حول رؤيته لطبيعة العلاقة التي ستحكم الحضارات في المستقبل، أشار أستاذ العلوم السياسية الأمريكي صامويل هنتنجتون في كتابه الشهير "صراع الحضارات" إلى أن اللاعبين السياسيين المركزيين في القرن الحادي والعشرين لن تكون الدول القومية بل الحضارات والثقافات الكبري , وبالفعل وفي بدايات القرن الواحد والعشرين قام الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش, بإعلان حرب صليبية جديدة على العالم الإسلامي, بعد التمثيلية الخديعة وهي قصف وتفجير برجي التجارة العالميين .
وبعد مرور ما يقارب العقد من الزمان, وخلال خطابه الذي ألقاه للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه جاء إلى القاهرة للبحث عن بداية جديدة لعلاقات أفضل بين الولاياتالمتحدة والمسلمين حول العالم، استنادا إلى ما وصفه بالمصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، بين الطرفين, والتي رأى بأنها مبنية على أساس حقيقة أن الطرفين لا يعارضان بعضهما بعضاً، وأن لهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها، ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة الإنسان.
كما أشار الرئيس الأمريكي إلى أن إدارته تعمل على تأسيس مشاريع جديدة تطوعية في أمريكا من شأنها التقريب فيما بين المسيحيين والمسلمين واليهود, واستبشرنا خيراً بذلك, وبالفعل بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية مشاريع التقارب مع العالم الإسلامي ولكن بصورة عكسية ,وذلك بعمل فيلم سينمائي ضخم تعرضه دور السينما الأمريكية, عنوانه "رجم ثريا", وصنّاع الفيلم يتهمون من خلاله الشرع الإسلامي بالوحشية من خلال قصة رجم امرأة يتهمها زوجها بالزنا ليتخلص منها ويتزوج من أخرى.
ويحتوي الفيلم على مشاهد تتهم الإسلام بالوحشية، خاصةً مشهد رجم "ثُريا" حتى الموت، والذي قُدم للمشاهد بأدق تفاصيله بدايةً من الشروط الواجبة في الحجارة التي يجب أن تكون صغيرة حتى لا تتسبب في الوفاة بسهولة وبسرعة ليستمر العذاب لساعات، ونهايةً بنقل كل مشاعر الألم التي يمثلها هذا العقاب على مشاهديه.
وأثناء حملة باراك أوباما الانتخابية رفض المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية التقاط صورة له مع فتاتين محجبتين، خلال مؤتمر انتخابي في ولاية ميشيغين، خشية استخدامها ضده من قبل حملة منافسه الجمهوري , وعلى الرغم من اعتذار المتحدث الرسمي باسم حملة أوباما الانتخابية عن قرار المنع, إلا أنه أظهر حجم ما يعانيه المسلمون في أمريكا, وأن التوجه العام هناك ضد كل ما هو مسلم, حيث يعاني المسلمون في أمريكا بالتهميش؛ بسبب إيمانهم وعقيدتهم, كما أظهر أن التوجه السياسي مرتبطٌ بالبعد الديني حتى في الدول الغربية التي تدّعي فصل الدين عن الدولة .
وعلى الجانب الآخر من العالم, وفي أوروبا, أصدرت "منظمة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية" تقريراً في أواخر شهر مايو الماضي أوضحت من خلاله أن ثلث المسلمين في بلدان الاتحاد عانوا من التمييز ضدهم في السنة الماضية 2008، علماً أن العديد منهم لا يتقدم بشكاوى لانعدام ثقتهم في السلطات، وتعرّض 11 في المائة من المشتكين إلى جرائم ذات دوافع عنصرية.
من الأشكال العنصرية التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا, قيام الأحزاب اليمينية في النرويج بتنظيم حملات ضد تزايد الوجود الإسلامي، الغرض منها ترويع الشعب النرويجي وإبعاده عن صداقة الجالية الإسلامية ومحاولة اندماجها في المجتمع.
وتزعُم تلك الأحزاب, والتي يترأسها حزب الخطوة للأمام أنه في عام 2085 سوف يحصل المسلمون على غالبية سكان البلاد ويقومون بحكمها, ضمن مشروع "لأسلمة النرويج", مما يعرض المجتمع النرويجي "المنفتح" للتهديد, حيث سيقوم المسلمون بتحريم الخمور, وسيتزوجون من عدة نساء, وسيقتلون الشواذ, وسيرجمون الزناة, وغير ذلك من أحكام الشريعة الإسلامية التي سوف تطبق على الشعب النرويجي, رغم أن نسبة الجالية المسلمة لا تتعدى 5% من الشعب النرويجي !
