التهدئة من منظور واقعي فايز رشيد التهدئة التي توصلت إليها مصر بين حركة حماس و"إسرائيل"، تثبت بعد أيام على بدئها أن “إسرائيل" لم تكن لتوافق عليها لولا تضررها الفعلي من الصواريخ (حتى ولو كانت بدائية) التي كانت تطلق على سديروت وغيرها من المستوطنات. فبعد أن وضعت بعض الاشتراطات كإطلاق سراح الجندي المأسور شاليت، وأن تكون التهدئة مفتوحة زمنياً، عادت ورضخت لما طلبته حماس، إضافة أيضاً إلى فتحها للمعابر على القطاع باستثناء معبر رفح، الذي تلزم فتحه مفاوضات مع مصر والسلطة والمراقبين الأوروبيين تجريها حماس. وبموضوعية نقول: إن التهدئة تثبت بما لا يقبل مجالاً للشك، أن المقاومة المسلحة (وحدها لا غيرها) هي التي تؤثر في “إسرائيل" وتجبرها على الرضوخ للمطالب الفلسطينية، فتجربة عقد ونصف العقد من المفاوضات السياسية مع “إسرائيل" لم تجعلها تتزحزح عن مواقفها قيد أنملة. التهدئة هي واحدة من سلسلة تهدئات شبيهة جرت بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"، لكن أية واحدة منها لم تثبت، ذلك أن “إسرائيل" قامت بخرقها جميعاً، وبالرغم من أن هذا الاحتمال لا يزال قائماً لاستحالة تقيد “إسرائيل" بالاتفاقيات، لكنها تدرك أن ثمن الخرق سيكون مكلفاً بالنسبة لها نظراً للمشكلة الأمنية الكبيرة (بسبب الصواريخ) التي سيثيرها مستوطنو سديروت في وجه الحكومة “الإسرائيلية"، التي تفكر مراراً قبل القيام بحملة عسكرية واسعة في القطاع نظراً لإمكانية الخسارة البشرية الكبيرة في صفوف جيشها في حالة قررت اجتياح القطاع. وبالفعل لو ضمنت “إسرائيل" احتلال غزة من دون خسائر بشرية لقامت بذلك منذ زمن طويل. إن تجربة التهدئة في غزة تشبه في بعض سماتها تلك الاتفاقية الضمنية التي جرى إبرامها في عام 1996 بين حزب الله و"إسرائيل"، والتي كانت مقدمة للنصر الذي أحرزته المقاومة الوطنية اللبنانية ضد العدو الصهيوني في عام 2000. من زاوية ثانية، فإن التهدئة التي أقدمت عليها حركة حماس لم تكن لتقوم بها لو أنها كانت في المعارضة، ولو لم تقم بالاستيلاء على السلطة في غزة، الأمر الذي يعيد الى الأذهان الفارق النسبي بين وجود الفصيل الوطني في المعارضة أو في السلطة (مع نسبية هذه المسألة، لأن السلطة في غزة وشبيهتها في الضفة الغربية، وهما فعلياً تقعان تحت الاحتلال) لذا ولأنها مسؤولة عن تدبير احتياجات أهالي القطاع، تراها أقدمت على التهدئة ليلتقط سكانه أنفاسهم، وهي وفي هذه الحالة تشبه في بعض الجوانب ما راهنت وتراهن عليه حركة فتح في المفاوضات، الأمر الذي يطرح سؤالاً كبيراً: لماذا قامت الحركة بالاستيلاء على السلطة في غزة؟ بغض النظر عن الإدراك التام لشرعية ما تقوم به حركات المقاومة من (هُدْنات) مؤقتة في بعض الأحيان، وتغليب أشكال من المقاومة على أشكال أخرى في مراحل معينة، إلا أن الفصائل الفلسطينية مجتمعة مطالبة بالإجابة عن الإشكالية الكبيرة بين التهدئة والمقاومة تحديداً، باعتبارها الطريق الرئيسي لإجبار العدو على الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية. ومطالبة أيضاً بالإجابة عن موقع الفصيل في السلطة وفي المعارضة، الأمر الذي يستدعي سرعة بدء الحوار الفلسطيني الفلسطيني، لتجاوز حالة الانقسام الراهنة، والتي يهدد استمرارها بمزيد من النكبات للقضية الوطنية الفلسطينية، وتشكل استمراريتها منفذاً كبيراً للعدو الصهيوني، يعبر من خلاله إلى استمرارية المراهنة على الانقسام الفلسطيني، واللعب على أوتار هذا الانقسام. عن صحيفة الخليج الاماراتية 2/7/2008