وزير التعليم العالي يترأس اجتماع الاتحاد الرياضي للجامعات بحضور صبحي    دعم الأمن والاستقرار بالمنطقة    حقيقة حظر الاستعانة بالمحالين للمعاش للعمل بالجهاز الإداري للدولة    نموذج لشراكة الدولة والمجتمع المدنى    نقيب العلوم الصحية: خبراء الأشعة المصريون فى ألمانيا «أون لاين»    وزير الري: مياه النيل قضية أمن قومي ولن نفرط في قطرة مياه واحدة    السفارات المصرية في 18 دولة تفتح أبوابها لاستقبال الناخبين في انتخابات مجلس النواب    اليوم| بدء صرف مرتبات العاملين بالدولة لشهر ديسمبر 2025    سعر الدولار اليوم الأربعاء 24 ديسمبر 2025    أسعار الذهب تتجاوز مستوى 4500 دولار لأول مرة    بزيادة 27% عن 2025| تركيا تقرر رفع الحد الأدنى للأجور الشهرية    حصاد 2025، تطور الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وباريس بقيادة السيسي وماكرون    دبابات الاحتلال الإسرائيلي وآلياته تطلق النار بكثافة صوب منطقة المواصي جنوب غزة    «السخيري»: الفوز الافتتاحي كان ضروريًا.. والهدف المئوي يحمل قيمة خاصة    كأس عاصمة مصر، صراع بين فاركو وإنبى للانفراد بقمة مجموعة الأهلي    أملنا كبير    أمم أفريقيا 2025| التشكيل المتوقع للسودان أمام محاربي الصحراء    وزير العمل: صرف 200 ألف جنيه لأسرة المتوفى و20 ألفًا للمصاب بحادث طريق الواحات    التحقيقات تكشف سبب انهيار عقار جزئيًا في الزاوية الحمراء    «السكة الحديد» توضح ضوابط حجز تذاكر الطوارئ بالقطارات المكيفة    طقس الأربعاء 24 ديسمبر 2025.. الأرصاد تحذر من برودة شديدة وشبورة كثيفة صباحًا    وفاة الفنان طارق الأمير بعد صراع مع المرض    رئيس دولة التلاوة    محمد إمام يكشف كواليس مشهد عرضه للخطر في «الكينج»    طريقة عمل شوربة العدس الأحمر بجوز الهند والزنجبيل    حماية بكرامة    بدون أدوية| كيف تقلل مدة نزلات البرد؟    بعد قليل، الجنايات تواصل سماع المرافعات في قضية سارة خليفة و27 متهمين آخرين    كانت بتزور جدتها.. محامي طالبة طب فاقوس بالشرقية ينفي صلتها بخلافات الميراث    محاكمة اللاعب علي غزال بتهمة النصب على رجل أعمال بالتجمع اليوم    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة    أسعار الأسمنت اليوم الأربعاء في محافظة الغربية    تايلاند تحدد شروطا قبل بدء محادثات الأمانة العامة للجنة الحدود مع كمبوديا اليوم    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 24ديسمبر 2025 فى المنيا....اعرف مواقيت صلاتك بدقه    أسعار الخضروات اليوم الأربعاء 24 ديسمبر في سوق العبور للجملة    بو نجاح: مواجهة السودان صعبة.. ومن الجماهير المطالبة بالتتويج بالكأس    نظر استئناف النيابة على براءة سوزي الأردنية من التعدي على القيم الأسرية    أمريكا وإيران تتبادلان الانتقادات في الأمم المتحدة بشأن المحادثات النووية    زفاف جيجي حديد وبرادلي كوبر في 2026    8.46 مليار مشاهدة في أسبوع، رقم قياسي جديد لمسلسل Stranger Things 5    شقيقة ميسي تتعرض لحادث سير خطير في الولايات المتحدة    تفجير جديد يهز العاصمة الروسية موسكو.. وشرطيان فى حالة حرجة    قناة ON تستعد لعرض مسلسل «قسمة العدل»    بوتين يرفض أى خطط لتقسيم سوريا والانتهاكات الإسرائيلية    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    فيديو | «ربنا كتبلي عمر جديد».. ناجية من عقار إمبابة المنهار تروي لحظات الرعب    الصحة: نجاح عملية استبدال صمام قلب لمسن فوق 90 عاما بمبرة مصر القديمة    بالصور.. الشباب والرياضة توضح أسباب اجتماع وزير الرياضة مع مجلس إدارة الأهلي برئاسة محمود الخطيب    ارتفاع حصيلة ضحايا عدوان الاحتلال على غزة إلى 70،942 شهيدًا و171،195 مصابًا    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    إغلاق الأسهم الأمريكية عند مستوى قياسي جديد    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    فايزر تحقق في حادث خلال تجربة علاج جديد لمرضى سيولة الدم    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحروب الصليبية كما يراها العرب
نشر في محيط يوم 27 - 10 - 2008

كنت في فرنسا عندما صدر كتاب أمين معلوف "الحروب الصليبية كما يراها العرب" أواخر عام 1988 في باريس. وكغيري ممن قرؤوا الكتاب بمتعة لاتضاهى في حينه، شعرت كم نحن مقصرون بحق تراثنا وثقافتنا.
