السؤال: ما المقصود من قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"؟ يجيب عن هذا السؤال لدكتور محمد عبدالعزيز واصل وكيل الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية يقول: ظهرت دعوة الإسلام أول ما ظهرت بمكةالمكرمة. وقام رسول الله صلي الله عليه وسلم بإبلاغ دعوة الله إلي الناس. ومكث بمكة ثلاث عشرة سنة فآمن نفر قليل من الفقراء والموالي والمستضعفين ومن بينهم بعض من كان له شأن ووزن عند قومه وفي مجتمعه كأبي بكر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعاً. ولكن من آمن علي كل حال نفر قليل. وقد لاقوا في سبيل إيمانهم الشدائد والصعاب وركبوا الأهوال. وبعد ثلاث عشرة سنة أذن الله عز وجل لرسوله وللمؤمنين بالهجرة والتحول والانتقال من مكة إلي المدينة فالهجرة كانت فصلاً بين عهدين. عهد مكة الذي لم يكن للمسلمين فيه كيان ولا سلطان ولا مجتمع. وكل نصيبهم من المشركين الجبابرة هو العذاب والابتلاء. وعهد المدينة دار النصرة ومركز القيادة وفيه صار للمسلمين دولة ومجتمع ولأن الهجرة كانت فيصلاً بين عهدين. وكانت خروجاً من بيئة الشرك إلي بيئة الإيمان المتفتح دعا الرسول ربه في أثناء الهجرة بقوله: "رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً" فالهجرة كانت من مكة إلي المدينة فرضاً علي القادرين نصرة للنبي صلي الله عليه وسلم وحماية للدين ووقاية للنفس من أذي المشركين. فلما أتم الله أنعمته علي المسلمين بفتح مكة انتهي الوجوب بقوله صلي الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" ولكن بقيت هجرتان واجبتان إحداهما: هجرة المحرمات لقول رسول الله: "والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه" والثانية: هجرة أهل المعاصي أي تركهم حتي يرجعوا تأديباً لهم. فلا يخالطون حتي يتوبوا كما فعل رسول الله مع كعب بن مالك وصاحبيه الذين تخلوا عنه في غزوة تبوك والذي يهجر المنهي عنه لابد له أن يلتزم بالمأمور به. إذا لو اقتصر علي الموقف السلبي لما كان جديراً بمكانة الإنسان العاقل الذي يعرف السوء فيحذره ويعرف الخير فيستمسك به. وما أجمل المسلم أن يجعل من ذكري الهجرة نقطة تحول واعتدال. فينتقل فيها من وضع لا يرتضيه ومنهج لا يزكيه إلي مجال آخر يعلو فيه ويقوي ويتزكي. والله أعلم المصدر: جريدة "الجمهورية" المصرية.