العلاقات المصرية الأمريكية في مرحلة جديدة عبد الرءوف الريدي بينما تتسارع وتيرة السباق نحو البيت الأبيض بين كل من المرشح الديمقراطي باراك أوباما والمرشح الجمهوري جون ماكين, يواصل الرئيس الحالي جورج بوش لملمة أوراقه ويقوم بجولات توديعية في أوروبا وغيرها دون أن يلقي في هذه الجولات اهتماما كبيرا من الرأي العام في البلدان التي يزورها والتي تدنت فيها شعبيته مثلما تدنت في بلاده لتجعل منه أقل الرؤساء الأمريكيين شعبية في التاريخ الأمريكي الحديث. مع حلول مساء الرابع من نوفمبر(2008) بتوقيت أمريكا سيكون العالم قد عرف من الذي سيقود الولاياتالمتحدة في الأعوام الأربعة وربما الثمانية القادمة ابتداء من20 يناير2009 وهو يوم تنصيب الرئيس الجديد, ومن هذا التاريخ ستبدأ مرحلة جديدة في العلاقات المصرية الأمريكية وسيترك الرئيس الجديد أيا كان بصمته علي أحوال هذه المنطقة إن سلبا أو إيجابا. فعبر الأعوام الستين الماضية كان هناك رئيس أمريكي( ترومان) هو الذي مرر قرار تقسيم فلسطين فاشتعلت أولي حروب فلسطين التي شاركنا فيها عام1948, ثم كانت هناك حرب شنت علينا عام56 وقف فيها رئيس أمريكي ثان( أيزنهاور) ضد المعتدين, وأرغمهم علي الانسحاب, ثم كانت هناك حرب تآمر فيها علينا رئيس أمريكي ثالث( جونسون) مع المعتدين, ثم كانت هناك حرب أخري قام فيها رئيس أمريكي رابع( نيكسون) عاصرحرب أكتوبر وأنقذ فيها إسرائيل ولكنه ساند في مراحلها الأخيرة التوجه المصري نحو السلام, ثم تبعه رئيس أمريكي خامس( كارتر) قام بوساطة تاريخية في عقد أول اتفاقات السلام بين مصر وإسرائيل, ثم كان هناك رؤساء آخرون ترك كل منهم بصمته علي المنطقة بدءا من الرئيس ريجان الي الرئيس بوش الأب الي الرئيس كلينتون الي الرئيس الحالي الذي أشعل حروب الشرق الأوسط ولم يقدم خدمة حقيقية لقضية السلام. لن تكون أمام الرئيس الأمريكي الجديد حرية الاختيار بين أن يهتم أولا يهتم بقضايا هذه المنطقة, فهذه القضايا ستفرض نفسها عليه بل لقد أصبحت داخلة بشكل أو بآخر في أجندة العمل السياسي الأمريكي. هكذا أصبح الملف العراقي, والملف النووي الإيراني, وملف الحرب علي الإرهاب وحرب أفغانستان, وكذلك الصراع العربي الإسرائيلي, فضلا عن قضايا ارتفاع أسعار البترول.. الخ. ستكون قضية العراق بطبيعة الحال هي القضية الأولي لأنها التي تهم المواطن الأمريكي في الدرجة الأولي, وسيختلف أسلوب التعامل مع هذه القضية باختلاف شخص الرئيس الجديد, فلو كان الرئيس الجديد هو باراك أوباما فسيكون همه هو الخروج من العراق بصورة منظمة ومتدرجة بحيث لا تؤدي الي انزلاق العراق نحو الفوضي أو نحو حرب أهلية, أما لو كان الرئيس الجديد هو جون ماكين فلن يهمه الخروج بقدر ما يهمه أن يجعل من العراق عنصرا فعالا في إستراتيجية أمريكية تستهدف السيطرة علي الشرق الأوسط ككل... أما الهاجس الثاني الموازي لهاجس العراق فسيكون إيران وما الذي يمكن عمله لمنعها من الاستمرار في برنامج التخصيب النووي, وما هي حسابات اللجوء الي القوة