استمراراً للتصاعد في أعمال العنف التى تشهدها باكستان منذ أن هاجمت القوات الحكومية المسجد الاحمر في وقت سابق هذا الشهر، قتل 45 باكستانيا على الأقل اليوم في هجومين انتحاريين استهدفا قافلة للقوات الأمنية في بلوشستان وأكاديمية للشرطة في هانجو القريبة من بيشاور.الاول قتل فيه أكثر من 12 شرطي وعدد من المدنيين وأصيب أخرون فى إنفجار عبوة ناسفة في قافلة للشرطة الباكستانية ببلدة هوب الواقعة على الحدود بين إقليمي السند وبلوشستان بالقرب من مدينة كراتشي كبرى مدن باكستان. وقالت تقارير أولية إن إنفجار كراتشى استهدف قوة من الشرطة كانت تقوم بتأمين قافلة تضم مهندسين صينيين في طريقهم لكراتشي، لكن كل القتلى باكستانيون.
ويعد هذا التفجير الأول من نوعه الذي يقع في جنوبي البلاد منذ اندلاع أعمال العنف الأخيرة في باكستان. ويلاحظ المراقبون أن الصينيين باتوا مؤخراً هدفاً لجماعات المتمردين في هذه المنطقة التي تعارض عددا من المشروعات التي تعتزم الحكومة تنفيذها في إقليم بلوشستان والتي تدير معظمها شركات صينية.
التفجير الآخر.. سبق تفجير كراتشى بساعتين حيث قام انتحاري باقتحام مركز تدريب للشرطة بسيارة مفخخة في مدينة هانجوالواقعة قرب بيشاور، بشمال غرب باكستان قتل فيه حوالى 20 شخصاً على الأقل وأصاب 20 آخرين بينهم عدد من المدنيين. الإنتحاري فجر سيارته المفخخة أثناء محاولته دخول ساحة الاستعراض العسكري في الأكاديمية صباح اليوم مع تدفق أكثر من 400 مجند شاب عليها للتدريب. مدينة هانجو التي لها تاريخ من العنف الطائفي، وتقع على مقربة من المناطق القبلية الباكستانية على الحدود مع افغانستان والمعروفة بأنها بؤرتأييد لمتشددي القاعدة وطالبان،حيث فرعدد كبير منهم الى المناطق القبلية في باكستان بعد ان أطاحت قوات التحالف التي قادتها الولاياتالمتحدة بنظام طالبان في افغانستان عام 2001 . ويعد هجوم هانجو، الأحدث في سلسلة هجمات اجتاحت البلاد عقب العداء الذي سببه اقتحام الشرطة الباكستانية للمسجد الأحمر في إسلام آباد بين الحكومة والجماعات الإسلامية. وجدير بالذكرأن منطقة وزيرستان الواقعة على الحدود مع افغانستان، تشهد منذ أيام موجة عنف كبيرة،حيث تخلى المقاتلون المؤيدون لطالبان هناك مؤخراً عن اتفاق سلام كانوا قد أبرموه مع حكومة إسلام آباد ،واستمر عشرة أشهر. وبالرغم من أن مجلس شورى القبائل أرجع قراره بإنهاء هدنة وزيرستان إلى عدم إلتزام الحكومة بتعهداتها بوقف عمليات الجيش في المنطقة، وإستمرارها في تعزيز القوات والمواقع الحدودية،إلا أنه من الملاحظ أن باكستان تشهد تصاعدا في أعمال العنف قتل خلالها ما يقرب من 150 شخصا ، معظمهم من الجيش والشرطة منذ أن اجتاحت القوات الحكومية المسجد الأحمر في العاصمة الباكستانية إسلام اباد الأسبوع الماضي لإنهاء حصار استمر أسبوعا ،وهو الأمرالذى أسفر عن مقتل المئات من طلابه وطالباته ،وفجر غضب قطاعات من الباكستانيين تجاه حكومة الرئيس مشرف . إتفاق السلام التى أبرمته الحكومة مع القبليين الموالين لطالبان ، في سبتمبر 2006 كان قد أنهى عامين من الاشتباكات،ونص على وقف الهجمات العابرة للحدود ما بين باكستانوأفغانستان،والتوقف عن إيواء مقاتلين أجانب،فى مقابل سحب الجيش نقاط تفتيشه من المنطقة ،مما أدى إعلان إنهائه الى إثارة المخاوف من إنفلات الوضع الأمني بالكامل شمالي غربي باكستان. الحكومة الباكستانية قامت من ناحيتها، بتعزيز التدابير الأمنية فى المناطق المتاخمة لحدود أفغانستان ،حيث أرسلت تعزيزات عسكرية إضافية ووحدات خاصة اليها اليها تنفيذاً للخطة الجديدة التى وضعها مشرف لمكافحة الارهاب.
