لا خلاف على أن السوريين ينظرون إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنها العدو الأول, الذي يحتل هضبة الجولان, ذلك الجزء الغالي من الأراضى السورية, المحتل من قبل الكيان الصهيونى منذ نكسة يونيو/حزيران 1967م.
وعلى الرغم من ربط سوريا مسار مفاوضاتها مع الكيان الصهيونى حول هضبة الجولان بالملف الفلسطينى خلال تاريخ صراعها مع إسرائيل, ودخولها حرب 1973 من أجل استرداد الأرض المحتلة, إلا أن الكثيرين يتساءلون عن سبب إحجام السوريين سواء من بداخل الأراضى المحتلة من هضبة الجولان أو خارجها عن القيام بعمليات فدائية وعسكرية ضد المحتل الإسرائيلى؟
فمنذ حرب أكتوبر 1973 لم يحاول السوريون - ولو مجرد المحاولة - تنفيذ عمليات ضد المحتل الصهيونى, كالعمليات الفدائية التى كان يقوم بها المصريون أثناء احتلال الصهاينة لسيناء, أو كالعمليات الاستشهادية التى قام بها حزب الله فى لبنان ضد المحتل الصهيونى لجنوب لبنان - بمساعدة سورية - أو تلك التى يقوم بها الفدائيون فى فلسطينالمحتلة, على الرغم من الاستفزازت المتكررة للعدو الصهيونى.
أدرك تماماً حجم وتداعيات أى عمل تقوم به دولة بحجم سوريا ضد الكيان الصهيونى, قد يؤدى إلى حدوث حرب ضروس بينها وبين الكيان الصهيونى, ولكن أدرك أيضاً أن هناك أرضاً مغتصبة من قبل محتل لا يفى أبداً بتعهداته, والتزاماته, وأنه لا بد من وجود مقاومة شعبية داخل هضبة الجولان, أو خارجها تقوم بمثل هذه المهمة.
وتشهد الدبلوماسية السورية هذه الأيام نشاطاً ملحوظاً, خاصة على صعيد العلاقات السورية الأمريكية, والتى بدأت تأخذ منحنى أكثر هدوءاً, بعد التوتر الذى شابهها, خلال فترة حكم الرئيس السابق جورج دبليو بوش. وكان من ثمار هذا الهدوء قيام الإدارة الأمريكية بتخفيف العقوبات عن سوريا.
وتحاول الإدارة الامريكية من خلال استقطابها لسوريا - الحليف الأقوى لإيران فى المنطقة - تحاول تغيير خريطة التحالفات فى الشرق الأوسط, خاصة مع صدور تقارير عن اقتراب توجيه ضربة عسكرية أمريكية - إسرائيلية ضد إيران, وهو ما أكدته نتائج الاجتماع الأمريكى الاسرائيلى الذى عقد فى إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية, الذى أقر تشكيل طاقمين إسرائيلي أميركي لبحث ما وصفه ب"التهديدات الإيرانية", وهو نفس الاجتماع الذى لم يتم خلاله التوصل إلى اتفاق حول قضية بناء المستوطنات, فى فلسطينالمحتلة, مما ينفى التقارير التى أشارت إلى أن الهدف من التقارب الأمريكى مع سوريا, مساعدتها في التوصل لاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين.
وتوافق ذلك مع مصادر فرنسية واسعة الإطلاع أفادت أن سورية "لن تلتزم بشيء ولن تخطو أي خطوة قبل أن يتحقق لها أمران:
والثاني أن تحصل على تعهد إسرائيلي مبدئي بالانسحاب من كل هضبة الجولان المحتلة، على أن يترك برنامج الانسحاب والتفاصيل والتدابير الأمنية المرافقة للمفاوضات اللاحقة".
ومن الأسباب القوية الأخرى التى دعت الولاياتالمتحدة إلى تحسين علاقتها مع سوريا رغبة الإدارة الأمريكية مساعدة سوريا على تحقيق الاستقرار في العراق.
وبغض التظر عن الأسباب الحقيقية لمحاولة أمريكا تحسين علاقتها مع سوريا, فإن على الإخوة السوريين أن يدركوا بأن الأمريكيين لا يسعون إلا لتحقيق مصالحهم الخاصة, والتى هى نفسها المصالح الصهيونية, فالأمريكيون لن يستطيعوا فرض أى حلول على الكيان الصهيونى, من شأنها إعادة هضبة الجولان السورية المحتلة.
مشكلة هضبة الجولان السورية المحتلة تكمن فى أن النظام السورى اعتمد وبصورة كبيرة خلال الفترة السابقة, وتحديداً منذ حرب رمضان 1973, على أطراف خارجية, فى صراعها مع الكيان الصهيونى, فسوريا اعتمدت فى فترة من الفترات على ما يسمى بدول الاعتدال العربى, ثم استبدلتها بإيران, وها هو الآن -أي النظام السوري - يستبدل أمريكا بإيران, دون النظر إلى ما قد يقدمه الداخل السوري تجاه قضية الجولان المحتلة.
فعلى الإخوة السوريين أن يدركوا أنه لا سلام محتمل مع العدو الصهيونى, لا في ظل الإدارة الأمريكية الحالية, أو غيرها, فغربان الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها, وأن ما يبدر من مرونة تجاه هضبة الجولان المحتلة, ما هو إلا خطة تحاول من خلالها كسب ود وتأييد العرب تجاه صراعها العسكرى المحتمل مع إيران, فما تقوم به الآن لا يخرج عن مناورة جديدة فى مسار المفاوضات, لكسب مزيد من الوقت, والاستفادة منه فى موضوع الملف النووي الايراني .
فعليكم ألا تنسوا ما قاله رئيس الكيان الصهيونى - الذى وصفه والده بأنه كذاب - فقد أعلن خلال حملته الانتخابية الأخيرة أن إسرائيل سوف ُتبقي على مرتفعات الجولان, وتحتفظ بها باعتبارها رصيدا استراتيجيا, فالجولان حسب قول رئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي موشيه يعلون "هى الأوكسجين للدولة لليهودية، والتخلي عنها هو انتحار لدولة إسرائيل".
فما أخذ القوة لا يسترد إلا بالقوة, فتاريخ العرب مع إسرائيل لم يشهد أن استرجعت فيه أي أرض مغتصبة بالتفاوض, فالمصريون لم يسترجعوا سيناء إلا بالحرب, كما أن الجنوب اللبناني لم يتحرر إلا بعد مقاومة باسلة.
أرجو أن تشهد الفترة المقبلة دوراً أكبر للأبطال الصامدين فى هضبة الجولان المحتلة, وأن يكون لهم الدور الأكبر فى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لتلك البقعة الغالية من أرضنا العربية.