سواء مباشرة بواسطة القوات الأمريكية أو بالوكالة عن طريق إسرائيل. ترتبط قضيتا العراق وإيران بقضيتين أخريين أولاهما قضية الإرهاب والحرب المرتبطة بها في أفغانستان للقضاء علي القاعدة وطالبان, وهي حرب لا تبدو لها في الأفق نهاية بل يبدو أنها تتسع لتمتد الي المناطق المتاخمة في باكستان, وسيكون موقف أوباما في هذه القضية موقفا قويا إذا أصبح رئيسا حيث يعتبر الحرب علي الإرهاب هي القضية الأولي التي يجب التركيز عليها وليست الحرب علي العراق. أما القضية الثانية فهي قضية بترول الشرق الأوسط الذي يمثل الجزء الأكبر من بترول العالم, وكيف يمكن إيقاف مسلسل الصعود في أسعار البترول, وهو ما ينعكس بشكل مباشر علي الاقتصاد الأمريكي وعلي المواطن الأمريكي. وإذا كانت كل هذه القضايا مترابطة إحداها بالأخري, فإنها في مجملها مرتبطة بالقضية الأزلية أو أم القضايا وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي التي تعهد أوباما أنه سيبدأ بالانشغال بها مع بدء إدارته دون أن يكون هناك تعهد مماثل من جانب المرشح الجمهوري جون ماكين, إلا أن قضايا الشرق الأوسط لن تكون هي فقط التي ستشغل بال الرئيس الجديد في المجال الخارجي مما يهمنا من قضايا, بل ستكون هناك قضايا أخري مثل قضايا السودان التي تتصدرها قضية دارفور التي أصبحت القضية الرمز التي يهتم بها المجتمع الأمريكي من أصل أفريقي, وهو المجتمع الذي أصبحت أهميته الانتخابية متزايدة في الحياة السياسية الأمريكية. إذا كانت تلك القضايا هي التي ستشغل بال الرئيس الجديد فما هي تلك القضايا التي تشغل بالنا..., ليس من شك أن قضايا الشرق الأوسط وأفريقيا التي ستتصدر اهتمام الرئيس الأمريكي الجديد هي قضايا تشغل بالنا أيضا, إلا أن مصر في هذه المرحلة منشغلة بأحوالها الداخلية أكثر مما هي منشغلة بالشئون الخارجية, هي منشغلة علي وجه الخصوص بالأوضاع الاقتصادية الصعبة خاصة قضايا أسعار البترول الذي أصبحنا نستورد جزءا منه وهي قضايا تؤثر فيها الولاياتالمتحدة بحكم كونها القوة الاقتصادية الأولي في العالم. هكذا تجد مصر نفسها ترقب بشغف واهتمام تلك الانتخابات الأمريكية التي ستأتي برئيس جديد وكونجرس جديد مع بداية العام الجديد هذا في الوقت الذي سيبحث فيه الرئيس الجديد عن القوي الإقليمية التي يستطيع أن يتشاور معها للتعامل مع أجندته الشرق أوسطية التي تتصدر أجندة سياسته الخارجية بشكل عام, وكل ذلك يطرح قضية دور مصر الإقليمي. في وقت من الأوقات كانت علاقات العديد من الدول العربية وبين واشنطن تمر عبر القاهرة, كانت الدول العربية التي تريد أن توثق علاقاتها بالولاياتالمتحدة تستعين في ذلك بالقاهرة, كما كانت الولاياتالمتحدة تسعي للتعرف علي رأي مصر وتحرص علي الاستماع الي نصائحها في كل أو أغلب ما يجري في المنطقة. كانت مصر والولاياتالمتحدة هما اللتان وضعتا معا إطارا إقليميا لتحقيق السلام في الشرق الأوسط تمثل في مؤتمر مدريد الذي انعقد في أكتوبر1991, وكانت المعونة التي تحصل عليها كل من مصر