انتقادات امريكية سياسة باكستان لم تنل اعجاب الولاياتالمتحدة،وظهر الخلاف علناً بين البلدين بشأن إستراتيجية الرئيس الباكستاني برويز مشرف في مناطق القبائل بإقليم وزيرستان المتاخم للحدود الأفغانية شمال غرب باكستان. المتحدث باسم البيت الأبيض توني سنو أكد أن إدارة الرئيس جورج بوش تصر على أن تنتهج إسلام آباد نهجا أكثر تشددا لقتال القاعدة، واعتبر في تصريحات للصحفيين بواشنطن أنه يتعين اتخاذ خطوات أكثر جرأة.
تقرير للإستخبارات الأميركية رأى أن إستراتيجية الرئيس الباكستاني برويز مشرف أوجدت فرصة للقاعدة لتجد ملاذا آمنا في منطقة القبائل. وتعتقد واشنطن أن منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية مرتع لأنشطة القاعدة وطالبان، ويختفى فيها زعيم القاعدة أسامة بن لادن وكبار قادة التنظيم الآخرين .
المراقبون من جهتهم أعتبروا هذا تراجعا من جانب الإدارة الأميركية التي أيدت في البداية الهدنة التي توصل إليها الرئيس الباكستاني مع قبائل وزيرستان في سبتمبرالماضي.
الخارجية الباكستانية من ناحيتها سارعت برفض التقرير الأميركي، واعتبرت أنه لا يستند إلى أدلة مادية. وقال بيان رسمي للوزارة إن إسلام آباد ستتحرك لتصفية أي وجود للقاعدة ولكن بموجب معلومات محددة ملموسة وتعاون استخباراتي.
الرئيس الباكستانى برويز مشرف أعلن أن بلاده تخوض مواجهة مفتوحة مع من أسماها "قوى التطرف". وقال خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف القومية الباكستانية "لدينا تصور واضح للجهات التي تقف خلف كل هذا، علينا مهاجمة الذين ينظمون" هذه الهجمات.
وقرر الرئيس -الذي يتولى أيضا قيادة الجيش- إرسال زهاء ثلاثين ألفا من الشرطة والقوات شبه العسكرية قبل نهاية العام الحالي إلى المنطقة القبلية لتعزيز القوات المنتشرة فيها وقوامها ما بين ثمانين وتسعين ألفا.
مشرف استبعد من ناحيته فرض حالة الطوارئ في البلاد لمواجهة العنف المتصاعد، وأكد أيضا إجراء الانتخابات التشريعية في وقتها المقرر نهاية العام الجاري أو مطلع العام القادم.
وبينما يرى المراقبون أن استبعاد مشرف لفرض الطوارئ يهدف للحفاظ على صورته السياسية في الإنتخابات،إلا أن الواقع يؤكد أن مشكلة مشرف اليوم أنه يقع في جانب بين مطرقة اميركا التى تحثه على شن حملة عسكرية واسعة لاستئصال المتطرفين الذين يستهدفون الجيش والمسئولين فى الحكومة، وسندان تصاعد نفوذ القوى الاسلامية المرتبط بمصالح وطموحات عرقية، وخاصة في المناطق البشتونية والبلوشية، وهو ما يشير الى مخاوف بشأن أن تؤدى الحملة العسكرية المرتقبة ضد مقاتلى القبائل الى الزج بالقوات المسلحة فى مواجهة طوائف من الشعب ،مما سيؤدى بها الى الدخول فى حرب أهلية ،يحذر المراقبون من أنها لن تنهى باكستان كقوة اقليمية فحسب، وانما قد تفكك نسيجها العرقى أيضاً، وتدخلها الى دائرة لا نهائية من الفوضى .