نوبة جديدة من نوبات الوهم...! طلال عوكل أخيراً، وبعد تردد طويل وتأخير، قررت إسرائيل استقبال وزيري خارجية مصر الدكتور أحمد أبوالغيط ونظيره الأردني عبدالإله الخطيب، اللذين قاما بزيارة مشتركة بتكليف من لجنة المتابعة العربية عن القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في مكة في مارس هذا العام.
الوزيران قدما عرضاً للمبادرة العربية، من حيث كونها مرجعية الموقف العربي المتفق عليه، ومن حيث إنها تشكل أساساً صالحاً للتفاوض، قبلته الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، باعتبارها وثيقة يمكن الاعتماد عليها بالإضافة إلى خارطة الطريق التي تجري العودة إليها بين الحين والآخر، بينما تتمسك الإدارة الأميركية بجوهرها المتمثل برؤية الدولتين.
في ما مضى كانت إسرائيل قد ربطت وضوح الموقف من المبادرة العربية، بإطار الاتصال العربي الذي سيقوم بشرحها للجانب الإسرائيلي، وبحيث يشمل دولاً عربية أخرى لا تقيم علاقات مع إسرائيل، خصوصاً السعودية. المنطق الإسرائيلي يعود بنا إلى سؤال سابق طرح خلال مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ويقضي بأن تتم عملية التطبيع مع العرب قبل التوقيع على أية اتفاقات يجري التوصل إليها.
على أن النقلة في الموقف الأميركي التي أعلن عنها الرئيس الأميركي جورج بوش في بيانه يوم الاثنين السادس عشر من الشهر الجاري، وجعلته يدعو إلى اجتماع دولي في الخريف القادم، لبلورة رؤية الدولتين وفتح آفاق أمام العملية السياسية، تلك النقلة أحدثت في إسرائيل حراكاً سياسياً، ربما لا يخرج عن إطار المظهرية أو لعبة العلاقات العامة.
إعلان بوش تلاه اجتماع للرباعية الدولية في العاصمة البرتغالية لشبونة، لم يصدر عن شيء سوى تحديد صلاحيات وحدود تحرك رئيس الوزراء البريطاني السابق، ومبعوث الرباعية الجديد توني بلير.
كان من الواضح أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، تريد أن تحتفظ لإدارتها بالسيطرة وحدها على الملف السياسي، وبأنها لا يمكن أن تفرط بهذا الملف حتى لواحد من أقرب حلفائها كالسيد بلير، والذي دفع موقعه السياسي كثمن لعلاقته بالإدارة الأميركية، ما أدى إلى إثارة غضب مواطنيه.
على أن تحديد صلاحيات مبعوث الرباعية الجديد حصراً بمساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية على إعادة بناء مؤسساتها المدنية والأمنية، وحشد الدعم الدولي لها، يعني أن السلطة غير مؤهلة بما هي عليه، لكي تتعامل بكفاءة مع فكرة إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة وذات سيادة وفق رؤية الرئيس بوش.
وفي الواقع فإن السلطة ومؤسساتها، وفي ضوء الأزمة العميقة التي تعاني منها الحالة الفلسطينية ومؤسساتها، وفي ضوء الأزمة العميقة التي تعاني منها الحالة الفلسطينية إثر الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس في قطاع غزة منتصف الشهر الماضي، هذه السلطة بما هي عليه، لا تشجع على بلورة رؤية دولتين، بقدر ما أنها تمد إسرائيل بالذخيرة اللازمة للحديث عن غياب الشريك الفلسطيني، وللحديث عن عدم أهلية الفلسطينيين لإدارة دولة، بعد أن فشلوا في إدارة حكم ذاتي.
وفي الحقيقة فإن الفلسطينيين ألحقوا بأنفسهم وبقضيتهم وبأهدافهم الوطنية أذى كبيراً، غير أنهم ليسوا المسؤولين وحدهم عما وصلوا إليه، وإنما تتحمل إسرائيل، ويتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة عما وصل إليه واقع الحال.
وإذا كانت زيارة بلير إلى رام الله وإسرائيل يوم الثلاثاء الماضي الرابع والعشرين من الجاري، تتصل بشرح صلاحياته ومهماته وآليات عمله أمام مستمعيه من الطرفين، والاستماع إلى آرائهم وملاحظاتهم، فإنه من المبكر الحكم على ما يمكن لتوني بلير أن يحققه قبل أن يمر بعض الوقت.
على أن بإمكاننا الجزم بأن بلير سيترتب عليه، لتحقيق تقدم في تنفيذ ما أوكل إليه، أن يواجه صعوبات من الطرفين. فإسرائيل غير مستعدة لتغيير أجندتها في التعامل مع الفلسطينيين إلى المستوى السياسي، وكل ما يمكن أن تقوم به سيظل في حدود الجوانب الإنسانية، والإجرائية، أما على الجانب الفلسطيني فإن تجاهل حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، يشكل بدوره عقبة كبيرة.
فبالإضافة إلى انه شخصياً يتبنى موقفاً حازماً إزاء حركة حماس، فإنه مضطر لأن يبدي التزاماً بشروط الرباعية التي تحظر التعامل مع حماس بوصفها منظمة إرهابية، وإلى أن تعترف بحق إسرائيل في الوجود، ونبذ ما يسمى بالإرهاب، والاعتراف بكل الاتفاقات السابقة التي أبرمتها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مع إسرائيل والمجتمع الدولي.
في ظل هذه التعقيدات يبدو أن الإدارة الأميركية أمام المحك العملي وخلال فترة قصيرة من الزمن لا تتعدى نهاية هذا العام، فبالإضافة إلى ما أعلنه الرئيس بوش بشأن الاجتماع الدولي، وبلورة رؤية الدولتين وفتح آفاق للعملية السياسية، كانت وزيرة خارجيته رايس قد أعلنت «أن لا شيء أكثر أهميه من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة».
تجاوباً مع هذه المناخات استبق أولمرت زيارة وزيري خارجية مصر والأردن إلى إسرائيل، بتصريحات أبدى خلالها الاستعداد لمفاوضات في إطار إعلان مبادئ يتم بموجبه الانسحاب من 90% من أراضي الضفة الغربية، والتخلي عن جزء من القدسالشرقية لتكون ضمن الولاية الفلسطينية بالإضافة إلى إبداء الاستعداد لتبادل بعض الأراضي.
تعيدنا أفكار أولمرت إلى ما سبق أن تم تداوله في كامب ديفيد في يوليو عام 2000، وبعدها في طابا بين فلسطينيين وإسرائيليين، عندما كان إيهود باراك رئيساً لحكومة إسرائيل، وأفكار الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، غير أن الثابت فيما تطرحه كل هذه الأفكار بما في ذلك ما يطرحه أولمرت، هو عدم العودة إلى خط الرابع من يونيو 1967، ورفض حق عودة اللاجئين.
في كل الأحوال ولكثرة ما يطرح من أفكار، فإن الفلسطينيين فقدوا الثقة بإمكانية تحقيق تقدم في عملية السلام، وكل ما يريدونه في هذه اللحظة ويسعون إليه، هو كيفية استعادة وحدتهم على مختلف المستويات، ذلك أن بقاء حالهم على ما هو عليه، لا يمكن أن يعيد صياغة آمالهم باتجاه تحقيق أهدافهم الوطنية. عن صحيفة البيان الاماراتية 28/7/2007