لقد كان قوام بحثه الرائع جملة وثائق محفوظة في المكتبة الظاهرية في دمشق، وعمادها الرئيسي حوليات ابن المنقذ، بالإضافة إلى الترجمات التي قام بها المعهد الفرنسي للدراسات الشرقية في دمشق.
الكتاب الرائع لأمين معلوف دفعني بمجرد الانتهاء منه إلى التنقيب في مكتبة كلية آداب جامعة بروفانس بحثاً عن الكتب والوثائق الفرنسية التي أرّخت لنفس الحقبة، إلى أن توصلت لجمع ما يكفي من معلومات عن الحملة الصليبية الأخيرة التي توجت معركة حطين، ونجم عنها طي صفحة وجود الفرنجة في بلاد الشام.
كانت الوثائق التي جمعتها مدونة في معظمها من قبل المؤرخ الفرنسي الشهير ألبير ديكس، الذي رافق تلك الحملة الأخيرة على الشرق، وأتت متزامنة مع حوليات ابن المنقذ في إطارها التاريخي. وهنا كانت المفاجأة المذهلة.
لقد سمحت لي المقارنة الدقيقة بين النصوص التي تؤرخ لمعركة وقعت بتاريخ محدد بين جيوش المسلمين والفرنجة، برؤية الحدث ذاته مسرودا بوجهتي نظر مختلفتين كلّياً، إلى حد تشك فيه أن كلا من المؤرخ العربي ونظيره الفرنسي يؤرخان لوقائع للحدث نفسه، الذي جرى في المكان الموصوف، في الزمن المحدد.
وبالتحليل المتأني لواقعة بعينها، تستنتج أن المؤرخ، سواء كان في الجانب العربي، أم في صف الفرنجة، كان يدون الأحداث بعين وعقل وعواطف السلطان. يضفي على وقائع ما جرى في ذلك اليوم لمسات تعبر عن العقيدة، الايديولوجيا السائدة، بشكل يقترب قدر الإمكان من الصدق والأمانة التاريخية، في وصف الأحداث، دون أن يغفل مسألة إخراجها بطريقة تلقى حسن القبول لدى السلطان. لمعرفته المسبقة بأن كل ما يدونه سوف يتلوه أولاً على مسامع مولاه. لذا فحري به أن يسهب في وصف بطولات فرسانه وجنوده البواسل، ويعظم من شأن انتصاراته، ويقلل من شأن الانتكاسات وبعض الهزائم، ويبالغ في تضخيم أرقام القتلى في صفوف العدو، والدمار الذي لحق بهم.
مثال صارخ على ذلك: أفرد كتاب أمين معلوف فصلاً بحدود خمسين صفحة عن حصار مدينة المعرة، الذي دام ستة شهور، واستسلامها إثر نفاد المؤن وموت كهولها والكثير من أطفالها جوعا وبردا، ففتح وجهاؤها بابها الشمالي سامحين للجيوش
التي تحاصرها اقتحامها وذبح معظم سكانها. وعندما لم يجد الجنود الجائعون أيضا
لقمة أكل يقتاتون بها عمدوا إلى طهي الجثث وإشباع بطونهم منها.
المفارقة العجيبة في هذه الواقعة أن الوثائق الفرنسية جميعها اشتركت مع الوثائق العربية، بنسبة كبيرة، في وصف تفاصيل حصار المدينة، وأن الجيوش المحاصرة كانت على وشك فك الحصار عنها بسبب الأمراض التي فتكت بالجنود من أثر تراكم الثلوج وفقدان المؤن وحطب التدفئة. لكن لم تشر وثيقة واحدة إلى مسألة أكل الجنود للحوم البشر بعد اعترافهم باستباحة المدينة.
أين الحقيقة إذاً في مجلدات ضخمة من تاريخ تعلمناه، وما نزال ندرسه لأبنائنا، ويدرسونه هم أيضا لأبنائهم؟ وهل يستحق منا ومنهم هذه الهالة من القدسية التي نضفيها نحن على ما دونا، وهم على وثائقهم، طالما أنها كتبت في معظمها وفق ما يرضي أهواء السلاطين الذين أمروا بتدوينها، كل من طرف يخصه؟ ثم ألا يجدر بنا أن نبادر إلى إحداث مناهج متخصصة بالتحليل التاريخي في كلياتنا الأدبية؟ على غرار مادة الأدب المقارن، بشكل يسمح بظهور دراسات وأبحاث تنفض الغبار عن ملايين الوثائق، فتحررها من الكثير من الايديولوجيا الموجهة التي أعاقت كل عملية حوار عقلاني بيننا وبين الثقافات الأخرى المختلفة عنا، بسبب خطابنا الاقصائي المشبع بالكثير من المغالطات، التي نعتقد بحسن نية، أنها هي الصواب، فنقدم أيضا بحسن نية، لوسائل الإعلام المعادية لنا الفرصة تلو الأخرى، لإدانتنا على مبدأ: من فمك أدينك.
** منشور بصحيفة "تشرين" الثورية 27 أكتوبر 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.