حكومة لبنانية 100% مصنوعة في الخارج سعد محيو هل كان الرئيس السنيورة، ومعه الخارجية الأمريكية، على صواب حين قالا إن تشكيل الحكومة الجديدة كان “صناعة لبنانية مائة في المائة"؟
اذا ما كان الأمر كذلك، فهذا لن يكون مدعاة للاطمئنان. لا بل هو مدعاة للقلق أيضاً !
فلبنان، وطيلة تاريخه الحديث، كان يثبت مراراً وتكراراً بأنه غير قادر على حكم نفسه بنفسه. وحين تسنح له الفرصة لذلك، كان يسقط سريعاً في لجج الفوضى والحروب الأهلية الساخنة منها والباردة.
على سبيل المثال، حقبة السلام والاستقرار المديدة الوحيدة في هذا التاريخ برزت بعد اتفاق الدولة العثمانية مع خمس دول أوروبية (فرنسا، بريطانيا، النمسا، روسيا وبروسيا) العام 1864 على تسوية داخلية لبنانية، تم خلالها أول تقسيم للسلطة على أسس طائفية. هذا السلام استمر نحو 50 عاماً، ليس بسبب “لبنانية اللبنانيين"، بل لأن كثرة الدول الكبرى المشاركة فيه ضمنت قدرته على الاستمرار.
حقبة الاستقرار الثانية كانت في ظل العهد السوري( 1990- 2004 ) الذي نال شرعيته هو الآخر من اتفاق الطائف الدولي- العربي ( أمريكا، السعودية.. الخ)، ونجح في حمل قادة الطوائف اللبنانية على تقنين صراعاتهم داخل أطر سلمية. وكذا حدث قبله في فترة الانتداب الفرنسي (1920- 1943)، حيث لم تسجل أعمال عنف بارزة، برغم المرحلة الانتقالية الدقيقة من الحكم العثماني الى السلطة الاستعمارية الفرنسية.
وحدها حقبة الاستقلال( 1943-1975) شهدت سلسلة لم تنقطع من الأزمات الداخلية العنيفة، التي توّجت بحرب أهلية شاملة العام 1975 كادت أن تقضي على الكيان اللبناني برمته.
كل هذه الوقائع تصب في خانة يتيمة واحدة: النظام الطائفي اللبناني، المستند الى صيغة تقاسم السلطة بين الطوائف (أو بالأحرى بين النخب الطائفية الحاكمة) فشل طيلة 150 سنة في التطور الى نظام ديمقراطي حقيقي يستند الى فكرة الدولة- الأمة.
الباحثة اللبنانية البارزة ماري جويل زهار، لاحظت في دراسة لها بعنوان: “تقاسم السلطة في لبنان"، أن هذا الأخير يضطرب حين يستقل، ويستقر حين لا يكون مستقلاً. وتاريخه يدل على أنه في حاجة دائمة لأن يكون “محمية أجنبية".
أين حديث الرئيس السنيورة، ومعه الخارجية الأمريكية، عن “صناعة لبنانية مائة في المائة" للحكومة الجديدة، من كل هذه المعطيات؟
انها محض خيال. خيال رغائبي بالتحديد. فصيغة الحكومة لم تولد في بيروت “اللبنانية" بل في الدوحة الدولية- الاقليمية. وما ترك للبنانيين ليفعلوه في بيروت، لم يكن أكثر من تناتش هامشي لبعض الحقائب الوزارية. والتشكيلة الحكومية ذاتها، تعكس التوازنات الإقليمية - الدولية الراهنة اكثر بكثير من تمثيلها للتوازنات الداخلية اللبنانية. وعلى أي حال، هذه الحقيقة ستبرز بجلاء بعد قليل، حين يتبيّن أن “حكومة الوحدة الوطنية" لن تكون في الواقع سوى حكومة “الصراعات الوطنية" التي ستكون في حاجة دائمة الى “قاض" خارجي ليحكم بين اطرافها.
الى متى يمكن أن يستمر وضع “لبنان القاصر" هذا؟ حسناً. انه استمر 150 عاماً، ولا شيء يمنع استمراره 150 سنة أخرى! عن صحيفة الخليج الاماراتية 14/7/2008