غزة ليست بلد طائفي ولا بلد توجد فيه تعدد ديانات فالغالبية العظمى من المسلمين السنة ولكنها بلد الأحزاب السياسة و الفصائلية كل له رجاله وكل له أهدافه مع أن الهدف الموحد يفترض أن يكون مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أرض الوطن , و يفترض أن يكون هذا عنصر التوحيد الوحيد بين كافة الأحزاب , إلا أن الانقسامات الأخيرة و التناحر على السلطة بين اكبر فصيلين فلسطينيين لم تتمحور في قالبها السياسي فقط بل وصلت إلى كافة عناصر و مكونات المجتمع الفلسطيني وصلت إلى البحر.
لقد أدهشني منظر المعرشات المخصصة للمصطافين على البحر , إنها ببساطتها جميلة و توحي بالدفء و الحب و الراحة إلا أنني أزعجت كثيرا عندما لامس ناظري ألوان الرايات المرفوعة أعلاها فمنهم من رفع راية الحزب الفلاني و الأخر رفع راية الحزب الثاني وقليل منهم رفع راية الوطن و هذا ما جعلني أفكر في لون مياه البحر أكثر ؟ لمن ستكون؟ , هل قسمت أيضا و وصلها التحزب أم إنها مازالت بلون السماء؟ لا طبعا إن الطبيعة لا تفهم لغة الأحزاب و لا يتغير لونها حسب لون راية الحزب الغزى ولا تتحدث بالسياسة كما يفعل من يسبح فيها.
انه ليس البحر وليس المعرشات وليس السيارات وليس المتاجر وليس البيوت وليس الشوارع وليس الأزقة وليس الأسواق وليس الإعراس وليس المحطات الإعلامية و الفضائية و المواقع العنكبوتية من يخيفني, بل يخيفني أن تصل الانقسامات السياسية إلى المؤسسات التربوية التي يجلس على مقاعدها , أبناء الفقراء و الأغنياء, أبناء الشهداء و المعتقلين و أبناء المجتمع, إنهم أبناء الوطن الواحد فلسطين. إننا مقبلون على عام دراسي جديد و قد يكون هذا العام مختلفا عن باقي الأعوام الماضية و خاصة بعد ما حدث في غزة من اختلاف و انقسام و تشتت و ابتعاد عن ما يحقق لنا الرضي الوطني و يجعلنا نؤمن بسلامة الموقف الفلسطينيبغزة و خوفنا أن تصدر هذه الانقسامات و الاختلافات إلى مؤسساتنا التربوية و ينقسم الطلاب و المعلمون مما يستحيل معه حدوث تعلم مدرسي سليم.
إن مدارسنا و مؤسساتنا التربوية و التعليمية شيدت لتلقى العلم و المعرفة و هي البيئة الحقيقية التي تنمو فيها مدارك الطلاب و هي المكان الأنسب للوحدة و المحبة و التكامل و التفاهم , فمن هذا المنطلق نخشى على مؤسساتنا أن تصبح بيئة لممارسة السياسة وتعميق الاختلاف وممارسة الحزبية و تأكيد الانقسامات التي لن تقود إلى نجاح و لا فلاح و لا تقدم معرفي طوعي أو غير طوعي .
نعم إن المجتمع مصدر من مصادر انتقال المشكلات إلى المؤسسات التربوية من مدارس و جامعات و معاهد و خاصة أن هذه الانقسامات وصلت الوزارات و المؤسسات الخدماتية المجتمعية و أصبح كل من فيها يفكر من معه و من ضده ومن من حزبه ومن من الحزب الأخر ولكن نتمنى أن لا تصل لصفوف الطلاب و المعلمين و حينها سنخسر جميعا مستقبل أولادنا .
قد يعتقد البعض إن سلطة ما هي المسئولة عن تحيد مدارسنا وطلابنا عن السياسة و يعتقد البعض إن حزبا ما سيكون هو المسئول عن تفشي ظاهرة التعاطي الحزبي بالمؤسسة لكن ليس هذا هو السبب الوحيد بل إننا كتربويين ومعلمين و سياسيين و كتاب و أولياء أمور و قادة مجتمعين و أعضاء مجلس تشريعي و رؤساء بلديات ورؤساء جمعيات وطنية و مجتمعية نتحمل المسؤولية الكاملة تجاه ذلك .
أن تطويق المشكلات المتوقع حدوثها بالمدارس و الجامعات و العمل على حلها من منطلق تربوي وليس حزبي من شانه أن يقلل نسبة تكرار بعض حالات الاختلاف في الرأي بين الطلبة و تكرار المشكلات نفسها و ازدياد أثارها الجانبية و من شانه أن يساهم في تقبل الرأي المضاد و الرأي الأخر بل و الوصول إلى اتفاق في الآراء دون تنافر ولا اختلاف. ولكي نطوق و نحاصر الممارسة السياسية و الحزبية داخل المدارس لا بد و أن يترك كافة العاملين بالمدرسة انتمائاتهم الحزبية خارج المدرسة و أن ينتبهون لتنمية طلبتهم على أ ساس تربوي سليم و ليس على أساس حزبي مدمر و أن يعززوا الانتماء الوطني بدلا من الانتماء الحزبي كما و يبرهنوا لطلبتهم بان العمل الحزبي بالمدرسة سيعود بالخراب على المدرسة وطلابها ويكونوا مثلا لذلك .
أما عوامل الوحدة و الإخاء فهذه الأسس التربوية التي تعطى المسيرة التربوية انطلاقة حقيقية و تحقق نتائج ذات فائدة عليا للمجتمع و المسيرة التربوية , لذا يتطلب هذا الأمر من مدراء المدارس و المعلمين تخطيط أنشطة تربوية تؤكد أوجه الوحدة الوطنية و تعمل على تماسكها كهدف أساسي للمؤسسة التربوية , كما و يتطلب من المعلمين رفع درجة الانتباه التربوي لصغائر الأمور قبل كبائرها و منع كل ما يرتبط بأي حزب سياسي من الوصول إلى المدرسة أو محيطها الداخلي أو الفصول الدراسية. أما بحر غزة فلونوه وقسموه كما شئتم , فان أردتم أن يكون نصفه اخضر والنصف الأخر اصفر فليكن و إن أردتم إن يتحزب السمك بداخلة فلكم هذا ولكن إلا مؤسساتنا التربوية التي ترفض الفصائلية و الحزبية و تنتمي للوطن و الوطنين.