وإسرائيل متقاربة في أرقامها كما كانت مرتبطة إحداها بالأخري, وكانت الولاياتالمتحدة إذا أرادت أن تزيد من معونتها لإسرائيل تحت الضغوط الداخلية أو غيرها فإنها كانت تزيد من معونتها لمصر بنسبة مقاربة بسبب هذا الارتباط, وكان ذلك كله يجري في أجواء تقدير أمريكي لدور مصر الإقليمي. لقد تغيرت هذه الأوضاع وتراجعت العلاقات المصرية الأمريكية وأصبحت المعونة التي تقدم لإسرائيل ضعف المعونة التي تقدم لمصر, كما أصبح الكونجرس الأمريكي يحجب جزءا من المعونة العسكرية لمصر وهي التي لم يكن يمسها أحد من قبل, لأن الكونجرس يريد أن يرسل رسالة أو رسالات لمصر اتصالا بأوضاع مصرية داخلية, وبات الإعلام في كلا البلدين خاصة بعد مجيء الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش ساحة خصبة للهجوم المتبادل, وفي بعض الأحيان يصل الي حد التجريح الشخصي... وباتت العلاقات بين البلدين تتسم بالجفاء حتي علي مستوي القمة كما بدا واضحا أثناء زيارة جورج بوش ا لأخيرة لشرم الشيخ والتي سبقتها مباشرة زيارة لإسرائيل كال فيها الإطراء للحليف الإستراتيجي إسرائيل... وهكذا توترت علاقات مصر مع كل من المؤسستين اللتين تشاركان في صنع القرار الأمريكي, وهما مؤسسة الكونجرس ومؤسسة الرئاسة.. وكانت إسرائيل ولا تزال هي المستفيد الأكبر من تراجع العلاقات المصرية الأمريكية, وأصبح اللوبي المشايع لإسرائيل في واشنطن يعمل بشكل سافر علي إفساد أجواء هذه العلاقات ويصب الزيت علي النار. تأتي الانتخابات الأمريكية التي تجري في خريف العام الحالي لاختيار رئيس جديد وكونجرس جديد لتقدم فرصة لفتح صفحة جديدة بين البلدين.... إلا أن فتح هذه الصفحة لن يكون بالأمر السهل لا من ناحيتهم ولا من ناحيتنا... فلقد تراكم بالتدريج عبر الأعوام الثمانية الأخيرة إرث من الجفاء, وغزا مؤسسات الفكر أشخاص ذوو نظرة سلبية تجاه مصر وظهرت قضية الديمقراطية وقضايا أخري مرتبطة بها علي الساحة الإعلامية الأمريكية بما يلقي بظلاله حول صورة مصر لدي الرأي العام الأمريكي. وبرغم ذلك فإن الإرادة المشتركة المبنية علي اقتناع وتقييم للمصلحة الوطنية مصلحتهم ومصلحتنا يجب أن تقلب صفحات الأعوام الماضية وتفتح صفحة جديدة. لقد سقطت نظرية المحافظين الجدد التي كانت تقوم علي الانفراد بالقرار وعدم التشاور مع الآخرين... وهناك ما يشبه الإجماع في الرأي بين المتتبعين للشأن الأمريكي علي أن الولاياتالمتحدة لن تستطيع أن تعمل بمفردها بنفس الطريقة التي عملت بها الإدارة الحالية خاصة في سنينها الأولي. وأن عصر القرار الأمريكي المنفرد قد انتهي, بل هناك من يري أن العالم الآن هو عالم بلا أقطاب. في هذه المرحلة الجديدة سيكون دور مصر الإقليمي هو المفتاح لبناء علاقات جديدة مع الرئيس الجديد والكونجرس الجديد, ويأتي نجاحنا في التوصل الي اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل ليؤكد دورنا ولكن دورنا لا ينبغي أن يتوقف عند حدود غزة فدور مصر هو أرحب وأكبر. عن صحيفة الاهرام المصرية 7/7/2008