صنعاء: توفي فجر السبت الشاعر والأديب اليمني الكبير ابراهيم الحضراني بعد مرض اشتد به في الأيام الأخيرة من حياته عن عمر ناهز أكثر من تسعين عام. ونعت الأمانة العامة لإتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في بيان لها رحيل الشاعر الكبير ابراهيم الحضراني، وأشار البيان إلى إسهامات الراحل الذي اثرى الحياة الأدبية بوافر عطائه الأدبي والفكري أكثر من نصف قرن من الزمان . ويعد الحضراني رائدا في النضال وفي التصدي للحكم الإمامي البائد والإنتصار لقضايا الثورة والتحرر ونموذجا للإبداع والمثابرة والإخلاص للوطن والفكر والثقافة . واعتبر البيان رحيل الحضراني يمثل فقدان لعمودٍ من أعمدة الشعر العربي الحديث وخسارة للمشهد الشعري العربي كافة . ولد الشاعر الكبير إبراهيم أحمد محمد الحضراني في خربة أبو يابس بذمار 1917، وانتقل من خربة أبويابس الى ذمار لطلب العلم شب وترعرع في كنف والده القاضي أحمد الحضراني ودرس في المدرسة الشمسية بذمار على يد اسماعيل علي السوسوة وغيره. رافق أباه حينما ذهب مع عبد الرحمن عبيدالله السقاف إلى مدينة البيضاء وظل رهينة هناك لدى الشيخ الرصاص حتى عاد والده من اندونسيا والهند. فانتقل مع والده الى تعز واختلط بأدبائها وشعرائها وتأثر بهم وأثر فيهم وساجلهم الشعر. كما التقى الزبير في تعز وتبادلا قول الشعر في كثير من المناسبات. انخرط في صفوف الأحرار وكان أحد نشطاء الحركة الوطنية في اليمن وظل يعمل في الحقل الوطني بجد وإجتهاد حتى تم قتل الإمام يحي حميد الدين في صنعاء. واعتقل في يريم وضم إلى من اعتقلوا في ذمار وسيقوا إلى سجون حجة وقضى في السجن ثلاث سنوات. يقول بأبياته: كم تعذبت في سبيل بلادي ** وتجرعت كأس المنون مرارا وأنا اليوم في سبيل بلادي ** أبذل الروح راضياً مختارا عين ابراهيم الحضراني وكيلا لوزارة الاعلام عندما قامت ثورة اليمن عام 1962م وشارك في كثير من المؤتمرات الأدبية في البلاد العربية وزار بعض دول أوروبا وأمريكا. له شعر كثير نشر منه ديوانه الذى أصدرته وزارة الثقافة اليمنية ضمن مشروع 2004م وكذلك شذرات نشرها صديقه الشاعر أحمد محمد الشامي بعنوان "القطوف الدواني من شعر ابراهيم الحضراني". عمل مستشارا ثقافيا في سفارة اليمن في الكويت وشارك في كثير من المؤتمرات الادبية التي عقدت في الدول العربية منها مهرجان المربد في العراق عام 74-80--1988م له شعر غنائي كثير من أشهر قصيدة: يا قلب كم سرك لقاء الحبيب *** وكم قد استانست قربه وغناها الفنان أحمد السنيدار، كذلك قصيدة غناها الفنان فؤاد الكبسي قال فيها: لاعتب لاعتب *** قده مقدر لمن حب أن ينال التعب *** وطول عمره معذب كان ابراهيم الحضراني مرهف الحس محباً من الطراز الأول، تشهد بذلك أشعاره حين يقول "كلهم يحدثني عنكِ" التي يقول فيها: حبُّكِ! ما أَقْوى، وما أعمقا *** قد علّم الأشياءَ أن تنطِقَا قالت لي الصخرة: لا تنسه *** وكيف أنسى حبي الأسبقا! والنهر لما جئته مفرداً *** يسألني عن موعد الملتقى والروض حتى الروض ما لم تكن *** بجانبي ينظرني محنقا نسْمته في مسمعي عاصف *** وزهره يوشك أن يحرقا والعطر يأبى كلما رمته *** من غير أنفاسك أن يعبقا علمت ما حولي حديث الهوى *** وكيف يُضني قلبِيَ الشيّقا - ومن أشعارة أيضاً نقرأ قصيدة "رمال عطشى": الندامى؛ وأين مني الندامى *** ذهبوا يَمْنة، وسرت شآما يا أحباءنا تنكَّر دهر *** كان بالأمس ثغرُه بسَّاما ما عليكم في هجرنا من ملام *** قد حملنا عن الليالي الملاما وطوينا على الجراح قلوباً *** دميت لوعة، وذابت غراما سوف يدري من ضيع العهد أنا *** منه أسمى نفساً وأوفى ذماما نحن من لقّن الحمام فغنى *** ومن الشوق عطَّر الأنساما والندى في الرياض فيضُ دموع *** من جفون لنا أبت أن تناما كم سجا الليل والجوانح هيمى *** بتباريحها تُناجي الظلاما الندامى، وأين مني الندامى?.. ذهبوا يمنة وسرت شآما! - ويستهيم إبراهيم الحضراني ليعبث في الشوق في قصيدته "مستهام" التي تضم مشاغر غزيرة مرهفة يقول فيها: مستهام يعبث الشوق به عبثَ الموج بأنّات الغريقْ قلبه الدامي وقد حمَّله من تباريح الهوى ما لا يطيق ليس ينفك حزيناً موجعا يصحب الأيام بالجرح العميق وحدتْه في الورى أشجانه فهو في وادٍ من الشجو سحيق حيث لا موجدة من ناقمٍ تبلغُ الشكوى.. ولا نجوى صديق حار في حمل الهوى.. لا كفُّه عافت الكأس، ولا جفَّ الرحيق وكفى إبراهيم الحضراني أنه قال بيتاً لا يزال اليمانيون يرددونه منذ خمسينيات القرن الماضي وحتي الآن إنه البيت الذي يقول فيه: كل فجر مر فجر كاذب *** فمتى يأتي الذي لا يكذبُ وكلما ردده اليمنيون تذكروا معه شاعرهم المميز والذي يُعرف هنا في صنعاء بآخر العمالقة. وها قد أتاه فجره الصادق الذي لا يكذب، فقد انتظره كثيراً .