عندما أمر الجنرال برويز مشرف باقتحام المسجد الأحمر في إسلام أباد الأسبوع الماضي، كان يدرك أن قراره يمكن أن يفضي إلى إلغاء معاهدة سلام مثيرة للجدل وقعتها حكومته مع المسلحين المنتمين إلى طالبان والقاعدة في شهر سبتمبر الماضي. كان يدرك ذلك بدليل أنه تعهد في خطابات ألقاها قبل وبعد اقتحام المسجد الأحمر باقتلاع المتطرفين من كافة أرجاء باكستان. لكن تعهده باستئصال المتطرفين، أي مقاتلي طالبان والقاعدة، يشبه تعهد نوري المالكي باستئصالهم من العراق، وتعهد جورج بوش بالقضاء عليهم في كل مكان. وكما يقول وزيرالداخلية الباكستاني أفتاب شبرباو فمن الصعب جدا وقف العمليات الانتحارية التي أقدم عليها المتشددون انتقاما لاقتحام المسجد الأحمر والتي أدت يومي السب والأحد إلى قتل سبعين باكستانيا وجرح الكثيرين. ورغم أن باكستان عرفت العمليات الانتحارية قبل غزو العراق عام «2003»، فإن محطة المسجد الأحمر تمثل نقلة نوعية في الانحدار إلى الدرك العراقي بكل تفاصيله الوحشية والمرعبة. وما يزيد من أهمية وخطورة ما تعيشه باكستان من تطورات أن انهيار هدنة الشهور العشرة بين مشرف ومسلحي وزيرستان الشمالية الواقعة على الحدود مع أفغانستان، يطال المنطقة ذاتها التي تشكو واشنطن من أنها تشهد انتعاشا للقاعدة وإعادة لتجميع قواتها هناك. الولاياتالمتحدة سارعت إلى مساندة برويز مشرف بقوة في حربه الجديدة على طالبان والقاعدة، ودعته إلى إرسال المزيد من القوات إلى المناطق المضطربة، وخصوصا وزيرستان الشمالية، لكن مستشار الأمن القومي الأميركي ستيفن هادلي عبر عن قلقه عندما قال ان لدى مشرف مشكلة الملاذ الآمن للمسلحين في منطقة لم تطأها قدم الحكومة المركزية منذ عقود وأجيال. لكن إلغاء «مجلس شورى طالبان» في وزيرستان الشمالية معاهدة السلام مع الحكومة الباكستانة، لا يشير فقط إلى عمق التحالف القبلي غير الرسمي بين الطالبانيين الباكستانيين والأفغان على جانبي الحدود، ولكنه يشير أيضا إلى حجم الضغوط الأمنية والعسكرية التي ستتعرض لها القوات الباكستانية الرسمية والتي قد تتطور إلى حرب مفتوحة على الطريقة العراقية. وحسب المعاهدة التي وقعت مع مقاتلي وزيرستان في «5» سبتمبر عام «2006» انسحبت عشرات الآلاف من القوات الباكستانية إلى ثكناتها بعد حرب طويلة ضد مخابئ القاعدة وطالبان، فيما وافق المقاتلون على وقف هجماتهم داخل باكستان وعبر الحدود ضد القوات الأجنبية في أفغانستان، على أن يتحمل زعماء القبائل مسؤولية الإشراف على احترام المعاهدة. وكان مشرف يقول إن مثل هذه الاتفاقيات التي تعطي زعماء القبائل سلطة تأمين الهدوء مقابل مساعدات تنموية من الحكومة توفر الأمل الوحيد للاستقرار طويل الأمد. لكن منتقديه يقولون إن هذه الاتفاقيات تمنح طالبان والقاعدة ملاذا آمنا لاستخدامه في هجمات على باكستانوأفغانستان. الآن انهارت المعاهدة ولم يعد ثمة مجال لمناقشة سلبياتها وإيجابياتها، وإنما مراقبة هذه المرحلة الحساسة والمدمرة من حرب مشرف على «الإرهاب».