وفي فرنسا هاجم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الحجاب, واصفاً إياه بأنه يشكّل "علامة استعباد" للمرأة وأن ارتداءه "غير مرحّب به" في فرنسا.
وفي ألمانيا استُشهدت مواطنة مصرية مسلمة بعد تعرُّضها لاعتداء من مواطن ألماني انهال عليها طعناً بسكين داخل إحدى المحاكم الألمانية بمدينة دريسين, كما أصيب في الاعتداء زوجها الذي أطلق عليه الرصاص من جانب الشرطي الموجود داخل القاعة , وقد جاء الحادث العنصري بسبب ارتدائها الحجاب حيث كانت تحضر وقائع جلسة محاكمة استئناف رفعها القاتل عليها بعد أن غرّمته محكمة سابقة 800 يورو لاعتدائه على الشهيدة من قبل ومحاولته نزع حجابها.
الحادث في ظاهره فردى من رجل متطرف, ولكن في باطنه يعكس الكثير, خاصة مع عدم تدخل الأمن الألماني إلا في اللحظات الأخيرة, وبعدما استطاع المجرم الألماني من طعنها عدد كبير من الطعنات بلغ 18 طعنة, وعندما تدخل زوجها لإنقاذها قام الأمن الألماني بإطلاق النار على الزوج, بعد أن عاجله القاتل ب 3 طعنات شديدة في الكبد والرئة, كما تروّج وسائل الإعلام الألمانية حالياً بأن القاتل المتطرف يعاني مرضاً نفسياً وهو تمهيد لإخلاء سبيله .
وبعد توليه الرئاسة الأمريكية حاول الرئيس باراك أوباما أن يبدأ مرحلة جديدة مع المسلمين, فأصدر تعليماته لإدارته ومساعديه بأن يبحثوا في الأسباب التي أدت إلى كراهية المسلمين لبلاده, ومحاولة تطويع كافة الوسائل لحل تلك الأسباب, كما قام بتعيين مستشارة مسلمة محجبة في مجلسه الاستشاري الخاص بالأديان المكون من ممثلي 25 طائفة وشخصيات علمانية، مهمتها إطلاع الرئيس أوباما كيف يفكر المسلمون وماذا يريدون من الولاياتالمتحدة, كما قام بعدة جولات في البلدان الإسلامية لنفس الغرض.
ويبقى دورنا نحن العرب والمسلمين. فيجب أن نسأل أنفسنا لماذا يكرهنا الغرب؟
الناظر لمجمل الحوادث, وردود الفعل السابقة الذكر, سيجد أن علاقتنا مع الغرب تنقسم إلى شقين؛ الشق الأول عنصري, وهذا لا يمكن إنكاره, وهو ناتج عن الشق الآخر, المتمثل في الخوف من الإسلام والمسلمين, أو ما يطلق عليه ب "الإسلاموفوبيا", خاصة بعد استغلال اليهود لأحداث الحادي عشر من سبتمبر في تشويه صورة الإسلام.
والمسؤولية هنا مسؤولية مشتركة, بين الشعوب العربية والإسلامية, وحكوماتها, فعلى الأفراد أن يدركوا جيداً أنهم يمثلون دينهم وبلدانهم في الدول الغربية, فبدلاً من أن يقوم إخواننا العرب بإنفاق أموالهم, وهي أموال طائلة في أماكن الفسق والفجور, كالكباريهات, وما شابه, و هذه الأفعال تسيء يلاشك للعرب والمسلمين, يمكنهم الكف عن تلك الأفعال وإنفاق الأموال في نشر الصورة الحقيقية للمسلم, والإسلام في الغرب.
وبدلاً من أن يقوم المستثمرون العرب بإنشاء قنوات تساعد على نشر الرذيلة بين الشباب المسلم, عليهم أن يتعاونوا في إنشاء قنوات إسلامية, أو حتى على الأقل إنشاء برامج وحملات إعلانية, في الدول الغربية تساعد في تصحيح صورة الإسلام لدي الغربيين .
وللمؤسسات الدينية دور هام في الأمر, فيجب عليها أن تخرج دعاة يواكبون تغيرات العصر, ويمتلكون اللغات الأجنبية, حتى يسهل عملية التواصل مع الآخر.
أما بالنسبة للحكومات العربية والإسلامية فيجب عليها أن تبدأ بخطوات حقيقية لعملية الديمقراطية, عن طريق ترسيخ مبادئ الحكم الصالح, والعمل على نشر مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية في جميع نواحي الحياة، والبدء بمصداقية في تنفيذ برامج التنمية, والشفافية ومحاربة أي شكل من أشكال الفساد, فالمسلم في الغرب لن يحظى باحترام تلك الدول, وشعوبها, إلا عندما توفر له حكومته هذا الاحترام في بلده الأصلي.