صدر مؤخراً باللغة الفرنسية عن دار "أليف" ضمن سلسلة دفاتر التراث وقسم التاريخ منشورات 2007 كتاباً جديداً ويحمل عنوان: "La tunisie arabo- musulmane vue du ciel" أو ما يمكن ترجمته ب:"المدن العربية الاسلامية فى تونس منظورا لها من فوق" في 69 صفحة. يعني هذا الكتاب وفقاً لجريدة "العرب اللندنية " بعمارة بعض المدن التونسية ما بعد الفتح الاسلامى وأبرز المعالم التى مازالت شاهدة إلى يومنا هذا على تلك الحقبة التاريخة. تتعدى صفحات الغلاف الأربع صفحات المتعارف عليها فى أغلب الكتب، بما أن الغلاف يتضمن طيتين اثنتين فى الوجه وفى القفا. فالطيّة فى الغلاف تضاعف عدد الصفحات خاصة وأن هذا الاصدار الجديد يعتمد الصور كمادة أساسية لمحتواه. كما تهب الطية للصورة مجالا واسعا لتأخذ الصورة شكلا "بانوراميا"، مما يمنح القارئ عامة والباحث بصفة خاصة فرحة الاطلاع على مساحة كبيرة من عمران المدن وكل ما يحيط بالمعلم الأثرى المصوّر وسائر البنايات وتفاصيل المجال الجغرافي. ويحتوى الكتاب على معلومات مختصرة ومادة اضافية يتداخل فيها النص والصورة تخص 19 مدينة وعدة معالم تاريخية لا تزال قائمة إلى الآن فى التراب التونسى وتتوزع على شماله وجنوبه وشرقه وغربه. والمدن التى اعتنى بها الكتاب حسبما ذكرت "العرب اللندنية " هي: القيروان وباردو وبنزرت وقفصة وغار الملح وجربة وقليبية والكاف ولمطة والمهدية والمحمدية والمنستير وصفاقس وسوسة وطبرقة وطبربة والبطان وتستور وتونس، والملاحظ فى هذا الترتيب الذى جاء تباعا فى صفحات الكتاب أن مؤلفه حاول التقيد قدر المستطاع بالعنوان أى منطلق التاريخ العربى والاسلامى إذ كانت مدينة القيروان هى أول مدينة كبرى تم فتحها وأسس فيها جامع عقبة بن نافع سنة 670.على إثر الفتوحات العديدة التى انطلقت سنة 647 وارسال الخليفة عثمان بن عفان لعبد الله بن أبى سرح على رأس جيش المسلمين إلى افريقية وقد سقطت مدينة قرطاج سنة 698 وهى سنة تأسيس جامع الزيتونة المعمور. كما زاوج المؤلف بين الرؤية الجمالية و"الرؤية التاريخية" فى الكتاب حتى لا يكون العمل مجرد مسح جغرافى للمعالم أو مجرد سرد خطى لتاريخ البلاد التونسية. التقط صور الكتاب المصور الفوتغرافى محمد الصالح بالطيب باستخدام الطائرة ولم يعتمد المنطاد، والمقصود بالرؤية "المنطادية" التعبير عن الرؤية الفوقية "صور ملتقطة من السماء" فى "مجال جوي" منخفض قليلا يسمح بأخذ صور متنوعة للمشهد الواحد من مواقع علوية متعددة ومن زوايا مختلفة وذلك بحثا عن مشاهد تقرّب المعالم والمواقع للقارئ وتجعلها أكثر شمولية واعجابا فى نفس الوقت. وتتكفل النصوص التى أعدتها فيفيان بالطيب بتوضيح تاريخ المدن المصورة وذكر بعض تفاصيل معالمها والاكتفاء بأشهرها مثال ذلك فى مدينة القيروان: جامع عقبة بن نافع وفسقيات الأغالبة وزاوية سيدى الصحبى وزاوية أبى زمعة البلوي. بينما نجد صاحبة النص تفصّل تخطيط بعض المدن وتتبع دقائق هندستها المعمارية فتذكر مثلا أبراج ومعالم مدينة غار الملح، كما تشرح للقارئ أهم المكونات المعمارية للمدن: الحمامات والمهدية والمنستير وصفاقس وسوسة وغيرها. وتفسر فيفيان بالطيب فى نصها حسبما ذكرت "العرب اللندنية " على قصره للقارئ جوانب من الحياة العامة لسكان المدن التونسية وتبين بدقة نظم الاقتصاد وسبل العيش مثال ذلك تحليل طريقة الرى فى مدينتى طبربة والبطان أو اتباع الأسباب العميقة لظهور القرصنة من خلال ذكر نموذج مدن غار الملح أو جربة.ويبدو ذلك النص منسجما مع الصور المرافقة ومرتبطا أشد الارتباط مع محتوى اللقطة أو المشهد الفوقى الذى يظهر الظاهرة المثارة فى النص مثال ذلك نظام التحصينات فى القلاع والرّبط خاصة رباط المنستير ورباط سوسة وبرج قليبية.