضاء عليها وإقامة حكومة إسلامية مكانها. وقطعاً، ستكون هذه مهمة صعبة، ولكنها غير مستحيلة، خصوصاً إذا نجحت المقاومة الإسلامية الأفغانية في طرد القوات الغازية من أفغانستان، وقامت بتشكيل حكومة إسلامية هناك. وإذا حدث ذلك، وهو أمر بات متوقعاً جداً، فإن فرص الإسلاميين الباكستانيين في الوصول إلى السلطة في باكستان ستصبح كبيرة للغاية. ومع حصول هذه التغيرات، فإن التوازنات الاستراتيجية القائمة حالياً في شبه القارة الهندية، سوف تختل مما سيؤدي إلى اندلاع حرب حتمية بين الهند وباكستان. ومثل هذه الحرب لن تقرر مصير شبه القارة الهندية فقط، بل سترسم مستقبل المنطقة الإسلامية والعالم أجمع. عن صحيفة الوطن القطرية 1/8/2007