المحاولات لم تنقطع فالح الطويل لم تتوقف محاولات اليمين الإسرائيلي وحلفائهم في الولاياتالمتحدة وخارجها عن البحث عن طريقة تسهل على إسرائيل تنفيذ أهدافها البعيدة في قيام إسرائيل الكبرى. وهم مجمعون على أن هناك عقبتين أمامهم: هما أولا، ثبات الشعب الفلسطيني في أرضه على الرغم من سياسات إسرائيل العدوانية وتضييقها عليه الذي لا حدود له؛ والثاني، هو استقرار المملكة الأردنية الهاشمية؛ ونجاحها، على الرغم من الصعوبات، في مواجهة التحديات الاقتصادية الكبيرة؛ ودورها الإقليمي والدولي في الحفاظ على السلم الدولي والعمل على منع انهيار أسبابه. وقد عملت إسرائيل ما استطاعت حتى الآن على تفتيت هاتين الجبهتين، فكادت تنجح على الجبهة الفلسطينية حين رأت مخططاتها القديمة تترجم عملا على الأرض بالاقتتال بين منظمة التحرير وحماس، وبالانفصال السياسي بين غزة والضفة الغربية. وهو نجاح مؤقت حتى الآن تعمل على جعله نجاحا دائما باستمرار الاقتتال. أما على جبهة المملكة الأردنية الهاشمية فلم تنقطع محاولاتها على أكثر من جبهة. وسيلتها لذلك إحداث ضغط دولي وداخلي للقبول بقيام اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي مع الضفة الغربية يمكنها من تسفير الفلسطينيين إلى أراضي دولة الاتحاد شرقي النهر، ولو عبر اختلاق حالة نزاع معها، بعد قيام الاتحاد، يسهل لها ذلك. وقد قاوم الأردن الضغط بنجاح؛ وكان مرنا في موقفه الصلب، فجعله مشروطا بعدة شروط منها قيام دولة فلسطينية متصلة الأرض ذات سيادة قابلة للحياة تقوم على الأرض الفلسطينيةالمحتلة منذ سنة 1967؛ وقبول كلا الشعبين الأردني والفلسطيني في استفتاء يعقد لهذه الغاية؛ وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلا عادلا مقبولا من كلا الطرفين وفق شروط المبادرة العربية لآذار سنة 2002. لكن إسرائيل لا تقبل بهذه الشروط، فهي غير معنية بالسلام بل بالأرض، والشروط الأردنية تلغي نظام أولوياتها. لذلك توجهت لممارسة الضغط مباشرة عليه هذه المرة، ليس باستخدام أدواتها في امريكا وأوروبا، بل عبر إحداث خلخلة في الداخل الأردني، علها تنجح كما نجحت في فلسطين. طريقتها كانت بالتشكيك بصدق السياسة الأردنية وخلق فجوة بين المواطن الأردني وحكومته وقياداته. وثمة أمثلة سريعة يمكن إيرادها: أولا، الادعاء بأن الأردن ينحني للضغوط الأمريكية. فقد ظهر منذ أيام ذلك المقال الغريب في القدس العربي الذي يدعي اشتراك الأردن في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بناء على مبدأ قيام مملكة هاشمية أردنية فلسطينية، وربما إيجاد دور وظيفي أردني في فلسطين يسهل لإسرائيل تنفيذ أهدافها على الأرض. كان المقال حجرا في عتمة يضربه عاقل ليصيب مقتلا يعفي صاحبه من المسؤولية. وعلى الرغم من عبثية الفكرة والمقال، إلا أن الناطق الرسمي الأردني قد وجد نفسه مضطرا للنفي القاطع. وهو النفي الذي تكرر باستمرار ومنذ قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية سنة 1988، وهو سياسة رفض أي دور أردني كهذا في أي وقت وتحت أية ظروف. ولم ينحصر التشكيك بسياسة الأردن الفلسطينية وحسب، بل امتد ليستهدف صلب علاقة المواطنين بدولتهم ودفع بعضهم للإساءة له ولسمعته. وجاءت الحملة متوافقة، هذه المرة، مع اشتداد وطأة الحالة الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع اسعار النفط والتضخم والضغط على الموازنة وعلى قدرة الحكومة على التصرف وانعكاس ذلك على حياة الناس اليومية. ولذلك قرأنا بيانات اتهامية وتراجع عن البيانات، ثم استئناف إصدارها في ذات الموضوع، وتجاهل للوقائع المادية على الأرض لصالح التشكيك والإساءة، بما يضيف معاناة على معاناة في جو يستثير استعدادات بسيطة للخصومة ويضخم الأحقاد الصغيرة في بلد التسامح والاعتدال. ربما يتضح ذلك جيدا من مهرجان الأردن. فبعد أن دُعي الفنانون العرب لمقاطعة المهرجان بحجة شركة ببليسيز المعروفة، عادت نقابة الفنانين لتنفي حجتها للمقاطعة، وخاصة بعد تدخل جلالة الملك وتوضيح الأمور، ولكن ما لبثنا أن رأينا ست مؤسسات مدنية تطلق بيانا تدعو فيه للمقاطعة مرة أخرى بنفس الحجج القديمة، وكأن الأمر أكثر من مجرد بليسيز وأكثر حتى من مهرجان الأردن. خلق حالة سياسية داخلية مسيئة للأردن وسمعته وصورته في الخارج والداخل وتستعدي عليه، مطلوبة لإضعافه أمام الضغوط الخارجية. تحاول تكرار ما فعلته في فلسطين هنا. لكن الأردن ليس فلسطين. قارئو التاريخ الأذكياء يعرفون استحالة ذلك. وإسرائيل تعرفه وتتجاهله. أما الأردنيون فهم جميعا مؤمنون بالأردن أرضا ونظاما وسياسة، وبدوره الوطني والعربي، وقادرون على الدفاع عن قناعاتهم. وإجماعهم عليها إجماع مقدس لا تكون المواطنة مقبولة إلا باحترامه. عن صحيفة الرأي الاردنية 12/7/2008